الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الاختلاف بينهم وبينه: اعتراضه على الدور العظيم الذي جعله فرويد للجنس وعلى موقف فرويد من الدين.
وكون النظرية العلمية قد جاءت من يهودي لا يضيرها، فالعلم الدنيوي قد يأتي من أي إنسان، وهو مما أعطاه الله لكل الخلق دون استثناء، فقد تظهر تلك المعارف من يهودي أو نصراني أو مشرك أو ملحد، ولكن الإشكال معها ومع غيرها من النظريات العلمية يتمثل في الآتي: هل كان ليهودية اليهودي أثر في انحراف تلك النظريات عن مسارها؟
يمكن التأكد من ذلك بالوقوف مع قضيتين؛ الأولى: بحث الصلات القائمة بين النظرية العلمية ومعتقدات صاحبها، وفي نموذجنا هذا سيكون البحث عن العلاقة بين النظرية الفرويدية والديانة اليهودية، والثانية: عن أثر النظرية أو إيحاءاتها في إفساد الدين والقيم.
يتم التحليل إذًا على مستويين، مستوى التأكد من المصادر ومستوى النظر عن أثرها في إفساد الدين والإيمان والقيم، ودائمًا نذكر بأن هدف البحث هو النظر في أسباب الانحراف بالعلم وليس أسباب تقدمه؛ لأن مسيرة العلم ونظرياته تحوي هذا وذاك.
1 - علاقة الفرويدية باليهودية وكتبها المقدسة:
اليهودية هي ديانة محرفة يتبع أهلها النبي موسى عليه الصلاة والسلام وكتابهم هو التوراة، ولكن اليهود بعد ذهاب نبيهم انحرفوا انحرافًا كبيرًا، وحرفوا كثيرًا في كتبهم وأضافوا عليها، وكتبهم هي:"التوراة والأسفار الملحقة والتلمود"، وببعثة نبي الإِسلام محمد صلى الله عليه وسلم انكشف لنا من انحرافاتهم وتحريفاتهم الشيء الكثير، على مستوى العقيدة وعلى مستوى الشريعة، وظهر انهماكهم على الدنيا والاستحلال للمحرمات لاسيّما مع الأميين، قال -تعالى-:{وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (75)} [آل عمران: 75].
وقد ابتدأ الظهور الحديث لليهود في أوروبا بالنقد القاسي الذي قام به "إسبينوزا" -كما سبق أول المبحث- مما فتح لعلاقة جديدة لليهود مع تراثهم
اليهودي لاسيّما الجيل العلماني منهم، جوهر تلك العلاقة هي في اعتبارهم التراث مرجعًا للهوية فقط، ويولد الطاقة في اليهودي دون أن يصل إلى الاعتقاد الحرفي بما فيه، وقد كان من بين هؤلاء فرويد، الذي يذكر بأن التوراة تمدّه بطاقة عجيبة، ومارس الدور نفسه الذي قام به "إسبينوزا" وإن كان بأسلوب آخر في كتابه المشهور:"موسى والتوحيد"، وكان ما يقلقه نفس ما كان يقلق إسبينوزا وهو: كيف يتلقى المجتمع اليهودي كتابه عن موسى والتوحيد، إذ قال في رسالة له:"لا داعي للتذكير، بأنني لا أحب أن أجرح مشاعر شعبي. . . ."(1)، وهو كتاب يثبت أن فرويد على علاقة قوية بالتراث اليهودي وإن زعم إلحاده، وفي فرويد وأمثاله يقول الدكتور "الحفني" -وهو أحد المترجمين لأعمال فرويد وأعمال يهود آخرين مثل:"ماركس" و"كامي" و"سارتر" وأعمال في علم النفس والتحليل النفسي مشهورة-: "ففرويد أو غيره من اليهود يظهر أنه علماني وموضوعي ويتصدى للظاهرة الدينية تصدي العلماء الموضوعيين، ولكنه في نفسه يضمر الإيمان باليهودية وبإله اليهود. وكان ذلك نفسه شأن كافكا وتوماس مان وغيرهما كثيرون. ومع ذلك يشجعون غيرهم على الإلحاد وانتقاد دياناتهم ومعتقداتهم"(2)، ومن ذلك كتاب فرويد "موسى والتوحيد" فكما يقول "الحفني" أيضًا -في الجزء الأول منه-:"يبدو فيه فرويد كما لو كان ملحدًا وعلمانيًا ومجرد دارس لليهودية، وفي الجزء الأخير يتحدث فرويد بإيمان شديد بالله ويدافع عن اليهودية في استماتة ويستخدم كل أسلحة التحليل النفسي ليحقق الغاية التي ترسّمها مسبقًا بتأليفه لهذا الكتاب"(3)، ويظهر "الحفني" كتاب فرويد وكأنه خدمة لدعاوى اليهودية بالتفوق على البشرية وخدمة لدعاوى الصهيونية الجديدة (4)، ويبقى ما يهمنا أن فرويد بدأ يستثمر مجاله العلمي لخدمة هويته اليهودية من جهة والانتقاص من الأديان الأخرى من جهة أخرى.
وقد ظهرت مجموعة كتب تبحث عن أوجه التشابه بين نصوص توراتية
(1) سيغموند فرويد. مكتشف اللاشعور ص 213.
(2)
النبي موسى ورسالة التوحيد، سيغموند فرويد، من مقدمة المترجم ص 13 ترجمة د. عبد المنعم الحفني.
(3)
النبي موسى ورسالة التوحيد، سيغموند فرويد، من مقدمة المترجم ص 7.
(4)
انظر: المرجع السابق ص 9.