المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌3 - البحث عن مخرج لأزمتي الانحراف والتخلف: - النظريات العلمية الحديثة مسيرتها الفكرية وأسلوب الفكر التغريبي العربي في التعامل معها دراسة نقدية - جـ ١

[حسن الأسمري]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌أهمية الموضوع:

- ‌أسباب الاختيار:

- ‌أهداف الموضوع:

- ‌الدراسات السابقة حول الموضوع:

- ‌أولًا: الكتب الإسلامية التي تكون بعنوان:الدين والعلم، أو القرآن والعلم، أو الإِسلام والعلم، وما في معناها وبابها

- ‌ثانيًا: الكتب التي تناولت بعض موضوعات البحث:

- ‌ثالثًا: "منهج المدرسة العقلية الحديثة في التفسير

- ‌رابعًا: الكتب التي تدور حول الفكر العربي المعاصر ومذاهبه:

- ‌خامسًا: الكتب المتخصصة في مشكلة البحث:

- ‌منهج البحث

- ‌خطة البحث:

- ‌التمهيد

- ‌أولًا: النظرية العلمية

- ‌ثانيًا: أسباب نشأة الاتجاه التغريبي

- ‌ثالثًا: الموقف الإسلامي من العلوم التجريبية وأمثالها

- ‌الباب الأول نشأة الانحرافات المرتبطة بحركة العلم الحديث وظهورها في العالم الإسلامي

- ‌الفصل الأول تعريف موجز بالثورة العلمية الحديثة وما ارتبط بها من نظريات مخالفة للدين وأثرها

- ‌أولًا: مصطلح أو مفهوم "الثورة العلمية

- ‌ثانيًا: ما قبل الثورة العلمية الحديثة "ممهدات الثورة العلمية

- ‌[1] التركة الأرسطية المتغلغلة في أواخر العصور الوسطى الأوروبية ومحاولتهم تجاوزها:

- ‌[2] الأمر الداخلي: أثر عصر النهضة والإصلاح الديني:

- ‌أ- عصر النهضة وحركة الإنسانيين:

- ‌ب- الإصلاح الديني:

- ‌[3] الأمر الخارجي: أثر العلم المنقول من بلاد المسلمين في ظهور الثورة العلمية:

- ‌ثالثًا: الثورة العلمية

- ‌معالم الحدث في الكتابات الفكرية

- ‌[1] البداية من علم الفلك:

- ‌أ- علم الفلك القديم:

- ‌ب - علم الفلك الجديد وشخصياته:

- ‌1 - مولد النظرية مع كوبرنيكوس:

- ‌2 - إحراق برونو يُشهر النظرية:

- ‌3 - براهي والبحث عن الأدلة:

- ‌4 - كبلر: للسعي للتوفيق واكتشاف القوانين:

- ‌ج- دور جاليليو:

- ‌1 - استعمال جاليليو للتلسكوب وآثار ذلك:

- ‌2 - صراعات جاليليو والمظهر الفكري الذي تبعها:

- ‌[2] قنطرة بيكون وديكارت والتأسيس المنهجي للثورة الفكرية والعلمية:

- ‌أ- فرانسيس بيكون:

- ‌ب- ديكارت:

- ‌[3] نيوتن وظهور أشهر ثاني نظرية في العلم الحديث:

- ‌أ- كتاب "المبادئ الرياضية للفلسفة الطبيعية

- ‌ب- القوانين والنظرية:

- ‌ج- النقاش حول علاقة العلم بالدين:

- ‌د- أثر نيوتن في الفكر الغربي:

- ‌رابعًا: ما بعد الثورة العلمية (1) "القرن الثاني عشر الهجري/ الثامن عشر الميلادي

- ‌[1] أبرز التطورات العلمية:

- ‌[2] التحول إلى العلمنة:

- ‌[3] تيارات الفكر المشهورة وعلاقتها بالعلم:

- ‌أ- التياران الموروثان "العقلاني والتجريبي

- ‌ب- الفلسفة النقدية الكانطية:

- ‌ج- الاتجاه المادي:

- ‌د- التنوير:

- ‌[4] الثورة الفرنسية العلمانية (1789 م):

- ‌خامسًا: ما بعد الثورة العلمية (2) "القرن الثالث عشر الهجري/ التاسع عشر الميلادي

- ‌[1] تيارات الفكر المشهورة:

- ‌أ- اليسار الهيجلي:

- ‌ب- نقاد الدين ونصوصه الجدد:

- ‌ج- الوضعية:

- ‌[2] النشاط العلمي في القرن الثالث عشر/ التاسع عشر:

- ‌[3] نظرية التطور الدارونية وأبعادها الفكرية والاجتماعية:

- ‌أ- مصطلح التطور:

- ‌ب- تشارلس داروين (1809 - 1882 م):

- ‌ج- من إشكاليات النظرية الدارونية في مفهوم العلم:

- ‌د- من النظرية إلى المذهب:

- ‌هـ - موقف الكنيسة والعلماء من النظرية:

- ‌[4] البحث عن حدود النظرية العلمية والدين:

- ‌أ- مفهوم النظرية:

- ‌ب- مع الدين وضدّه:

- ‌سادسًا: ما بعد الثورة العلمية (3) (القرن الرابع عشر الهجري/ العشرون الميلادي)

