الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عرضٌ موجز للتطور الفكري والعلمي والصناعي والأدبي من القرن الثالث عشر الميلادي إلى التاسع عشر (1).
- تلخيص للمكتشفات والمخترعات، حيث ذكر أهم ما اكتشفوه أو اخترعوه من القرن الرابع عشر الميلادي إلى عصر المؤلف (2).
- مطلب ترتيب التعلم والتعليم بفرنسا، وفيه عرض مراحل التعليم الثلاث، ومواد كل مرحلة، ثم ذكر التخصصات الخمسة للطبقة الثالثة، وذكر أحوال الأكاديميات وسائر منابر التعلم، وأعقبها بأحوال المكتبات عندهم (3).
فعرض صورة العلوم والمعارف في تاريخه الحديث، ثم توقف مع نموذج خاص للدراسة وهو النموذج الفرنسي، بعد ذلك بزمن تولى منصب رئيس الوزراء (1873 - 1877 م) وأسس سنة (1874 م) مدرسة الصادقية (4)، ربما ليحقق شيئًا من رغبته. ولم يواصل مشواره هناك؛ فقد رحل بطلب من السلطنة إلى مقرها في تركيا سنة (1878 م)، وتولى فيها الصدارة العظمى، ولكن بعد رحيله بأربع سنوات احتلت فرنسا أرض تونس، وبهذا لم تحقق كل تلك الإصلاحات حلم تونس في القوة والمنعة والتقدم.
2 - تجربة المغرب:
كانت المغرب مستقلة عن الدولة العثمانية بخلاف بلاد المغرب الأخرى، ويحكمها أسرة "بني فلال" منذ (1644 م)، وكان أولهم "الرشيد"(5)، ثم أخوه "إسماعيل بن الحسن"(1672 - 1727 م) لفترة حكم طويلة، ضبطا فيها الأوضاع، وفي الوقت نفسه عزلا المغرب عن تطورات أوروبا بسبب خوفهما
(1) انظر: خير الدين التونسي وكتابة. . . . ص 209 وما بعدها، وفيها عرض نظرية الفلك ومشاكلها ص 213.
(2)
انظر: المرجع السابق ص 224 وما بعدها.
(3)
انظر: المرجع السابق ص 231 وما بعدها.
(4)
انظر: الحركات الوطنية والاستعمار في المغرب العربي، د. أمحمَّد مالكي ص 97 - 99.
(5)
انظر: تاريخ الشعوب الإِسلامية، بروكلمان ص 630 - 631، وذكر وفاة إسماعيل سنة (1729 م)، وفي المرجع التالي تاريخ آخر اعتمدته، وانظر: سيرته: الأعلام، الزركلي 1/ 324.
منها فيما يظهر بخلاف من سبقهما على حكم الغرب مثل "عبد الملك" وأخيه "أحمد المنصور"(1578 - 1603 م)، ويُعد أحمد أول من فكر في الاستفادة من أوروبا ووظف الكثير من الإسبانيين في جيشه الجديد، ولكن الفوضى التي حدثت بعد المنصور ثم وصول إسماعيل للحكم؛ جعله يوقف هذه العلاقة خوفًا من آثارها، واستمر ذلك لأكثر من مئة سنة، وكذلك الحال مع "محمَّد بن عبد الله ابن إسماعيل"(1757 - 1790 م) ليواصل حذره في العلاقة بأوروبا، وهو الذي عاصر التقلبات الكبيرة داخل أوروبا وما ختمت به من الثورة الفرنسية (1).
وقعت مستجدات خطيرة بعد وفاة محمَّد تُنبئ عن مؤشرات خطيرة حول توجه أوروبا ولاسيّما فرنسا وإسبانيا لاحتلال بعض بلاد المغرب، ومنها حملة نابليون على مصر سنة (1798 م)، ثم احتلال الجزائر سنة (1830 م)، ولكن الحدث الذي وضع المغرب مكشوفًا للأعداء وضعيفًا أمامهم هي معركة "إيسلي" سنة (1844 م)، حيث انتصر الجيش الفرنسي بعدده القليل وبأدواته الحديثة وجيشه العصري على الجيش المغربي غير المنظم وصاحب الأدوات التقليدية، وأعقبها هزيمة أخرى في تطوان مع الإسبان سنة (1860 م)، وهنا يقع السؤال والبحث عن الحل (2)؟ لقد رأينا بأن أغلب الدوافع وأهمها لأغلب التجارب التحديثية جاءت بعد انكسار عسكري، كان ذلك في التجربة المصرية أمام حملة نابليون، والتجربة العثمانية أمام الروس وجيوش أوروبا، والتجربة الهندية أمام الإِنجليز، والتجربة التونسية بمشاهدة ما حدث لجيرانهم، وهنا المغرب أمام فرنسا وإسبانيا.
