الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(1277 - 1293 هـ / 1861 - 1876 م)، وثلاثةُ أشهرٍ لـ "مراد الخامس"(1)، الأول تولى الحكم وعمره (24) سنة وفي زمنه وقع الصراع مع الدعوة السلفية في نجد، والثاني تولى الحكم وعمره ست عشرة سنة وهو أول سلطان يُضفي على حركة تغريب الدولة صفة الرسمية وعرف ذلك بفرمان التنظيمات، وأما عبد العزيز ومراد فيُذكر عنهما انتماؤهما للماسونية، وقد وقعا في فتن ذهبا ضحيتها، وما استقرت الأمور إلا بمجيء السلطان عبد الحميد، وإن كانت الأمور في عهده قد تعقدت فوقع الاستعمار وحدث انقلاب الاتحاديين وسقطت دولة الخلافة (2).
ورغم كثرة المتغيرات التي وقعت زمنهم وآثارها الكبيرة على العالم الإِسلامي؛ إلا أن ما يهمنا في هذا المقام أمران: موقفهم من العلوم العصرية، والثاني الأحداث الفكرية التي أسهمت في بروز تيارات فكرية أساءت التعامل مع هذه العلوم، على أن الثاني سيوضع في الفصل القادم.
يعدّ طلب العلوم العصرية من أكثر الأمور التي حرص هؤلاء السلاطين على طلبها، وقامت من أجلها أحداث كبيرة ونزاعات مشهورة؛ مما يدل على ضخامة الحدث، وتعقد المشكلة، مما يدعو إلى استغرابنا نحن الذين نعيش في ثلاثينيات القرن الخامس عشر الهجري.
1 - السلطان محمود الثاني:
كما قام محمَّد علي بالقضاء على المماليك وتقليص أثر الأزهر وعلمائه؛ كذلك افتتح السلطان محمود عهده بالقضاء على الإنكشارية -القوة العسكرية الأساسية في السلطنة- ثم تحول إلى العلماء فقلص سلطة شيخ الإِسلام (3) وولّى الصدارة العظمى "البيرقدار"، الذي بدأ عمله بالقضاء على أعوان الخليفة السابق.
وكعادة أغلب الولاة في العصر الحديث يتصدر إنشاء جيش جديد المهمات
(1) انظر للتعريف بهم: الدولة العثمانية. . . .، د. علي الصلابي ص 375 - 440، وانظر: تاريخ الدولة العثمانية، أرسلان ص 267 - 303.
(2)
انظر: المرجعين السابقين، نفس الصفحات.
(3)
انظر: نشوء الشرق الأدنى الحديث، (1792 م-1923 م)، مالكولم ياب ص 123 - 124 ترجمة خالد الجبيلي.
الأخرى، فأعلن "البيرقدار" عزم السلطان تأسيس جيش جديد، يضارع الجيوش الأوروبية "في تعليمه ومعداته" وأن السلطان أمره بإصلاحه "واتباع الطرق العصرية الأوروبية، التي أفتى العلماء بوجوب اتباعها"(1).
بدأ العمل على إنشاء جيش جديد، وأفراد هذا الجيش هم في الغالب من يحتك بالعلوم العصرية، وكان يدربه ضباط أوروبيون، وأضاف السلطان محمود إلى مدارس الهندسة البحرية والعسكرية "مدرسة طبية لتخريج أطباء عسكريين، ومدرسة موسيقية لتأهيل الفرق الموسيقية العسكرية. . . . ومدرسة للعلوم العسكرية. . . . وكانت الفرنسية لغة التدريب في هذه المدارس وكان القائمون عليها مدربين فرنسيين"(2)، فدخلت العلوم الجديدة بلغة جديدة تختلف عن لغة العلم في البلاد؛ فـ "للمرة الأولى تم تشجيع العثمانيين المسلمين على تعلم اللغات الأوروبية"(3)، وبدأ بعد ذلك الابتعاث إلى أوروبا من سنة (1827 م)، وافتتح مكتب الترجمة سنة (1833 م)(4)، وربما حملت مجموعة هذه الأعمال مؤرخًا غربيًا "توينبي" إلى القول بأن ما وقع في عصر محمود الثاني: أول تأثير غربي حقيقي على تركيا (5).
وقد نبه باحث على هذه المرحلة بأن جمود العلماء وعدم اجتهادهم بما يناسب المرحلة؛ قد أعطى السياسيين والتغريبيين حجة في تشتيت أثرهم وتحجيمه، فهم وقفوا ضد العلوم النافعة التي تزيد من قوة الجيش والدولة "بحجة أنها من علوم الكفار" دون تفريق بين ما هو نافع يجوز أخذه وما هو ضار يجب رفضه، فاتجه القادة إلى الغرب بعيدًا عن العلماء، فأفلت الزمام من أيديهم، واستولى عليه "دعاة التغريب بسبب موقفهم الجامد والرافض لهذه العلوم"(6). وربما يصدق هذا على طائفة من العلماء مرتبطة بالتصوف، وهي تُزهّد أصلًا في
(1) انظر: تاريخ الدولة العثمانية، أرسلان ص 268.
(2)
نشوء الشرق الأدنى الحديث. . . . ص 125، مع بعض الاختصار.
(3)
المرجع السابق ص 125.
(4)
انظر: المرجع السابق ص 126.
(5)
انظر: الانحرافات العقدية والعلمية في القرنين الثالث عشر والرابع عشر. .، علي الزهراني ص 886.
(6)
انظر: الانحرافات العقدية والعلمية في القرنين الثالث عشر والرابع عشر ص 880 - 881.