- ‌[1] المستجدات في العلوم الاجتماعية "علم الاجتماع وعلم النفس

- ‌أ- علم الاجتماع:

- ‌ب- علم النفس:

- ‌ج- العلاقة بين الدين والعلوم البشرية من جهتي الخبر والشرع:

- ‌[2] نظريتا النسبية والكوانتم وثورة جديدة في الفيزياء:

- ‌أ- تحولات في الفيزياء "أشياء صغيرة تدفع العلم نحو التواضع

- ‌ب- تجربة مايكلسون ومورلي ومولد النظرية النسبية

- ‌1 - الأثير لا يصمد أمام التجربة:

- ‌2 - من التجربة إلى النظرية النسبية:

- ‌3 - علاقة النظرية بالواقع المعاصر:

- ‌ج- اكتشاف الذرة ومولد نظرية الكم:

- ‌1 - قصة عالم الذرة:

- ‌2 - من آثار النظرية:

- ‌د- خاتمة حول الفيزياء المعاصرة:

- ‌[3] علاقة العلم بالفكر في القرن "الرابع عشر/ العشرين م

- ‌أ - طبيعة النظرية العلمية وحدودها "طبيعة المعرفة العلمية وحدودها

- ‌1 - نقاد العلم:

- ‌2 - فلسفة العلوم أو الإبستمولوجيا:

- ‌3 - الوضعية المنطقية:

- ‌4 - فلسفة العلم في الفكر العربي:

- ‌5 - نحو نظرية معرفة جديدة:

- ‌ب- انقلاب فكري ضدّ الوضعية العلموية وتيارات المعرفة المادية:

- ‌ج - عصر جديد لعلاقة العلم بالايمان في الفكر الغربي:

- ‌الفصل الثاني أسباب وجود الانحراف المصاحب للتطور العلمي الحديث

- ‌الفرق بين أسباب تقدم العلم وبين أسباب الانحراف به وأهمية بحثها

- ‌أمثلة تبين المقصود بمفهوم الانحراف بالعلم

- ‌المثال الأول: إنسان بِلتْداون:

- ‌المثال الثاني: التولد الذاتي:

- ‌ما بين الرؤية الكنسية والرؤية العلمانية للعلم وأثر ذلك في الانحراف بمسيرة العلم

- ‌الأول: دور الكنيسة في إفساد العلاقة بين الدين والعلم

- ‌دخول النصرانية للغرب واحتواء لاهوتها على معارف علمية:

- ‌العداء بين الكنيسة وطوائف اجتماعية جديدة:

- ‌تمثيل الكنيسة للموقف الديني في الصراع بين الدين والعلم وأثره:

- ‌المواقف الأربعة للكنيسة من العلم الحديث وما تضمنته من إشكالات:

- ‌حالة المعاناة من الكنيسة وظهور العلمانية:

- ‌المثال الأول: باب المعجزات:

- ‌المثال الثاني: اعتقادات النصارى حول الأرض:

- ‌الثاني: دور العلمانية في الانحراف بمسيرة العلم

- ‌التحول نحو العلمنة في أوروبا:

- ‌أ- العلاقة المشبوهة:

- ‌ب - الحل العلماني من كونه فصلًا إلى كونه رؤية:

- ‌ج - ظهور الدولة العلمانية القومية، وأثرها في الانحراف بمسيرة العلم:

- ‌د - التيار العلمي في ظل السيطرة العلمانية:

- ‌1 - أثر نشأة العلم في البيئة العلمانية:

- ‌2 - قناعة التيار العلمي بأهمية الفصل بين الدين والعلم:

- ‌3 - ظهور طائفة من العلماء الماديين والملحدين وأثرهم:

- ‌الثالث: دور الفكر المادي في انحراف العلم

- ‌أ - ما المادية

- ‌ب - التطور العلمي والتوسع في التصورات المادية:

- ‌ج - صورة العلاقة بين المادية والعلم الحديث:

- ‌مادية القرن الثامن عشر والتاسع عشر:

- ‌د - المنهجية المادية للانحراف بالعلم:

- ‌أولًا: آلية الربط للحصول على السند العلمي:

- ‌ثانيًا: آلية التعميم لاستغلال العلوم الحديثة:

- ‌ثالثًا: نماذج من انحرافات الاتجاه المادي بالعلم "الفيزياء - الأحياء - الرياضيات

- ‌1 - مفهوم القانون العلمي في الفيزياء:

- ‌2 - ظاهرة الحياة في الأحياء:

- ‌3 - إقحام المادية في الرياضيات:

- ‌هـ - التوظيف المادي للعلم من أجل إلغاء الدين:

- ‌الرابع: دور المذهب التجريبي الحسي والوضعي

- ‌الاتجاه التجريبي والعلم التجريبي -وهم التسمية وحقيقة الاتجاه:

- ‌المؤسسون للمنهج وتصورهم للعلم:

- ‌ما بين الميتافيزيقا والعلم عند الاتجاه التجريبي:

- ‌كونت والدعوة الوضعية:

- ‌الوضعية المنطقية في القرن الرابع عشر/ العشرين:

- ‌مبدأ التحقق

- ‌الخامس: دور اليهود

- ‌الأحداث الثلاثة التي مكنت لليهود في الفكر الحديث:

