الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومن خلال هذه الشبكة المعقدة تم استقبال الوافد الغربي بما فيه العلوم الجديدة والصناعات وأمور المدنية، ومن الطبيعي لوضعٍ معقد كهذا أن يُفسِد مسيرة حضور العلوم العصرية في بلاد المسلمين ولاسيّما في مثل هذه التجربة التي استبعدت إلى حد كبير أي تدخل من قبل أشهر مؤسسة علمية آنذاك وهي الجامع الأزهر.
أدوات محمَّد علي في تحصيل العلوم العصرية:
سنقف الآن مع الأدوات التي استعان بها محمَّد علي في تحصيل العلوم الحديثة من أجل تكوين دولة أو ولاية قوية تسند حكمه، وهذه الأدوات أصبحت نموذجًا فيما بعد لكثير من التجارب في بلاد المسلمين بما في ذلك مركز الخلافة، وأهم الأدوات ما يأتي:
أ- الاستعانة بالأجانب
.
ب- مشروع الابتعاث لأوروبا.
ج- فتح المدارس الفنية غير المعهودة في بلاد المسلمين آنذاك إلا في النادر.
د- المدارس الأجنبية "مدارس الإرساليات".
هـ - مشروع الترجمة.
و- المطبعة وما ارتبط بها من ظهور صحافة علمية وفكرية.
لقد كانت هذه المنافذ من أشهر ما سلكه "محمَّد علي" لطلب المدنية الغربية أو استفاد منها، ولنتذكر هنا بأن هذه المنافذ جاءت بعد قضائه على المماليك وإقصائه للأزهر وعلمائه، ومما طلب عبر هذه المنافذ العلوم الحديثة بما يترتب عليها من إدارة وصناعة ومدنية.
أ- الإستعانة بالأجانب:
من أخطر الظواهر التي عُرفت في زمن "محمَّد علي"؛ فتحه الباب لغير المسلمين ممن هم داخل البلاد الإِسلامية أو من الأوروبيين، وقدّمهم -وكذا بعض أبنائه- على المسلمين، بل إنه في أحيان كثيرة يفتح صدره لهم بينما يمارس الظلم والطغيان على المسلمين (1). وعندما استولى ابنه "إبراهيم" على
(1) يذكر المؤرخ "الجبرتي" عن "محمَّد علي" أنه: (فتح بابه للنصارى من الأروم، والأرمن، =
بلاد الشام؛ قمع أهل الدين وفتح الباب للنصارى ومكنهم من المسلمين واستعان بهم (1)، واستمرت هذه الحال مع أبناء محمَّد علي حتى تمكن المستعمر فيما بعد من احتلال بلاد المسلمين.
وإذا كان الأجانب قد فشلوا في مشروعهم النابليوني؛ فقد وجدوا في ولاية محمَّد علي وأبنائه ما يعوّض ذلك الفشل، فما فقدوه برحيل بونابرت عوّضه محمَّد علي، حتى بعض أعضاء حملة بونابرت من خبراء وضباط قد وجدوها فرصة لمواصلة الدور، وكان منهم على سبيل المثال "جومار" عضو المجمع العلمي والجغرافي المعروف والمشرف على الكتاب الذي أخرجه الفريق العلمي حول مصر المصاحب لحملة بونابرت، الذي أصبح المشرف على مبتعثي محمَّد علي إلى فرنسا (2)، وأحد مستشاريه في التعليم. وكذا أحد ضباط جيش بونابرت الذي فقد عمله في غزوات بونابرت بعد عزل بونابرت ليجد فرصته في تأسيس جيش محمَّد علي الجديد (3)، وهكذا تغلغل الأجانب في هذه الدولة الناشئة.
صحيح أن "محمَّد علي" القادم من ألبانيا -وهي جزء من القارة الأوروبية- على علم بما في أوروبا من تقدم دنيوي ومادي حيث كان قريبًا من تلك البلاد، ولكن الغريب من أحد الولاة المسلمين فتحه الباب على مصراعيه -وبهذه الطريقة المحزنة- للأجانب ليتمكنوا من بلاد المسلمين رغم حساسية الوضع، وتَهيُّؤ الغرب لمعركة خطيرة مع الأمة الإِسلامية.
لقد كان من بين الأمور المعلنة حول استعانته بهم وفتحه الباب لهم أنهم أهل الحضارة المادية، وكان الأجنبي أيضًا يسوق نفسه عند "محمَّد علي" عبر إغرائه ببناء دولته على نمط دول أوروبا، ومن ذلك وعده بنشر العلوم الحديثة في ربوع مصر، ولكن إذا صح بأن هؤلاء الأجانب على دراية بالعلوم الحديثة؛ فإن
= فترأسوا بذلك، وعلت أسافلهم، كما أنه كان يحب السيطرة والتسلط، ولا يأنس لمن يعارضه) عن الصلابي، الدولة العثمانية. . ص 385، عن تاريخ الجبرتي 4/ 150.
(1)
عند احتلاله للشام فتح الباب على مصراعيه للبعثات التبشيرية، وكان عام (1834 م) عام تحول خطير؛ حيث برز جهد النصارى من أوروبا وأمريكا، وانتشرت مدارسهم ومطابعهم. انظر: الدولة العثمانية. .، الصلابي ص 410.
(2)
انظر: تخليص الإبريز في تلخيص باريز، رفاعة الطهطاوي ص 390.
(3)
انظر: تراجم مشاهير الشرق في القرن التاسع عشر، جرجي زيدان 1/ 232 ومما بعدها.