الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأفكار فرويدية مثل كتاب "بريمير": "فرويد قارئ التوراة" الذي جمع أربعمئة نص توراتي من كتب فرويد، وأخرى تبحث عن الأصول التلمودية مثل كتاب "جيرارد":"الطفل غير الشرعي" المصادر التلمودية للتحليل النفسي" (1)، ومن الكتب المشهورة التي اعتمد عليها أكثر من باحث عربي كتاب "باكان": "فرويد والتراث الصوفي اليهودي" الذي بحث علاقة فرويد بالمأثور "الكابالي" وهو تيار يهودي صوفي باطني، حيث خصص القسم الخامس من كتابه عبر ثلاثة فصول ليعرض فيها "بالتفصيل بعض التشابه بين التحليل النفسي، كما وصفه فرويد، وبين المأثور الكابالي" (2)، ومثلها ما قام به باحث عربي "نزيه الحسن" في رسالة علمية: "الجذور التوراتية للمذهب الفرويدي -دراسة جديدة لمذهب فرويد في أصوله".
2 - استثمار النظرية العلمية في إنكار العقائد والقيم:
نحن نعلم بأن التوراة والموروث العقدي اليهودي يحمل في طياته انحرافات شنيعة في قائمتها وصف الرب سبحانه بما لا يليق به، ووصف الأنبياء كذلك بما لا يليق بهم على أن منهم قتلة الأنبياء، وعدم التورع من نسبة الفاحشة إلى نبي من أنبياء الله، وقيامهم بأعمال محرمة في رأسها المعاملات المالية المحرمة وارتكاب الفواحش، والقائمة في ذلك كبيرة مما أخبرنا الله به في القرآن الكريم أو ما هو متداول في كتبهم.
فمثل هذه المرجعية تؤتي ثمارها السيئة على أتباعها، وهذا ما نجده في نظرية فرويد عند تطبيقها على الدين والقيم، فهي تعتمد في التأصيل والتنظير على جزء كبير من الموروث اليهودي من جهة وعلى خلاصة الفكر الإلحادي القائم في الغرب من جهة أخرى، فصورة الدين في نظريته العلمية بكل أصوله العقدية والروحية والغيبية والعلمية والأخلاقية إنما هو وليد "العقدة الأوديبية" الناتجة عن الصراع النفسي داخل الطفل بما في ذلك الاعتقاد بوجود الله سبحانه.
ويقترب تصوره للدين من تصور "فيورباخ" الإلحادي -على أن فرويد يمتن كثيرًا بالفضل لفيورباخ- فهو يرى بأن عقيدة الإيمان بالله المنتشرة بين البشر، إنما
(1) انظر: مقدمة كتاب باكان (فرويد والتراث الصوفي اليهودي) لطلال عتريسي ص 7 - 8.
(2)
انظر: المرجع السابق ص 200.
سببها عجز الإنسان أمام الطبيعة وخوفه منها، فيتخيل وجود رب يحميه، فحوله فرويد إلى نوع آخر هو نوع من الضمير ينشأ عند الطفل بسبب الصراع الكبير داخله، ثم حدث نوع من التخيل الواسع لإخراج هذا الضمير في صورة إله، فهو يرى "أن علاقة البشر مع الطبيعة شبيهة بعلاقة الطفل مع أبويه، إذ يعيش الأطفال تحت رحمة آبائهم الأقوياء الذين يفترض منهم حماية أطفالهم. وحينما يكبر الأطفال يحولون صلتهم مع آبائهم إلى صلة مع الله لكي يرضوا نفس الحاجات الطفولية التي كان يلبيها الآباء حينما كان الأطفال في المرحلة المبكرة يؤمنون بقدرة آبائهم. فالدين كما كان يراه فرويد بإيجاز هو وهم يعبر عن الرغبة في الحصول على حماية أبوية سرمدية"(1)، وقد عرض هذا الكلام في كتابه:"مستقبل الوهم" الذي يتقصّى فيه أصل الدين على أن ذلك التقصي يتم كما يدعي وفق المنهجية العلمية.