- ‌يهودي دون ديانة يهودية

- ‌نموذج للدور اليهودي في الانحراف بمسيرة العلم الحديث:

- ‌نموذج فرويد ونظرياته في علم النفس:

- ‌أ- من داروين إلى فرويد:

- ‌ب- فرويد وظاهرة "اليهودي الملحد

- ‌ج- علاقة فرويد باليهود واليهودية:

- ‌أولًا: العلاقة باليهود:

- ‌ثانيًا: علاقته باليهودية:

- ‌د- جماعة التحليل النفسي: جماعة علمية أم جماعة يهودية

- ‌حادثة انشقاق كارل يونغ:

- ‌هـ - النظرية العلمية -صورة للاستثمار اليهودي:

- ‌1 - علاقة الفرويدية باليهودية وكتبها المقدسة:

- ‌2 - استثمار النظرية العلمية في إنكار العقائد والقيم:

- ‌الفصل الثالث تاريخ تكون الانحرافات المصاحبة لحركة العلم الحديث في العالم الإِسلامي وتأثيرها في الفكر التغريبي العربي المعاصر

- ‌أولًا: تغير العالم ببعثة الرسول محمَّد صلى الله عليه وسلم

- ‌ظهور أمة الإِسلام ودورها في إنقاذ العالم:

- ‌ثانيًا: موجز لصورة العلوم في الحضارة الإِسلامية

- ‌القسم الأول: العلوم النقلية:

- ‌القسم الثاني: العلوم الحكمية:

- ‌العلوم السبعة:

- ‌خلاصة صورة التعرف الأولي علي علوم الأمم السابقة:

- ‌ثالثًا: الضعف والتخلف وانحسار مفهوم أمة العلم وظهور الدعوات الإصلاحية

- ‌1 - الانكسار في خط المسار:

- ‌2 - المخاض العسير لدخول العصر الحديث:

- ‌3 - البحث عن مخرج لأزمتي الانحراف والتخلف:

- ‌رابعًا: تجارب الولايات الإِسلامية للتحديث وطلب العلوم العصرية "المرحلة الأولى

- ‌1 - تجربة الدولة العثمانية:

- ‌2 - تجربة الهند الإِسلامية:

- ‌خامسًا: تجارب الولايات الإِسلامية "المرحلة الثانية

- ‌1 - الحملة الاستعمارية الحديثة الأولى لبلاد المسلمين "الحملة الفرنسية

- ‌الحملة العلمية المصاحبة لجيش بونابرت ومجمعها العلمي:

- ‌مواقف جديدة لبعض شيوخ الأزهر من العلوم العصرية:

- ‌أ - عبد الرحمن الجبرتي:

- ‌ب- حسن العطار:

- ‌2 - ولاية محمَّد علي باشا، ثم أولاده من بعده:

- ‌أدوات محمَّد علي في تحصيل العلوم العصرية:

- ‌أ- الاستعانة بالأجانب

- ‌ب- مشروع الابتعاث لأوروبا:

- ‌ج- إنشاء المدارس الفنية في مختلف التخصصات:

- ‌د- المدارس الأجنبية "مدارس الإرساليات

- ‌هـ - مشروع الترجمة:

- ‌و- المطبعة وما ارتبط بها من ظهور الصحافة العلمية والفكرية:

- ‌خلاصة التجربة:

- ‌3 - السلاطين الشباب في الدولة العثمانية ومغامرات الإصلاح:

- ‌1 - السلطان محمود الثاني:

- ‌2 - السلطان عبد المجيد:

- ‌3 - السلطان عبد العزيز:

- ‌سادسًا: تجربة بلاد المغرب

- ‌1 - تجربة تونس:

- ‌أ- المدرسة الحربية والصادقية:

- ‌ب- خير الدين التونسي:

- ‌2 - تجربة المغرب:

- ‌أ- تنبيه النخبة بأهمية العلوم العصرية:

- ‌ب- إصلاح التعليم أو توسيع دائرته:

- ‌سابعًا: تجربة فارس

- ‌تكوين نظام علمي موازي للنظام القديم:

- ‌ثامنًا: تعرّف المجتمع الإسلامي على العلوم العصرية ونظرياتها

- ‌1 - طُرق تعرف المجتمع على العلوم العصرية وما ارتبط بها من مشكلات:

- ‌2 - تاريخ دخول النظريات العلمية ذات الإشكالات للعالم الإسلامي:

- ‌الفصل الرابع أسباب دخول الانحرافات المصاحبة لحركة العلم الحديث إلى البلاد الإسلامية

- ‌أولًا: ضعف مؤسسات الأمة العلمية

- ‌الاحتياجات المعرفية الجديدة وعدم قدرة المؤسسات التعليمية على تلبيتها:

- ‌نموذج الأزهر:

- ‌قصة الوالي العثماني مع الأزهر ودلالاتها:

- ‌مشكلات ذاتية للمؤسسات العلمية الإِسلامية:

- ‌الاحتلال الفرنسي ثم ولاية محمَّد علي وآثار ذلك على الأزهر:

- ‌بوادر الاختلاف داخل الأزهر ومطلب التحديث:

- ‌أثر جمال الدين الأفغاني:

- ‌دار الدعوة والإرشاد والمشاريع الجديدة:

- ‌ثانيًا: المدرسة الحديثة ومدارس الأقليات

- ‌الفصل والانفصال: الفصل بين المجالين الديني والدنيوي، والانفصال عن هوية الأمة:

- ‌دور مدارس الأقليات:

- ‌ثالثًا: دور الصحافة (نشأتها وتمكن النصارى منها وتوجيههم التغريبي لها)

- ‌ظروف نشأة الصحافة وأثر ذلك على الانحراف بمسيرة العلم الحديث:

- ‌النموذج الأول، مجلة المقتطف -النظريات الجديدة:

- ‌المثال الأول: نظرية الفلك الجديدة ومسألة دوران الأرض:

- ‌صدى المشكلة عند بعض المسلمين:

- ‌المثال الثاني: داروين ونظرية التطور:

- ‌النموذج الثاني: مجلة الجامعة العثمانية "الجامعة" لفرح أنطون -الإطار العلماني:

- ‌رابعًا: التيارات الفكرية الوافدة وتنظيماتها كالماسونية والسيمونية

- ‌[1] الدور الماسوني:

- ‌[2] أتباع سان سيمون

- ‌خامسًا: دور الاستعمار

- ‌سياسة التعليم الاستعمارية:

- ‌1 - تهيئة بيئة تسمح بتسرب الانحرافات وتغذي حركتها:

- ‌2 - صناعة الازدواجية في التعليم وعلمنته:

- ‌3 - ترسيخ الهزيمة النفسية في مجال التعليم:

- ‌4 - تحول المؤسسة العلمية في منبع لتوليد التيارات التغريبية:

- ‌5 - فتح الباب للنظريات الاجتماعية:

- ‌سادسًا: بيئة ثقافية جديدة وحضور التيار التغريبي فيها

- ‌الفصل الخامس أبرز المواقف العلمية والفكرية في العالم الإسلامي من العلوم الحديثة ومناهجها

- ‌تمهيد الأصول الثقافية للوضع المعاصر

- ‌فترة التحولات واضطراباتها ومشروع الشيخ حسين الجسر

- ‌المبحث الأول موقف الاتجاه السلفي الداعي للتأصيل الإِسلامي للعلوم الحديثة

- ‌أولًا: الشيخ محمود شكري الألوسي

- ‌1 - الموقف من النظرية الجديدة في الهيئة:

- ‌2 - السعي إلى التأصيل الإِسلامي لهذه العلوم:

- ‌ثانيًا: الشيخ عبد الرحمن السعدي

- ‌1 - تأكيد دخول العلوم الصحيحة النافعة العصرية في الإِسلام، وأثر إدراك هذا المقصد

- ‌2 - خطورة ابتعاد العلوم الصحيحة النافعة العصرية عن الدين وحاجتنا إلى تقريبها من الدين:

- ‌ثالثًا: الشيخ محمَّد الشنقيطي

- ‌موقف الشيخ من الحضارة الغربية والعلوم الدنيوية التي برعت فيها:

- ‌1 - القرآن فيه تبيان كل شيء وهو يهدي للتي هي أقوم:

- ‌2 - الموقف من العلوم الدنيوية وكيف نحولها إلى أشرف العلوم:

- ‌رابعًا: الشيخ عبد العزيز بن باز

- ‌دعوة التأصيل الإِسلامي للعلوم الحديثة

- ‌1 - الوعي باختلاف أرضيات العلوم:

- ‌2 - الوعي بمشقة المشروع:

- ‌3 - قوة التماسك في منهج التنظير وفي العمل التطبيقي:

- ‌المبحث الثاني موقف الاتجاه العصراني الداعي لتأويل ما توهم تعارضه من النصوص الشرعية مع العلم الحديث

- ‌أولًا: ما الاتجاه العصراني

- ‌ثانيًا: ظهور الاتجاه العصراني وحقيقة منهجه:

- ‌ثالثًا: النموذج الهندي العصراني:

- ‌رابعًا: النموذج العربي العصراني:

- ‌المبحث الثالث موقف الاتجاه التغريبي الداعي لتقديم العلم وعدم ربطه بالدين

الفصل: ‌3 - البحث عن مخرج لأزمتي الانحراف والتخلف:

ذلك في شرق العالم الإِسلامي في الهند وما جاورها، وهي المناطق الأولى في الاحتكاك بالغرب لاسيّما مصر وتونس وتركيا، مما ولّد علاقة غير سليمة مع الحضارة الغربية، فهذه الحضارة فيها الكفر والإلحاد والانحلال، وفيها أيضًا العلوم النافعة والصناعة والتقنية والإدارة. لم يظهر من الطرق الصوفية ما يكشف لنا انتباههم لخطورة الموقف واتخاذ القرار المنهجي الصحيح؛ وإنما كان موقفهم السائد من الغرب هو رفض كل ما عنده وتزهيد الناس في ذلك، وهو لا يخرج عن الروح العامة للتصوف من عدم الحرص على العلوم ما لم تكن علوم التصوف ومن التواكل وعدم الانتباه لبذل الأسباب وإعداد العدّة والقوة (1).

وإذا كان الكثير من أتباع الطرق الصوفية يحتقرون العلوم الشرعية أو لا يحرصون على تعلمها اكتفاءً بعلوم التصوف؛ فمن باب أولى العلوم الدنيوية وعلوم العمران، والكلام هنا عن الأغلب؛ وإلا ففيهم من كان من أهل العلم ودعا الأمة إلى طلب أسباب القوة، ولو كان من علومٍ عند الكفار إذا كانت نافعة، ولكن هذا يغلب على المتكلمين منهم -أتباع أهل الكلام- بخلاف الموغلين في التصوف (2).