قاد هذه المرحلة من الناحية السياسية السلطان "محمَّد الرابع بن عبد الرحمن"(1859 - 1874 م) وابنه "الحسن"(1874 - 1894 م)(3)، واتجهت
(1) انظر: قصة المواجهة بين المغرب والغرب، د. عبد الكريم الغلاب ص 142 - 172، وهو الذي ذكر وفاة إسماعيل سنة (1727 م)، وعن تجربة "عبد الملك" و"أحمد"، انظر: ص 142 - 143، 149، وعن توقف مئة سنة ص 163، وانظر: العقل والنقل في الفكر الإصلاحي المغربي (1757 - 1912 م)، حسن الحجوي ص 35 وما بعدها، وترجمة "محمَّد بن عبد الله"، انظرها في الأعلام، الزركلي 6/ 241.
(2)
انظر: العقل والنقل. . . .، حسن الحجوي ص 43 وما بعدها، 78 وما بعدها.
(3)
انظر: المرجع السابق ص 42 - 48.
الأنظار إلى التجارب الإِسلامية في الإصلاح والتحديث ولاسيّما تجربة محمَّد علي في مصر، وذلك أن المغرب فيها المقومات نفسها وتواجه التحديات نفسها، وعندها مركز علمي مهم وهو جامع القرويين، فكيف كانت التجربة المغربية في البحث عن أساليب التحديث بما في ذلك طلب العلوم العصرية؟
لم تنقطع العلاقة بين السلطة وجامع القرويين كما حدث في التجربة المصرية بين السلطة والأزهر، ولكن جامع القرويين لم يستطع معالجة مشكلة "العلوم العصرية" كحال الأزهر والزيتونة، فهذه المراكز العلمية المهمة لم تستطع استنبات العلوم العصرية التي تحتاجها الأمة وتعتمد عليها الدولة في إعداد العدّة وبناء القوة ونفع الناس، وقد كانت الموانع ذاتية وخارجية، فإن تلك الجوامع العلمية لم تكن تخلو من معوقات التقدم، من جهة المناهج المنتشرة فيها وطرق التدريس، وكذا علماؤها الذين جمعوا بين علوم الكلام والتصوف مع العلوم الشرعية الأصيلة، تسببت هذه التناقضات في إعاقة أثرها الحقيقي في إنتاج المعرفة النافعة في الدين والدنيا.
كما أن هناك معوقات خارجية منها ما يتعلق بالسلطة كما رأينا في التجربة المصرية أو ما يتعلق بالعلاقة مع الغرب ذاته، فأوروبا لا يمكن أن تعطينا علمًا ينفعنا ويزيد من قوتنا؛ لأن في ذلك من التهديد لها مستقبلًا، وفيه من تخفيف قوتها وسلطتها وتفوقها وهو أمر يمكن فهمه وعدم استغرابه.
فهذه المعوقات الذاتية والخارجية منعت انطلاقة جامع القرويين وغيره، مع العلم بأن جامع القرويين لم يكن يجهل العلوم المادية النافعة، ففي ترجمة أحد طلابه "ابن السنوسي المتوفى سنة 1276 هـ" الذي قدم إليه لأخذ العلم عن رجاله، حيث وصف العلوم التي تدرس فيه ذلك العهد، "وذكر منها علم الفرائض والحساب والإسطرلابَيْن وصناعتهما، والرياضيات والهندسة والهيئة، والطبيعية، والأرثماطيقي، وأصول قواعد الموسيقى، والمساحة والتعديل والتقويم وعلم الأحكام والينس "بكسر النون" والوقف والقواعد الجفرية، وأصول الزايرجية، والبسط والتكسير، والجبر والمقابلة، وغيرها"(1)، وكان هذا في عهد السلطان
(1) جامع القرويين المسجد والجامعة بمدينة فاس موسوعة لتاريخها المعماري والفكري، د. عبد الهادي التازي 3/ 726، وذكر الدكتور بأن بعضها فيها تداخل وبعضها غير واضح، =