وهكذا نجد كيف ترعرعت النظرية في الوسط اليهودي وتغذت في جزء منها على الموروث اليهودي، ثم بدأت تمارس دورها باسم العلم في تحطيم المعتقدات الدينية وأصبحت مقولات فرويد مرجعًا لملاحدة العصر بحجة علميتها، فقد بدأ بعض العلماء والمفكرين يكتفون في نفي الدين بالاعتماد على الحجة الفرويدية على أنها حجة علمية، وعلى سبيل المثال فهذا أحد أشهر فلاسفة العلم في القرن الرابع عشر/ العشرين وأحد أعضاء الوضعية المنطقية لا يجد مشكلة في تصريحه بإلحاده، إلا أنه عندما واجهته مشكلة -تواجهه وتواجه كل ملحد- وهي أن البشرية تقرّ بوجود الله ولا يستطيع الناس التخلص من هذا الشعور، فتجده ينظر إليها على أنها مشكلة كانت تعتني بها الفلسفات تحت مسمى مشكلة انتشار الاعتقاد بوجود الله، وأن الفلسفة كانت تجيب عليها بمثل أجوبة فيورباخ وغيره، إلا أن كارناب لا ينظر "إلى مشكلة انتشار الاعتقاد بوجود إله كمشكلة فلسفية بل كمشكلة تفسرها أبحاث فرويد التي أظهرت أن أصل تصورنا للإله يعود إلى حاجتنا إلى بديل عن الأب. . . ."(2). وهكذا أصبحت استدلالات بعض الملحدين المعاصرين العلمية تعتمد على نظريات فرويد، وأصبح ما يسمى علمًا ونظريات علمية يوظف في الاستدلال على الإلحاد (3).
(1) سيغموند فرويد مكتشف اللاشعور ص 201.
(2)
انظر: رودولف كارناب. نهاية الوضعية المنطقية، وداد الحاج ص 281.
(3)
نذكّر هنا بما أوردناه أول المبحث بأن جديد "فرويد" وأمثاله من اليهود هو: ربط الإلحاد =
وعلى منوال ما حدث مع الدين والعقائد يتم أيضًا مع القيم، وأبرز نموذج قدمه فرويد بقوة تلك القيم المرتبطة بالجنس، لاسيّما مع الأثر الأساسي الذي جعله للجنس في نظريته العلمية. ومن أهم كتبه التي عرض فيها تطبيقه لنظريته العلمية على القيم كتاب "الطوطم والتابو"، وفيه يعرض قصة حدثت في أول تاريخ البشرية وما زالت آثار تلك الحادثة مؤثرة في حياة البشرية إلى اليوم -وعلى القارئ أن لا يسأل عن سنده لتلك القصة- ذلك أن الأولاد شعروا برغبة جنسية تجاه أمهم، ولكن هناك حائل وهو الأب فقتلوه، وهي أول جريمة في البشرية، ثم أحس الأولاد بالندم فقدسوا ذكرى الأب، فنشأت من ذلك عبادة الأب كأول عبادة ظهرت في البشرية، ولكن وجدوا أنهم لو تقاتلوا على الأم لهلكوا، فاتفقوا على عدم اقترابها، فنشأ بذلك أول تحريم في العلاقات الجنسية ومنه بقية المحرمات، وهكذا ظهرت العبادات والمحرمات والقيم المكونة للدين (1).
وعادة ما يُربط بين الإباحية التي ظهرت في القرن الرابع عشر/ العشرين، وبين نظريات فرويد وذلك بسبب المكانة الخاصة للجنس في نظريته، وتم ذلك باسم العلم أيضًا وتحت طاغوت النظريات العلمية، وفي ذلك يقول "فروم":"فالحياة الجنسية لم تعد أمرًا محرّمًا، ولم يعد الحديث عن رغبات تتعلق بغشيان المحارم أو عن انحرافات جنسية يعتبر أمرًا مهولًا يدعو إلى الاستنكار. فكل هذه الموضوعات التي ما كان الإنسان العادي "العفيف" ليجرؤ على التفكير بها لم تعد الآن أمورًا محرّمة واعتبرت آخر نتائج "العلم" التي لا تثير إثارة خاصة"(2). وقد وجدها رواد الرأسمالية -وغالبًا ما كانوا يهودًا- فرصة للاستثمار، فهم يروجون للاستهلاك في كل شيء بما في ذلك الجنس، وزمن المحرمات والحشمة قد أسقطته النظرة العلمية، مستثمرين في ذلك كلام فرويد، فإن كبت الحاجات الجنسية يمكن أن يؤدي إلى العصاب، ولتلافيه فلابد من الانعتاق من
= باسم العلم، وربط مهمة تحطيم الدين والعقائد باسم العلم، سواء كانت العقائد هي الحق أو كانت باطلة، فكلها يجب تحطيمها، أما الإلحاد باسم العقل والفكر والفلسفة فهو قديم.