أما الصورة الثانية: فهي الضعف، فمن سلم من بدع التصوف أو ما شابهها لم يسلم من الضعف العام وما ارتبط به من انتشار الأمية والفقر والمرض والخوف، ساعد في استمرار هذه الحال ضعف الزعامات العلمية والسياسية والاجتماعية، حيث لا تحرص على رفع الأمة عما هي عليه، أو هي مشغولة بصراعات وفتن متتالية.

‌3 - البحث عن مخرج لأزمتي الانحراف والتخلف:

يرجع مجموع ما اقتُرح من مخارج إلى اثنين: إما ديني وهو ما ركز عليه أغلب قواد الفكر الإِسلامي، أو دنيوي (3) وقد غلب على رجال السياسة، مع

(1) انظر: البحث المميز: الانحرافات العقدية والعلمية. . . .، علي الزهراني ص 469 - 475، حول موقف الصوفية من العلم في هذه المرحلة.

(2)

من أولئك مثلًا الشيخ "حسين الجسر" في الشام، و"حسن الطويل" في مصر، و"محمود قبادو" في تونس، وسيأتي الحديث عنهم بإذن الله لاحقًا.

(3)

انظر: الاتجاهات الفكرية عند العرب. . . .، علي المحافظة ص 161.

ص: 437

أنهما يتكاملان في المنهج الإِسلامي الوسطي، والأول هو أساس الثاني.

المخرج الأول "الديني": المخرج النظري لهذه الأزمة -أزمة الانحراف الديني والضعف الدنيوي- هو إصلاح الذات أولًا، هكذا يقول المنطق الصحيح، وقد حدث ذلك فعلًا بظهور دعوة الإِمام محمَّد بن عبد الوهاب رحمه الله، فقد كانت دعوته بحق أهم حدث تاريخي في العصر الحديث، ووفق الله صاحبها إلى الابتداء من الجزء المناسب في إصلاح شأن الأمة الإِسلامية، وذلك بدعوته إلى العودة للدين الصافي بعيدًا عن انحرافات المنحرفين، ذلك الدين كما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم وتحقق في سلف الأمة، ذلك الدين الذي بتحققه تحصل النجاة الحقيقية والقوة والتمكين.

بدأ رحمه الله بالدعوة للتوحيد ونبذ الشرك وإحياء الإِسلام في النفوس والمجتمع، ودعا إلى التخلص من البدع والانحرافات والأمراض الدينية، ومن الطبيعي لعالم مثله ومصلح كبير أن يدرك أمراض واقعه فيبدأ بها، فنشر التوحيد وحارب بدع الشركيات والقبوريات والتصوف والتشيع وما في حكمها من الأمراض المعروفة في واقعه، ونشر العلم وحثّ على تعلمه وتعليمه.

انتشر أمره في العالم الإِسلامي، وأصبح الحديث عن دعوته في كل مكان، فأما العقلاء فقد استفادوا من دعوته أمورًا، أهمها:

- أهمية الابتداء بما ابتدأ به الرسول صلى الله عليه وسلم وأمر به دعاته من الصحابة وهو التوحيد ونبذ الشرك والبدع وإقامة الدين في العبادة والمعاملة والسلوك.

- أن الأمة قادرة على النهوض من جديد، وهاهو النموذج أمامهم، فهو في بيئة ذات إمكانيات محدودة، ومع ذلك فقد قام التوحيد، وازدهر بين أهلها العلم، وعاد الناس للعبودية الصافية، وتخلصوا من البدع والضلالات، وتحقق لأهلها من القوة والتمكين في وقت قصير ما لم يتحقق لغيرهم.

- إحياؤه لمنهج السلف الصالح ومذهبهم في الدين "عقيدة وشريعة"، فقد كان المنهج غريبًا بعد انتشار التصوف والكلام والتشيع، وانتشار القبورية والشركيات بين العوام، أما بعد دعوته رحمه الله فقد خرج ذاك المذهب العظيم للناس، فتعرفوا على حقيقته الغائبة عنهم وعلى أعلامه البارزين ولاسيّما شيخ الإِسلام ابن تيمية وابن القيم وعلماء كبار في القرن الثامن الهجري.

ص: 438

أما موقف الإِمام محمَّد بن عبد الوهاب رحمه الله من العلوم العصرية المعروفة في الغرب، فلم يتحدث عنها الشيخ بحسب ما اطلعت عليه من كتبه (1)، ولكننا إن أردنا معرفة موقفه فلنا طريقان: إما الذهاب إلى المدرسة التي نهل منها الإِمام، وهي مدرسة شيخ الإِسلام ابن تيمية، أو الذهاب إلى من جاء بعده من أتباع دعوته ممن أحيا مذهب السلف من العلماء الذين احتكوا بهذه العلوم وتعرفوا عليها وأعلنوا موقفهم منها، فعند الطرف الأول نجد التأصيل المهم للعلاقة بهذه العلوم، وعند المعاصرين نماذج من بيان الموقف مما استجد منها في حياة الناس، وهو موقف يخالف بالطبع الموقف الذي عُرف من علماء الدين من أتباع الطرق الصوفية وغيرها، على أن الحديث عن ذلك سيُؤجل إلى مبحث يتعلق بموقف الاتجاه السلفي من العلوم العصرية.

