الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
معجبًا بأوروبا ونابليون فاتجه نحو فرنسا (1). وكانت هموم أغلب الولاة آنذاك تبدأ من الجيش، بإعداد جيش عصري حاصل على المعارف الحديثة ولابد من ضباط جدد على الطراز الأوروبي، وقد كان من أبرز منافذ تونس على العلوم العصرية: المدرسة الحربية، ثم ما قام به وزير تونس المشهور خير الدين.
أ- المدرسة الحربية والصادقية:
كان باي تونس يريد إنشاء جيش عصري على معرفة بالأمور الحديثة، فقرر إنشاء مدرسة حربية بـ "باردو" سنة (1840 م) التي عرفت بمدرسة باردو "المدرسة الحربية"(2)، أما من جهة الإدارة والمدربين: فقد أشرف عليها أول الأمر كولونيل إيطالي وكان مدربًا للجيش التركي، ثم القبطان كامبنون الذي سيصبح وزيرًا للحربية الفرنسية فيما بعد، وجلب إليها مدرسين من إيطاليا وإنجلترا وفرنسا (3)، وكان إلى جانب هؤلاء الشيخ محمود قبادو (1812 - 1871 م) ليدرس الطلاب التربية الإِسلامية واللغة العربية، يتميز بحثّهِ الطلاب على تحصيل العلوم الجديدة، مع أنه متصوف مشهور (4).
أما من جهة المحتوى فقد كانت أول "مؤسسة تعليمية درست إلى جانب العلوم الحربية، علومًا أخرى: كالرياضيات والهندسة، والجغرافيا، كما درست اللغتين الفرنسية والإيطالية. . . ."(5).
وبعد أكثر من ثلاثين سنة من مدرسة "باردو" أسس "خير الدين التونسي""المدرسة الصادقية" سنة (1874 م) لتتولى تدريس علومٍ عصرية خارج المدرسة الحربية لتنشئة الشباب التونسي للمهن الحرة، واشتمل "برنامج التعليم فيها
(1) انظر: أعلام تونسيون، الصادق الزمرلي ص 63، وقد رافقه في الزيارة "أحمد بن أبي الضياف" وأخرج كتابًا عن الرحلة، فوصف حضارة فرنسا ومما وصفه: التعليم والعلوم، انظر: المرجع نفسه ص 74 وما بعدها، والزيارة كانت سنة (1262 هـ - 1846 م)، وانظر: الدولة العثمانية. . . .، قيس عزاوي ص 54 - 55.
(2)
انظر: المرجع السابق ص 63.
(3)
انظر: المرجع السابق ص 63 - 64. وانظر: الشيخ عبد العزيز الثعالبي ودوره في الإصلاح الإِسلامي ص 19.
(4)
انظر: المرجع السابق (أعلام تونسيون) ص 64، وقصته مع التصوف ص 64 - 68.
(5)
الشيخ عبد العزيز الثعالبي ودوره في الإصلاح الإِسلامي ص 22، وانظر: ص 19.
فضلًا عن العربية على: الرياضيات والعلوم والتاريخ والجغرافيا، واللغات: الفرنسية والإيطالية والتركية، أما مدة الدراسة فيها فكانت سبع سنوات، يرسل بعدها المتفوقون من الطلبة إلى مدرسة "سان لويس" بباريس لاستكمال تخصصهم" (1)، وكانت هيئة التدريس فيها "مؤلفة من نخبة من الأساتذة الأوروبيين" (2).
اطلع أهل تونس على العلوم العصرية من خلال هاتين المدرستين: "المدرسة الحربية"، و"الصادقية"، مع منافذ أخرى، ولكن السيطرة في هذه المدارس كانت للأوروبيين، ورغم أهمية التجربة إلا أن المتوقع في مثل هذه الحال هو عرض العلوم بالروح التي تعرض عليها في أوروبا ولاسيّما أوروبا ما بعد عصر التنوير وما بعد الثورة الفرنسية.
ولا ننسى بأن تونس تحتوي على الجامع الشهير والمركز العلمي الكبير "جامع الزيتونة"(3) الذي كان يدرس العلوم الإِسلامية على طريقة كثير من المعاهد الإِسلامية آنذاك ولاسيّما الجامع الأزهر في مصر، وإن كان هذا الجامع يعاني مما يعاني منه التعليم الإِسلامي في عصوره المتأخرة من غلبة العلوم الكلامية والتعصبات المذهبية التي تعطل نفعه وتضعف ثمرته.
ونجد في هذه التجربة كما في التجربة المصرية والعثمانية: أن نقطة الانطلاق في طلب العلوم العصرية ابتدأت من خارج المركز العلمي المعهود "جامع الزيتونة" مكونة بذلك نقطة علمية منافسة للعلم التقليدي، وهي نقطة ستكبر إلى درجة قضائها على المركز العلمي الإِسلامي، كما أن هذه النقطة الجديدة كانت من البداية تحت إدارة غربية مباشرة، وكانت أيضًا مهتمة بالجيش مع أن اطلاع الجيش على العلوم العصرية لا يجعل من ذلك فرصة لتطور هذه العلوم واستنباتها النبات الصحيح.
(1) الشيخ عبد العزيز الثعالبي ودوره في الإصلاح الإِسلامي ص 23.
(2)
انظر: خير الدين التونسي وكتابه أقوم المسالك. . ص 21، و"الصادقية" نسبة إلى "باي تونس" آنذاك "محمَّد الصادق".
(3)
انظر: جامع الزيتونة ومدارس العلم في العهدين الحفصي والتركي من سنة (603 هـ - 1206 م) إلى سنة (1117 هـ -1705 م)، الظاهر المعموري، ولاسيّما الباب الثاني، الفصل الأول: جامع الزيتونة ص 45 وما بعدها.