الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هندسة إقليدس المعروفة من قرون -هي هندسة ريمان وغيره اللا إقليدية الجديدة (1).
وقد كان المذهب المادي أكثر المذاهب الفكرية انزعاجًا من هذه الاكتشافات؛ لأنه بني أيديولوجيته الإلحادية والمنكرة لعالم الغيب على قوة العلوم الطبيعية المادية حيث يرى فيها دلائل على مادية العالم وآليته وحتميته. ثم هو يصطدم بتجربة صغيرة تزلزل أهم أدلته وتشكك في مشروعية استدلاله واستغلاله لثمرات العلوم.
2 - من التجربة إلى النظرية النسبية:
بدأ التساؤل العلمي: إذا كان الأثير خطأً علميًا، فما البديل الذي يمكن قياس حركة الأشياء بالاستناد عليه؟
كان هذا أحد الأسئلة التي فتحت الأجواء لميلاد أشهر نظريات القرن الرابع عشر/ العشرين، وهي النظرية النسبية، وعادة ما توضع هذه التجربة مفتاحًا لميلاد النظرية النسبية.
كان جواب ألبرت أينشتين أنه لا يوجد مقياس، وأن حركة الأشياء نسبية، فكل حركة إنما تقارن بغيرها بحسب مكان الملاحظ. فعندما أكون على الأرض فأنا أقيس حركة الأشياء وألاحظها بحسب مكاني، ولو كنت على القمر مثلًا لكان مصدر ملاحظتي هو وضعي على القمر، وسأشاهد أمامي الأرض مع بقية الأجرام، وهكذا (2). فالمُلاحِظ العلمي لا يستطيع ملاحظة الشيء المطلق من مكان أو زمان أو كتلة أو غيرها من المفاهيم -هذا إن وجدت- وإنما هو يلاحظ هذا الشيء النسبي.
ولعل هذا الكلام يذكرنا بنقاشات داخل التراث الإِسلامي ربما تساعدنا على فهم مثل هذه النظريات وأبعادها؛ ومن ذلك ما كان يردّ به شيخ الإِسلام ابن تيمية على استدلال نفاة العلو قائلين بأن تصور العلو لا يتوافق مع القول بكروية الأرض؛ لأن العلو لمن هم في القطب الشمالي مقابل لعلو من هم في القطب
(1) انظر حول أثر هذه المستجدات الرياضية: في فلسفة العلم، د. إبراهيم مصطفى ص 85 وما بعدها، وانظر: مدخل إلى فلسفة العلوم. .، د. الجابري ص 73 وما بعدها.
(2)
انظر مثلًا: فلسفة العلوم، د. بدوي عبد الفتاح ص 245 - 248.
الجنوبي. فكان من نقاشه لهم: لابد من التفريق بين جهتين، جهة إضافية وجهة حقيقية، فأما الإضافية فهي النسبية بمفهومات عصرنا، وأما الحقيقية فهي أن الأفلاك جميعها ما فوقها هو العلو وما في جوفها هو السافل. فالنسبي بحسب وجودنا نحن على الأرض ولكنه ليس هو العلو المطلق، وهو قول بنسبية المكان الخاص بعالم المخلوقات (1). وذكرت هذا المثال لنعرف فقط أبعاد المشكلة وآثار المسألة بمثال توضيحي تراثي، وإلا فإن أصحاب النظرية النسبية قد يكتفون بنسبية المكان وينكرون ما سوى ذلك أو يسكتون عنه.
لقد انطلق "أينشتين" في بناء نظريته النسبية على هذا الفرض "أن كل شيء نسبي" وأخرج نظريته بداية القرن الرابع عشر/ العشرين، وباتفاق الدارسين للفكر المعاصر بأنها أشهر نظرية في هذا القرن، مما يجعلها نموذجًا جيدًا لدراسة أثر نظريةٍ ما في الفكر والمجتمع، وأصبح يقال مثلًا:"إذا أردت أن تفهم القرن العشرين فعليك بأنشتين أولًا"(2). وسأختار تعريف "الموسوعة العربية العالمية" بها، وفيها:"النسبية نظرية فيزيائية للعالم الألماني أينشتاين، استولت على خيال الشخص العادي أكثر من أي نظرية فيزيائية أخرى في التاريخ. ومع ذلك فإن نظرية النسبية، على عكس الكثير من نظريات الفيزياء، لا يمكن أن يفهمها الشخص العادي بسهولة. . . . وهذه النظرية خاصة بالكون، فهي تتناول معظم الأفكار الأساسية التي نستخدمها لوصف الأحداث الطبيعية. وهذه الأفكار تختص بالزمن والفضاء والكتلة والحركة وتتألف النظرية من جزئين رئيسيين: الأول نظرية النسبية الخالصة، أو المقيدة، التي نشرها أينشتاين عام (1905 م). أما الثاني فهو نظرية النسبية العامة التي قدمها أينشتاين عام (1915 م) "(3). وقد كانت الأفكار الأساسية المتعلقة بوصف الأحداث الطبيعية قبل النظرية النسبية قائمة على صورة العلم النيوتني، تقوم على إثبات الأثير والزمان المطلق والمكان المطلق والجاذبية والحركة وغيرها، فتحول الزمان والمكان المطلقان إلى زمان ومكان نسبيين، وأُسقط مفهوم الأثير من العمل الفيزيائي، وبدل القول بالجاذبية
(1) انظر: درء تعارض العقل والنقل، شيخ الإِسلام ابن تيمية 6/ 327 - 340.
(2)
أينشتين، محمَّد مرحبا ص 5.
(3)
الموسوعة العربية العالمية 25/ 217، وانظر: درس الإبستمولوجيا، عبد السلام وصاحبه ص 163.