أما لماذا لم يتحدث الشيخ عن العلوم العصرية والحضارة الغربية؟

فإن الشيخ رحمه الله بدأ بالأساس وهو الإصلاح والتجديد والدعوة للتوحيد وحماية جنابهِ ومحاربة الشركيات والبدع ومظاهر الانحراف في المجتمع، وهي دون شك المهمة العظمى التي فرط فيها أصحاب مشروعات عرفها المسلمون دعت للارتقاء بحال الأمة دون أن تعتني بهذا الجانب.

أيضًا فإن موطن دعوة الشيخ رحمه الله كان بعيدًا عن الاحتكاك بأوروبا وحضارتها الحديثة، فلم تكن وسائل المواصلات ولا الاتصالات آنذاك متيسرة، وكانت الجزيرة لاسيّما وسطها بعيدة عن الاتصال بالغرب، وكان البناء الداخلي متواصلًا لم يكتمل حتى نبحث عن المفيد عند غيرنا إن احتجنا له، وهو ما سيظهر عند علماء أتوا بعد الشيخ أصّلوا للعلاقة المناسبة بالعلوم العصرية.

إذًا لم تكن من أولويات دعوته آنذاك، ولم تكن بيئته قريبة من تلك الأمور، وقد كان من الممكن أن يُكمل المسلمون الذين هم على صلة بأوروبا ما نحتاجه مما ينقصنا في أمور الدنيا من العلوم النافعة من طب وصناعة وإدارة وغيرها، بحيث يحدث التعاون المطلوب شرعًا بين المسلمين، وتقوم فئة من

(1) جُمعت مؤلفاته رحمه الله في اثني عشر مجلدًا (مؤلفات الشيخ الإِمام محمَّد بن عبد الوهاب)، بإشراف عبد العزيز الرومي وآخرين.

ص: 439

المسلمين بتحصيل ما يحتاجه الناس ونقلهِ إليهم؛ لكن الذي وقع في تاريخنا المعاصر غير ذلك.

فإن المرحلة التي ظهر فيها الشيخ بدعوته الإصلاحية في الجزيرة هي المرحلة نفسها التي بدأت مصر والسلطنة العثمانية بالتعرف على علوم الغرب وطلبها، وقد كان يمكن حدوث التعاون الذي تكلمنا عنه؛ إلا أن الأهواء السياسية والبدعية قد أفسدت الأمر، وتكفل "محمَّد علي" -نيابة عن الدولة العثمانية مع طمعه في توسيع أملاك ولايته- بمحاربة الدعوة السلفية، ومحاولته القضاء على تلك الدعوة التجديدية الإصلاحية العظيمة، فخسر المسلمون بسبب ذلك الصراع شيئًا كثيرًا. ومع ذلك فقد تحقق المكسب الحقيقي ولله الحمد بإحياء مذهب السلف، فتعرّف الكثير عليه وعادوا إليه، وبدأت آثارها تظهر في كل مكان بفضل من الله سبحانه.

هكذا كان المشروع الأهم والأعظم قد انطلق بفضل الله دينيًا وسلفيًا، فحرك العالم الإِسلامي بأكمله، ومثّل أصحابه أهم الصور التجديدية والإصلاحية في العصر الحديث، رغم ما تعرضت له الدعوة أول أمرها من حرب فكرية (1) وإعلامية وسياسية وعسكرية إلا أنها أيقظت الأمة.

ويحسن التوقف مع مقولة خاطئة نجدها في الكتب الفكرية المعاصرة من الحديث عن دعوة الشيخ رحمه الله، ومنها قول "أحمد أمين" عن أتباع الإِمام بأنهم:"قد اهتموا بالناحية الدينية وتقوية العقيدة وبالناحية الخلقية كما صورها الدين؛ ولذلك حيث سادوا قلت السرقة والفجور وشرب الخمور وأُمِّنَ الطريق وما إلى ذلك، ولكنهم لم يمسُّوا الحياة العقلية ولم يعملوا على ترقيتها إلا في دائرة التعليم الديني، ولم ينظروا إلى مشاكل المدنية الحاضرة ومطالبها. . . ."(2)،

(1) يمكن التأمل في ضخامة ما أثير فكريًا وإعلاميًا على دعوة الشيخ رحمه الله بالرجوع إلى: دعاوى المناوئين لدعوة الشيخ محمَّد بن عبد الوهاب -عرض ونقد، عبد العزيز العبد اللطيف.

(2)

زعماء الإصلاح في العصر الحديث، أحمد أمين ص 20، وللأسف فلشهرة كتاب أحمد أمين فقد أصبح مرجعًا للبعض فينساقون في الاتهام دون انتباه، وانظر مثلًا: الفكر التربوي. . . .، د. سعيد إسماعيل ص 72، وقد قال الشيخ محمَّد عبده كلامًا قريبًا من هذا، انظر: الإِمام محمَّد عبده. . . .، د. محمَّد عمارة ص 58 - 59.

