الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويبث الروح فيهم من جديد، ومن أهم ما رصده لنا التاريخ من محاولات مؤثرة وأجمع عليها أغلب من كتب عن العصر الحديث، الدعوتان التجديديتان والإصلاحيتان: الأولى كانت في القرن الثامن الهجري مع شيخ الإِسلام ابن تيمية رحمه الله، والثانية كانت أول القرن الثاني عشر الهجري مع الإِمام محمَّد بن عبد الوهاب رحمه الله (1)، وكان حاصل دعوتهما بأن ضعف الأمة وتخلّفها وانحرافها يرجع إلى تفريطها في دينها الذي قد أعطاها قوتها في زمنها الأول، وأنه لا نجاة للناس ولا سعادة في الدنيا والآخرة إلا بالعودة الصادقة إلى هذا الدين، وأن ذلك يُحتّم على الأمة تطهير الذات من البدع والانحرافات العقدية والالتزام بالاعتقاد على منهج خير القرون والعمل بما شرع الله سبحانه والانتهاء عما نهى عنه. وهم في ذلك يرون بأنه من الواجب على الأمة الأخذ بأسباب القوة والإعداد والانتفاع بالعلوم المفيدة، وإن كانت عند أعدائنا، فالحكمة ضالة المؤمن، والانتفاع بتلك العلوم من الأمور الجائزة. إلا أنهما -وذلك مما تميزًا به عن غيرهما- حذرًا من أخذ كل ما عند الأمم الأخرى، فليس كله حقًّا أو نافعًا، وعلينا الاكتفاء بما نحتاجه من العلوم النافعة لدنيانا على أن يهتم بها بعض أبناء أمتنا بما يغنينا عن الاحتياج للآخرين.
وبقدر ما نفع الله بهذه الدعوة التجديدية والإصلاحية؛ إلا أن الضعف والانحراف قد كان كبيرًا، ولذا لقيت هذه الدعوة من المواقف الصادّة والرافضة الشيء الكثير، إلا أن ذلك لم يمنع من تأثرِ الكثير بها وسعيهم إلى العودة بالأمة إلى قوتها، والارتقاء بها إلى مكانتها العالية.
2 - المخاض العسير لدخول العصر الحديث:
دخلت البلاد الإِسلامية عصرها الحديث باعتبارها جزءًا من الدولة العثمانية، والتي لم تكن جزءًا منها فهي تراها على الأقل الدولة الأم للعالم
(1) الكتب التي تحدثت عن الشيخين ودعوتهما كثيرة جدًا، يمكن الرجوع حول شيخ الإِسلام إلى: موقف شيخ الإِسلام من الأشاعرة، د. عبد الرحمن المحمود 1/ 151 - 327، وانظر: ابن تيمية السلفي، محمَّد خليل هراس، وحول الإِمام محمَّد بن عبد الوهاب، انظر مثلًا: عقيدة الشيخ محمَّد بن عبد الوهاب وأثرها في العالم الإِسلامي، د. صالح العبود.
الإِسلامي، ولذا فالنظر في حالها يُعبّر عن حال أغلب بلاد المسلمين، ويكشف كيف بدأت جميع الولايات الإِسلامية تفكر في التحديث، ومن ذلك البحث من جديد عن العلوم الدنيوية التي فقدتها، وأهملتها في ظل التهاون العام بأمر ديننا.
فكيف كانت حالنا في المرحلة التي تسبق طلب التحديث والإصلاح بما في ذلك طلب العلوم العصرية؟
صورتان أو إحداهما تعمّ العالم الإِسلامي آنذاك أجمعت عليها كتب التاريخ إما بلسان حالها أو بلسان مقالها، والصورتان هما: الانحراف والضعف؛ الانحراف في باب الدين ويتبع ذلك ما يرتبط به من تصورات وأعمال، والضعف في أبواب الدنيا من أمية وفقر وتخلف وضعف (1)، وإن سلم جزء من العالم الإِسلامي من إحدى الصورتين لم يسلم من الأخرى.
فأما الصورة الأولى: الانحراف في الدين، فقد انتشرت البدع في بلاد المسلمين، وعلى رأسها تلك المرتبطة بالتصوف وطرقه التي لقيت دعمًا من السلطنة وانتشرت انتشارًا كبيرًا (2)، وارتبط بها إهمال طلب العلم وعدم الحرص عليه، كما ارتبط بها عقيدة التواكل وعدم السعي في الأرض وإهمال إعمارها، وزهّدت هذه الحال أتباعها من طلب العلم الشرعي فضلًا عن العلوم الدنيوية وعلوم العمران.
ليس بإمكاننا البحث عن أسباب انتشار ظاهرة التصوف في القرون الأخيرة، إلا أن الضعف الخطير الذي دبّ في الأمة الإِسلامية ربما كان أحد أخطر الأسباب في انسحاب الكثير خلف الطرق الصوفية بما تمثله من مسهلات للخمول والكسل وعدم الحرص على بذل الجهد في طلب أسباب القوة.
ومما يلفت النظر بأن التصوف قد انتشر في المناطق التي احتكت مباشرة بالحضارة الغربية، مثل عاصمة الدولة العثمانية ومصر وبلاد المغرب، وقل مثل
(1) انظر مثلًا: واقعنا المعاصر، محمَّد قطب ص 165 وما بعدها، وانظر: الانحرافات العقدية والعلمية في القرنين الثالث عشر والرابع عشر الهجريين وأثرها في حياة الأمة، علي الزهراني ص 23 - 75.
(2)
انظر: الاتجاهات الفكرية عند العرب في عصر النهضة (1798 - 1914 م)، علي محافظة ص 16 - 20، وانظر: الفكر الصوفي في ضوء الكتاب والسنة، عبد الرحمن عبد الخالق ص 52 - 53 وكذا بقية فصول الكتاب لعنايتها بالتصوف في العصور الأخيرة.