الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثالث تاريخ تكون الانحرافات المصاحبة لحركة العلم الحديث في العالم الإِسلامي وتأثيرها في الفكر التغريبي العربي المعاصر
مدخل:
قرر العالم الإِسلامي بعد زمن طويل من الضعف والتخلف أن يبحث عن مخرج، ظهرت دعوات إصلاحية مشهورة ومحاولات سياسية معروفة، تنوعت مشاربها واختلفت مصائرها، منها ما نجح ومنها ما أخفق، وقد كان من بين أشهر ما استُعين به في النهوض: العلوم العصرية، ونظرًا لأن الأمة الإِسلامية -غالبًا- قد أهملت هذه العلوم وأخرجتها من دائرة التعليم سنين طويلة فقد نسيتها ونسيت أنها أبدعت فيها وعلّمتها العالم يومًا ما، مما جعلها تبحث عنها من جديد، لكن ليس في تراثها وإنما في تراث أمة أخرى حولنا.
جاء طلب هذه العلوم في فترة عسيرة وخطيرة في الجهتين: جهة العالم الإِسلامي الطالب لهذه العلوم، وجهة الغرب المالك لمطلبنا. فالجهة الأولى كانت ضعيفة مما يسّر تسرب الانحرافات، وسمح بتحرك أهل الأهواء أثناء
تحقيق هذا المشروع. كما أن الجهة الثانية كانت تموج بعواصف فكرية واجتماعية خطيرة تأثر بها كل شيء في الغرب، بما في ذلك النجم الصاعد "العلوم العصرية"، وأخطر تلك العواصف: التيارات المادية والعلمانية.
يبحث هذا الفصل "تاريخ تكوّن الانحرافات المصاحبة لطلبنا العلوم العصرية"؛ وذلك أن طلب العلوم العصرية كما أنه أسهم في النفع والتقدم، فقد تخلل ذلك أيضًا بعض الانحرافات الخطيرة، تأثر بها كثير من طلابها وأثّروا بها، ولأن الكثير قد لا يتصورون ارتباط الانحراف بعلوم حيادية موضوعية، نبعت أهمية البحث في تاريخ الأفكار من خلال تاريخ الأحداث لنكتشف الفرق بين العلم النافع والانحرافات التي قد ترتبط به ويقع في أسرها بعض الناس أو يجدها آخرون فرصة للطعن في دين الأمة وعقيدتها وشريعتها وهويتها. ولا شك أن الأمة لو كانت قوية في دينها وعلمها وفكرها لما وقع مثل هذه الانحرافات؛ ولكن مع ضعفنا من جهة ومع العواصف الغربية من جهة أخرى لم يتحقق لتجربتنا الحديثة في تحصيل العلوم النجاح والسلامة.
ستكون فقرات هذا الفصل بإذن الله على الشكل الآتي: أولًا، الحديث عن حال العالم قبل الإِسلام، ثم حاله بعد بعثة النبي صلى الله عليه وسلم لنشاهد ذلك الانقلاب الهائل الذي حدث في العالم بظهور الإِسلام. ثم نشاهد -ثانيًا- أثر الإِسلام في توجيه أهله نحو العلم ونتائج ذلك: في ظهور "العِلم الإِسلامي" الذي أشرق بنوره على العالم كلّه، واستفادت منه البشرية، وهذا يمثل خط الصعود الإِسلامي. ولكن خط الصعود قد ضعف بسبب مؤثرات داخلية وخارجية، فهبط الخط كثيرًا عن الوضع الذي كان عليه، لنصل إلى حالة من الضعف والانحراف في العصور الأخيرة، فتأتي -الفقرة الثالثة- للنظر في هذا الضعف، وما تبع ذلك من دعوات الإصلاح التي كانت في بدايتها دينية سلفية، فانفتح الباب للأمل في إمكانية النهوض من جديد، فانطلقت التجارب المتنوعة لطلب النهوض، ومن ذلك طلب العلوم العصرية التي نتج عنها حضارة أوروبية مدهشة ومخيفة في الوقت نفسه، تحاول تلك التجارب نقلها إلى العالم الإِسلامي لعلّه يحدث لنا بسببها ما حدث للأوروبيين من تقدم وقوّة، تناقش -الفقرة الرابعة- هذه التجارب المختلفة، أقف مع أشهرها، وأبحث مشكلة فشلها من جهة، ومشكلة تسببها في دخول انحرافات فكرية من جهة أخرى؛ وذلك أن أغلب هذه التجارب
جاءت في وقت ضعفٍ شديدٍ مما مكّن لخصوم الأمة وأعدائها -في الداخل أو الخارج- من إفساد مسيرة هذه التجارب، ولاسيّما أن أغلبها قد تهاون في الإصلاح الذاتي نقطة الانطلاق الصحيحة لكل نهضة أو إصلاح، ومن تلك التجارب: تجربة الدولة العثمانية والهند الإِسلامية كبدايات مشهورة في الباب. وتأتي الفقرة الخامسة للتجارب العربية، أبدؤها بحادثة الحملة الفرنسية وأثرها، ثم التجربة المصرية، وعهد التنظيمات العثماني. والفقرة السادسة عن تجربة بعض بلاد المغرب -تونس والمغرب- مع توقف سريع في الفقرة السابعة مع التجربة الفارسية. أختم ذلك بالفقرة الثامنة حول صور تعرّف المجتمع على العلوم العصرية، وما يرتبط بها من مناهج ونظريات.