الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[1] البداية من علم الفلك:
من يرجع إلى المكتبة الثقافية لينظر حجم ما كتب حول الفقرات السابقة؛ يجد ذلك الكم الضخم الذي يصعب اختصاره هنا رغم أهميته للبحث، وأي اختصارٍ مهما كان دقيقًا فهو يبقى مخلًا في عرض الجوانب السابقة، ومع ذلك فلكل باحث حدوده في بحثه، وأجد نفسي مضطرًا إلى اختصار ما يصعب اختصاره:
أ- علم الفلك القديم:
كان علم الفلك أحد العلوم السبعة (1) التي تُدرّس في جامعات أوروبا ويحرص عليها المتعلم الجديد، ويصعب تعليل "لم كانت انطلاقة الثورة العلمية من علم الفلك بالذات، و -لم- لم تأت من غيره"! ومع هذا فعلم الفلك كان أحد العلوم المشهورة آنذاك، ويحرص عليه كثير من المتعلمين.
وكان عمدتهم في علم الفلك على كتاب "المجسطي" لبطليموس بحسب ما نقل عن المسلمين مع إضافات فلكيي المسلمين وغيرهم، مع مجموعة رسائل مدرسية سهلة لمن يصعب عليه كتاب "المجسطي"(2).
كان محور عناية الفلكي يدور عن الأرض التي نعيش عليها وما يرى حولها من كواكب ونجوم، وعامة الناس يعلمون أنهم على الأرض، ويرون في النهار الشمس، وفي الليل أقرب ما يرونه القمر، ومن خلفه مجموعة هائلة من النجوم تزين السماء، وقد وردت آيات كثيرة في القرآن عن الأرض والقمر والشمس والنجوم والسماء، داعية العاقل إلى التأمل فيها والاعتبار بها ليتوجه القلب بعد ذلك إلى تعظيم خالقها وإلى عبادته سبحانه.
وقد ظهر علم الفلك منذ زمن بعيد ليعتني برصد هذه الأفلاك ومعرفة أشكالها وأحجامها وحركاتها وآثارها، ويُذكر أن أصل هذا العلم أخذ عن
(1) العلوم السبعة هي: (النحو، المنطق، الخطابة، الهندسة، الحساب، الفلك، الموسيقى). انظر: موسوعة الفلسفة، بدوي 1/ 427.
(2)
كان أشهر هذه الرسائل (في الفلك) لساكروبوسكو، وقد ظلّت ذات شعبية إلى زمن جاليليو، مع أن وفاة مؤلفها حوالي 1256 م، انظر: فجر العلم الحديث. . . .، توبي أ. هف ص 377.
"إدريس" عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام والله أعلم بحقيقة ذلك كما يقول شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله، ومنه ما هو صحيح حيث يقول أيضًا:"أما الحساب -وهو نوع منه- فهو معرفة أقدار الأفلاك والكواكب وصفاتها ومقادير حركاتها، وما يتبع ذلك، فهذا في الأصل علم صحيح لا ريب فيه، كمعرفة الأرض وصفتها، ونحو ذلك، لكن جمهور التدقيق منه كثير التعب، قليل الفائدة، كالعلم مثلا بمقادير الدقائق، والثواني، والثوالث في حركات السبعة المتحيرة. . . ."(1)، ومنه ما هو حرام كعلم التنجيم القائم على السحر وما في بابه، أو خاطئ كأي علم توجد فيه ثغرات تُصحح مع الزمن. فالصحيح منه ما قام على الرصد والتأمل والحساب، وقد يعتريه الخطأ من بعض جوانبه، لاسيّما مع نقص الأجهزة الكافية للوصول إلى نتائج سليمة.
ومن مشاكل علم الفلك القديم أنه اشتهر في بيئات وثنية كاشتهاره في بلاد اليونان الوثنية، فاشتغل به بعد ذلك كثير من الناس ليوصلهم إلى أبواب التنجيم، وقد كان التنجيم بابًا لجمع الأموال واستغلال رغبة الناس في معرفة المستقبل والغيب، وكان بابًا للوصول إلى الرئاسة، حيث كان كثير من الملوك والأمراء يقربون المنجمين ويستشيرونهم في كثير من الأمور.
وهكذا إما أن نجد المنجم كاهنًا في أحد المعابد التي تُعبد فيها الكواكب والنجوم، أو لصًا يجمع الأموال ويتّجر بهذا العلم، أو مقربًا من السلاطين والملوك فينعم بالمنزلة والمكانة. لهذا وغيره راج سوق علم التنجيم وكثر طلابه، بخلاف علم الفلك الصحيح، فهو أصعب وطلبه أعسر.
وقد كان الموقف الشرعي في الجملة إباحة ما ينفع منه وتظهر ثمرته أو السكوت عنه، وتحريم ما لا ينفع، وفيه انحراف عقدي؛ كادعاء علم الغيب ومعرفة آثارها في الأرض على وجه التفصيل أو ما إلى ذلك (2).
والغريب في الأمر أن رواد الثورة العلمية الفلكية كان عندهم عناية بأمور التنجيم إلى جانب عنايتهم بعلم الفلك الصحيح، وكان عند بعضهم اعتقاد شيء
(1) مجموع الفتاوى 35/ 181.
(2)
انظر: علم النجوم هل الشروع فيه محمود أم مذموم؟ الإمام الحافظ الخطيب البغدادي ص 21 - 46، تحقيق طارق العمودي.