ص: 440

والجواب -على ما بعد لكن- بأنه لا أعظم من ترقية العقول في دائرة التعليم الديني بما يمنحها من هداية ورشد ومنهج سليم؛ ولذا لم ينشغلوا بما انشغل به غيرهم من علوم فلسفية وكلامية أرهقت المتعلمين في بلاد المسلمين دون ثمرة في الدنيا أو الدين، أما مشاكل المدنية الحاضرة ومطالبها فقد عرفنا بأن واقعهم آنذاك، الزماني والمكاني، والظروف المحيطة بهم قد أجّلت احتكاكهم بمشاكل المدنية الحاضرة، ولكنهم عندما احتكوا بها كانوا من فرسان الميدان، فأصّلوا ونظروا وبينوا الواجب والممنوع، وأجابوا عن الإشكاليات، ودعوا إلى تأصيل إسلامي حضاري للمدنية الحديثة، ولا شك أن الواجب الكفائي على الأمة المسلمة يختلف من مكان إلى آخر، وأمور المدنية الحاضرة إن كان المقصود بها الترقي بأحوال الناس المادية في الطب والصناعة والإدارة والعلوم الدنيوية النافعة، فلا أحد يختلف في أهمية توفيرها وتمكين الناس منها، ولكن هل ترك أعداء الدعوة لها المجال في فعل ذلك، فقد جيّشوا الجيوش وأثاروا عليها الفتن وألّبوا عليها الناس؛ مما عطل البناء وأشغل الدعوة في الدفاع عن نفسها من الحروب المتتابعة عليها.

ومما سجله لنا التاريخ تلك الصفحة السوداء لرسل الحضارة الغربية والمدنية الحديثة -محمَّد علي وأبناؤه- حيث مارسوا القتل والإفساد في الأرض بالتواطؤ مع الإِنجليز آنذاك في الباطن وإظهار الدفاع عن الدولة العثمانية، فضربوا الدعوة السلفية وشردوا العلماء أو قتلوهم (1).

المخرج الثاني: هو طلب إصلاح الدنيا، وكان من بين أهم ما يعنيه ذلك عند أهل تلك المرحلة: الإقبال على أوروبا التي عرفت تقدمًا كبيرًا في دنياها. ولا شك أن إصلاح دنيا الناس أمر مطلوب شرعًا، ولكن قد حدثت أخطاء في أثناء تلك المحاولات تسببت في فشل مثل تلك التجارب أو انحرافها.

(1) انظر حول ذلك الدراسة المميزة: سياسة محمَّد علي باشا التوسعية في الجزيرة العربية والسودان واليونان وسوريا. قراءة جديدة (1811 - 1840 م)، الفصل الأول: ص 33 - 60، وفيه ص 52، سرور فرنسا والإِنجليز بذلك، وإبلاغ فرنسا "الباشا" عبر قنصلها أنها ممنونة مما رأته من اقتداره على نشر أعلام التمدن في البلاد الإِسلامية! وانظر: الدولة العثمانية عوامل النهوض وأسباب السقوط، د. علي الصلابي ص 398 - 399، وانظر: الانحرافات العقدية والعلمية. . . .، علي الزهراني ص 171 - 172.

ص: 441

وقد كان أحد أخطر ما وقعت فيه تلك التجارب هو الابتداء بطلب إصلاح الدنيا قبل إصلاح أمر الدين، فدخلوا مشاريع الاحتكاك بذات ضعيفة أمام التحديات؛ مما جعل ذلك الاحتكاك جسرًا لعبور الصحيح والفاسد إلى الأمة الإسلامية.

بدأت تلك المحاولات تحت مصطلح التحديث والمدنية وغيرهما (1)، فطلب التحديث أصبح ملحًا في ظلّ الضعف الذي انتشر في الأمة مع ما يصاحب ذلك من تحديات تتهددها من هنا أو هناك. وقد كان المضمون الغالب لهذا المصطلح هو التحديث المادي بالاعتماد مباشرة على أوروبا بسبب ما حدث فيها من تقدم دنيوي بارز. ولكن أوروبا كانت في الوقت نفسه قد بدأت تتأهب للانقضاض على العالم الإِسلامي، مما يجعل من طلب مساعدتهم في التحديث وهم يريدون لنا الشرّ أمرًا في غاية الإشكال والخطورة.

كانت الدولة العثمانية هي الممثل الأهم للعالم الإِسلامي في تلك المرحلة، وأغلب بلاد المسلمين تدين لها بالولاء ولو بالاسم كما يقال، وقد جعل ذلك المهمة عليها أكبر من غيرها، وفي الوقت نفسه هي تلاقي تحديات لا يلاقيها غيرها لكونها المسؤولة عن حماية بلاد المسلمين لاسيّما من أوروبا الطامعة، ويتبعها في المسؤولية بعض ولاياتها المهمة ذات الاحتكاك المباشر بأوروبا، وأهمها آنذاك مصر التي مثلت نقطة البداية لأطماع الأوروبيين، ثم تونس وما حولها من بلاد المغرب لقربها من دول أوروبا القوية لاسيّما فرنسا، وقد كانت إيران ذات الحكم الشيعي -أسرة القاجار- قد احتكت بأوروبا عبر صراعها المرير مع روسيا الصاعدة آنذاك، وكذا الهند الإِسلامية التي تغلغل فيها الإِنجليز عبر شركاتهم أولًا، ثم تحولت هذه الشركات إلى قوة احتلال مما جعلها على اتصال بأوروبا (2).