(1)
انظر: مذاهب فكرية معاصرة، محمَّد قطب ص 109 - 110، وانظر: سيغموند فرويد مكتشف اللاشعور ص 173 - 175.
(2)
ما وراء الأوهام، إريش فروم ص 137، ترجمة صلاح حاتم.
حرمان النفس شهواتها "وهذا ما حث عليه المعلنون! وهكذا اكتسب التحليل النفسي هذه الشعبية بين الناس، بما هو "وسيلة" للحرية الجنسية التي تنشط الاستهلاك الجديد. . . ."(1)، وهكذا تتصاحب النظرية العلمية الداعية إلى الانفلات، والإباحية مع صعود مصاصي الدماء من الرأسماليين وفي قائمتهم أصحاب التجارات الكبيرة من اليهود.
وعندما تصطدم نظريته مع ذاته أو أسرته فإنه يوقف العمل بها، فمع أنه يفضل المعاشرة الجنسية الحرة بين الشبان ويتحسر لعدم وجود وسائل فعالة لمنع الحمل، ومع ذلك فإنه عند عتبة باب منزل فرويد توقف تلك الدعوات وتمنع من الدخول للمنزل (2). وقد كان من بين نظرياته التي تخلى عنها نظرية الإغواء وأثرها في الهستيريا التي تصيب النساء، إذ إن من مكوناتها أن الأب في الأسرة هو الذي جلب على المريض فيما بعد الهستيريا بسبب الاعتداء الجنسي، ولكنه صُدِم عندما بدت أعراض هستيرية على شقيقاته ولم يستطع تصديق فكرة اعتداء أبيه على شقيقاته (3)، ووجد أنها غير مناسبة لتفسير سبب المرض وحاول البحث عن مخرج آخر لمشكلة الإغراء. مع العلم بأن التراث اليهودي حول الجنس مملوء بالفجور والإغراء وكتبهم تعج بمثل هذه القصص (4)، وإذا كان هذا في تراثهم الديني فإن الشأن مع ملاحدتهم يكون أبعد انحرافًا.
وإذا تجاوزنا مشكلة تحطيم المحرمات وفتح باب الإباحية تحت دعوى النظريات العلمية، نجد أيضًا شخصًا ضعيف القيم وصاحب أخلاق نفعية، فعندما وجد صعوبة في الترقية في جامعة فيينا فعل ما أشار به عليه أحد أصحابه حيث قام بمعالجة زوجات وبنات وأرامل الطبقة الحاكمة والثرية، وكانت الثمرة سريعة إذ أقنعت إحدى البارونات وزارة التربية بمنح لقب الأستاذية لطبيبها (5). وفي فترة
(1) انظر: مهمة فرويد. تحليل لشخصيته وتأثيره ص 110 - 112.
(2)
انظر مثلًا: سيغموند فرويد مكتشف اللاشعور ص 139 - 140.
(3)
انظر: سيغموند فرويد مكتشف اللاشعور ص 118.
(4)
عقد "نزيه الحسن" بابًا كاملًا في كتابه: الجذور التوراتية للمذهب الفرويدي -الباب الرابع- وتتبع في تسعة فصول النظرة الجنسية عند اليهود في كتبهم المحرفة وعلاقة ذلك بنظريات "فرويد" حول الجنس.
(5)
انظر: سيغموند فرويد مكتشف اللاشعور ص 129 - 130.
