الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
د- التنوير:
تيار التنوير بحسب اصطلاحات الكتب المؤرخة هو أشهر تيارات الفكر في القرن (12 هـ - 18 م)، وقد سهّل المعارف والأفكار الصعبة وعرضها بأسلوب سلس ومرتب كـ"الموسوعة" مثلًا أو بأسلوب أدبي وفني. وقد أفاد هذا الأسلوب في انتشار أفكارهم في طبقات أوسع من المجتمع، وأسهم ذلك في تمرير أفكارهم السلبية في جلباب الإيجابية دون أن يشعر بها المجتمع، ومن ذلك النقد الحاد للدين ونشر ثقافة الإلحاد أو العلمانية. ورغم الانحراف الديني عند من يمثلونه إلا أن نقدهم قد تجاوز الانحراف إلى الثوابت الدينية، كالإيمان بالله والتصديق بوجود الأنبياء والإقرار بالغيب واليوم الآخر، فهذه وإن وقع في تصورها انحراف كبير عند اليهود والنصارى، إلا أن أصولها مما هو ثابت في دين الإسلام الذي جاء به كل الأنبياء إلى خاتمهم محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
ومما تحمس له زعماء التنوير: الدعوة للعلوم الجديدة، والتعريف بها، ونشرها، وتبسيط العلوم والنظريات، وربط تطور المجتمع بها؛ مما جعل أصحاب "الموسوعة العربية العالمية" يقولون عنها بأنها:"حركة فلسفية أثّرت تأثيرًا كبيرًا في تطور العلم خلال أواخر القرن السابع عشر، والقرن الثامن عشر الميلاديين"(1)، ولكنهم سكتوا عن الأثر الخطير الذي مارسوه في إفساد العلاقة بين العلم والدين، وذلك أنهم صوّروا الدين عدوًّا لدودًا للعلوم الجديدة، وأن تقدم العلم مرهون بإبعاد الدين أو تحطيمه (2).
[4] الثورة الفرنسية العلمانية (1789 م):
سبق الحديث عن أهم تيارات الفكر في القرن (12 هـ - 18 م)، وقد كانت تتفاعل مع المجتمع ويتفاعل هو معها، وكان المجتمع يراقب الأحداث ويرغب في التخلص من ظلم الكنيسة والسلطة، ويجد في هذه التيارات صورة الخلاص، فقام قوم بتحويل تلك المشروعات الفكرية إلى ثورة سياسية واجتماعية هي الثورة
(1) الموسوعة العربية العالمية 16/ 366.
(2)
انظر حول هذا التيار الفصلين الخامس والسادس: من تاريخ الفكر الأوروبي الحديث، رونالد ص 169.
الفرنسية، وكان من أهم معالمها تبني الأفكار السياسية الجديدة، وبناء مجتمع جديد يعتمد على العلم ويُقصي الكنيسة والدين عن شؤون الحياة العامة لتبقى شأنًا فرديًا، وبلغ درجة مغالية في جناحها اليساري الذي طالب بإلغاء الدين وعبادة العقل في شخص امرأة حسناء تُنصب إلها (1)، وقررت الثورة التعليم الإلزامي العلماني من المرحلة الابتدائية (2).
ومن أهم الصور النمطية التي نجحت الثورة في ترسيخها هي إقرار العداء بين الدين والحياة العامة، ولاسيّما المجال الجديد العلم، ومن ثمّ فرض التعليم العلماني منفصلًا عن الدين، ومن أدوار الثورة أنها أحلّت العلوم الجديدة مكان العلوم القديمة، وأصبح ذلك سمة التعليم الحديث، ومن مشاكل الثورة كأغلب الثورات أنها فرصة لأهل الأغراض، باستثمارها لصالح أهدافهم وتوجيهها في خدمة مصالحهم، ومن ذلك ما نراه هنا من دخول الماديين واليساريين واليهود (3) من خلال الثورة، واستثمارهم لها في عرض رغباتهم وفرضها عن طريق النظام السياسي الجديد على المجتمع بعد أن كانوا في الماضي ينشطون في المجتمع بشكل خفي وفردي، فهم الآن قد وصلوا للسلطة ونجحوا في تمرير مشروعاتهم الفكرية من خلالها.
(1) انظر: الفكر العربي الحديث أثر الثورة الفرنسية في توجيهه السياسي والاجتماعي، رئيف خوري ص 44.
(2)
انظر: المرجع السابق ص 46.
(3)
دور اليهود تؤكده كتب مثل: (بروتوكولات حكماء صهيون)، و (أحجار على رقة الشطرنج)، وسيأتي بحث ذلك في فقرة قادمة.