لا شك أن التحديات الخارجية على هذه النقاط الخمس: عاصمة الخلافة ومصر وتونس وإيران والهند أكثر وضوحًا، وقد كانت بلاد الشام والعراق

(1) انظر: أسس التقدم عند مفكري الإِسلام، د. فهمي جدعان، الفصل السادس: القيم ص 391 وما بعدها.

(2)

سيأتي الحديث عنها في فقرات قادمة بإذن الله.

ص: 442

والحجاز تبعًا لعاصمة الخلافة في طلبها التحديث؛ لذا فالحديث عن عاصمة الخلافة يتبعه إلى حد ما الشام والعراق والحجاز، وقد جاء وقت الحديث الموجز عن خطوات التحديث في تلك المراكز مع توجهها نحو أوروبا لطلبه، وكيف كان -تبعًا لذلك- طلبها للعلوم العصرية؟

نظرًا لأن التحديات في المقام الأول كانت عسكرية، تتمثل في تهديد الجيوش الأوروبية العصرية لما يجاورها من بلاد المسلمين، فقد بدأ التحديث لدينا أيضًا -في تلك البلدان- عسكريًا، من أجل تكوين جيش حديث مزود بأسلحة عصرية ويتّبع ترتيبًا إداريًا حديثًا يستطيع مواجهة التحدي الخارجي، ونظرًا لاستفادة الجيوش الأوروبية من ثمرات العلوم العصرية كالجغرافيا والهندسة وعلوم الصناعة الحديثة، وما اعتمدت عليه من رياضيات وفيزياء وكيمياء وغيرها، فقد ارتبط ذلك أيضًا بطموحات بعض ولاة المسلمين في إعداد جيوشهم الجديدة عبر تزويدهم بالمعارف الحديثة العلمية والعسكرية، كان هذا هو مدخل طلب العلوم العصرية من أوروبا ولم يكن من المداخل المناسبة؛ بل ربما أضرّ بحركة العلم العصري في العالم الإِسلامي؛ لأن حركة العلم الحديثة في أوروبا كانت حركة علمية مرتبطة بالمجتمع لا بالجيش، وعندما يكون العلم مؤسسة مستقلة، فإنه ينمو ويتطور ويستفيد المجتمع منه، كل جهة تأخذ ما يناسبها، أما في العالم الإِسلامي فقد كانت مؤسسات تعليم العلوم العصرية أول أمرها غالبًا ما تكون لخدمة الجيش ولم تكن للمجتمع، كانت الجامعات في أوروبا مفتوحة للجميع يدرس فيها الجميع، أما المعاهد العصرية لدينا أول نشأتها فكانت خاصة بفئة من المجتمع ولاسيّما الجيش.

وبهذا تكون المؤسسات العلمية الجديدة محكومة بالخطأ والفشل، الخطأ: في مقابل الدين، لعدم ارتباطها بمعاهد المسلمين العلمية التي يُفرق فيها بين الصواب والخطأ، الجائز والممنوع، وكانت العلاقة فقط عبر استفتاء لهيئة العلماء وفي حالات معينة، ولذا نشأ العلم العصري بعيدًا عن علوم الإِسلام وأهلها مما سبب فيما بعد الخصومات بين المجالين، وسهل تسرب الانحرافات الفكرية دون أن تجد النقد الجيد.

والفشل: في تجربة تحصيل العلوم العصرية؛ لأن ارتباطها بالمؤسسة العسكرية لا يهيئ لها النمو والتطور الصحيح، وتبقى معاهدها للتدريس فقط،

ص: 443

وما إن يتطور العلم في الغرب حتى نكون في حاجة للابتعاث من جديد أو لاستقدام الخبراء، بخلاف ما لو تكونت مؤسسة علمية مستقلة للعلوم العصرية، تتطور بذاتها ويلتحق بها عند الحاجة بعض أفراد الجيش على أن لا يتحكموا في مصيرها، في وقت ربما كان بالإمكان الإمساك بزمام هذه العلوم قبل أن يحدث فيها تلك التطورات البعيدة الشأن، مما عمق الفجوة بين المسلمين وبين غيرهم من الأمم.

هكذا وقعت تجربتنا في تحصيل العلوم العصرية في مشكلتين خطيرتين، مشكلة نشأة تلك العلوم منفصلة عن العلوم الإِسلامية؛ مما سمح بتسرب الانحرافات المعارضة للدين، ومشكلة نشأتها كمؤسسة تخدم المجال العسكري فقط؛ مما عطّل تطورها الذاتي، فبقينا مرتهنين إلى الآن للغرب، وما زال الابتعاث الأداة الأهم إلى الآن في تحصيل هذه العلوم، وتعمقت المشكلة في عصرنا، حيث أصبحت الدول الغربية تفتح جامعاتها في بلداننا وتدرّس فيها ما يتلاءم مع احتياجاتهم هم لا تدريس ما يسهم في استقلالنا المعرفي في باب العلوم العصرية، ونظرًا لأن العلوم العصرية طلبت من خلال تجارب السياسيين في النهوض بالأمة؛ فسأقف مع أشهر تلك التجارب، وما لحق بها من آثار في الفقرات القادمة بإذن الله.

ص: 444