اشتداد الحرب في وقت كان يمكنه أن يشارك في تخفيف ويلاتها فيساعد المحتاجين، إلا أنه في هذه المرحلة قصر معالجته على مرضى من إنكلترا والولايات المتحدة؛ لأنهم يستطيعون تسديد رسوم العلاج بعملة لا تعاني من التضخم (1)، ثم هرب بعدها تاركًا خلفه بعض أهله، منهم من مات في المعسكرات النازية. أما هو فتوجه إلى لندن وبقي فيها إلى أن اشتد مرضه بسبب السرطان، فطلب من طبيبه الشخصي أن يساعده قائلًا:"الآن أصبح الأمر لا شيء إلا عذاب ولم يعد له معنى" فحقنه عدّة جرعات من المورفين حتى مات (2).
ونتيجة هذا المبحث أو السبب، بأن مفكري اليهود وعلماءهم في العصر الحديث لاسيّما في القرن الثالث عشر/ التاسع عشر وما بعده قد مارسوا دورًا سيئًا في مسيرة العلم، وانحرفوا بنظرياته نحو تحطيم الدين والقيم مستهدفين في ذلك المجتمع الأوروبي في البداية الذي أقصاهم فترة طويلة من الزمن وقد حان الانتقام من ذلك الإقصاء.
وهذا النموذج يغنينا عن النظر في نموذجين كبيرين آخرين قام بهما يهوديان آخران هما "ماركس" و"دوركايم"، على أن بعض أعمالهما ستأتي في مباحث أخرى، مما يكشف أننا أمام عمل يهودي قوي ومنظم في القرنين الأخيرين في جميع الميادين، ومنها ميدان العلم والنظريات العلمية (3).
وبموقف اليهود يصل هذا الفصل إلى نهايته، توقفت مع مجموعة من
(1) انظر: المرجع السابق ص 181.
(2)
انظر: سيغموند فرويد مكتشف اللاشعور ص 214 وقد عرض المؤلف نهايته المظلمة بشماتة.
(3)
أخرج اليهود كُتبًا عن المشكلة اليهودية لمعالجة وضعهم المعاصر، منها كتاب فرويد (موسى والتوحيد)، وكتاب ماركس وإنجلز عن المشكلة اليهودية، وهناك سارتر -من أم يهودية- بكتابه "تأملات في المشكلة اليهودية" عام (1946 م) وقت الحديث عن تقسيم دولة فلسطين، فذكر "سارتر" التهم الموجهة لليهود ودافع عنها، يقول:"إن اليهود متهمون بثلاث تهم كبرى، هي عبادة الذهب، وتعرية الجسم البشري، ونشر العقلانية المضادة للإلهام الديني"، ويقول: إنها صحيحة، ثم بدأ يقدم لها المعاذير: فأما عبادة الذهب؛ فهو قوتهم الوحيدة مع الاضطهاد والتشريد، وأما تعرية الجسد؛ فلإزالة التهمة حول قبح =
الأسباب المهمة، انحراف الكنيسة ودوره، والعلمانية ودورها، ودور الاتجاه المادي والاتجاه الوضعي، وأخيرًا الدور اليهودي، تسببت الكنيسة في ضعف ثقة النخب بالدين، وتسببت العلمانية في إبعاد العلم عن الدين ووضع رؤية جديدة له، دنيوية لا علاقة لها بالآخرة، وجاءت التيارات الفكرية لتكمل المشروع العلماني، فانساقت المادية مع الإلحاد الصريح والوضعية مع الحسية، ووجد اليهود فرصتهم في العلم.
= أجسام اليهود؛ لأن القبح كائن في الجسم البشري، عندها يستيقن الناس أنه قبح عام، وأما الثالثة وهي أهمها فطالما بقي الدين فسيكون هناك إجحاف في حق اليهود، فإذا أزيل الدين بقي العقل والناس فيه سواء، فهو يعترف بأن تحطيم الدين مهمة تولاها اليهود ليكون لهم شأن ويعود لهم وجودهم، ولذا لا نستغرب توظيف "فرويد" وأمثاله للعلم من أجل تحطيم الدين فهو يتحرك بهذا الهاجس اليهودي. انظر كلام سارتر: مذاهب فكرية معاصرة، محمَّد قطب ص 530 - 531.
الفصل الثالث تاريخ تكون الانحرافات المصاحبة لحركة العلم الحديث في العالم الإسلامي وتأثيرها في الفكر التغريبي العربي المعاصر