الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مثل هذا المجال (1).
ليس المقصود تقييم هذه التجربة بقدر ما هو بيان صورة من صور البحث عن العلوم العصرية ذات الثمرة في دنيا الناس، وأنها كانت من الأفكار المهمة آنذاك ولكنها فشلت في تحقيق هدفها، وهي وإن فشلت في تحقيق حركة علمية تطبيقية نافعة؛ فإنها فتحت الباب لفكرة "المدرسة الفنية"؛ وهي التي كانت غائبة في أكثر بلاد المسلمين فترة الضعف والتخلف، ولقد انتشرت هذه "المدرسة" في كثير من بلاد المسلمين فيما بعد، واحتوت على مواد علمية جديدة يدرسها الطالب ما كانت معهودة من قبل، ولكن هذه "المدرسة" رغم ما قدمته فهي دون المقصود والمرجو منها، كما أن طلابها لم يكونوا مؤهلين للتعامل الإيجابي مع العلوم الجديدة، كما أن اختراق أهل الأهواء قد أثّر فيها (2).
د- المدارس الأجنبية "مدارس الإرساليات
":
كان من بين الأدوات التي استفاد منها "محمَّد علي" مدارس الإرساليات التي انتشرت في زمنه؛ حيث شهدت هذه المرحلة التاريخية عناية الغربيين بالملل الموجودة داخل العالم الإِسلامي ولاسيّما اليهود والنصارى، ولذلك صلة بما يخطط له في الغرب آنذاك للانقضاض على العالم الإِسلامي بإيجاد قوة داخلية تساعدهم عند تنفيذ المهمة، وقد لاقى هذا النشاط قبولًا من قبل "محمَّد علي" وغيره (3)، وغالب ذلك نتيجة ضعف واضحة في ولاة ذلك العصر مع آمال مبنية على وعود غربية من جراء السماح لمثل هذه الأمور.
فتكونت مثلًا الإرساليات الغربية وبدأت تجوب العالم الإِسلامي، ولصعوبة تنصير المسلمين فقد توجه أكثرها لتقوية بني ملتهم ليكونوا هم من يقوم بتلك المهمة، وكان من بين عملهم فتح مدارس حديثة بمناهج مختلفة لم يعهدها هؤلاء
(1) انظر: المعالجة المميزة لهذه المدارس في: دولة محمَّد علي والغرب. الاستحواذ والاستقلال، حسن الضيقة ص 233 - 251.
(2)
سيأتي ذكر نموذج من مدرسي هذه المدارس وأثرهم في الفصل القادم بإذن الله.
(3)
انظر: الأزهر ومشاريع تطويره، مخلص الصيادي ص 35، حول سماح "محمَّد علي" للمدارس التبشيرية في مصر وكذا ابنه "إبراهيم" في الشام، وانظر: الدولة العثمانية. . . .، د. علي الصلابي ص 410.
اليهود أو النصارى من قبل، حيث عملت المدارس بطريقة مقاربة لما في الغرب، وأدخلت مواد جديدة كان من أهمها العلوم الحديثة، ووجدت دعمًا ماليًا وماديًا وعلميًا من قبل قوى غربية مختلفة؛ مما هيأها للنجاح ولاسيّما مع وجود سماح ودعم من قبل الوالي المسلم (1).
لقد مثل هذا التعليم المجاور للمسلمين خطورة على التطور الحديث للعالم الإِسلامي، فالمسلمون يرون هذه المدارس حولهم وفيها علوم جديدة، ويحصل المتخرج منها على وظائف مهمة في الدولة أو المجتمع، ولاسيّما من كان منهم يتعلم لغة أخرى أو يدرس الطب أو الحساب فيجد فرصته. ولكن هذه المدارس الأجنبية قد غرس مؤسسوها فيها مشاكلهم المعهودة في أوروبا "الصراع بين الدين والعلم بخلفيته في الغرب"، فكانت المشكلة تظهر أولًا في طلابها، ثم تخرج من خلالها إلى المجتمع المسلم الذي يعيشون فيه.
أيضًا فقد كانت هذه المدارس نواة مهمة للعلوم العصرية، ولكن أهلها يختلفون عن المجتمع الذي يعيشون فيه من جهة دينهم وقيمهم، فقامت مشكلة شائكة استمرت سنين، فهل يدرس فيها أبناء المسلمين أم لا؟ هناك من ضَعُف أمام الإغراءات وأرسل أبناءه إليها بحجة الحصول على العلوم الجديدة، ولكن تلك المدارس كانت دينية في المقام الأول، فيقع التلميذ المسلم في بحر متلاطم من المصائب؛ فإما أن يمسخ هويته ويندمج في تلك البيئة وينسلخ عن أمته، أو يبقى مشتتًا متمزقًا بين إسلامه وبين دين غيره.
قد يعتذر البعض بأن "محمَّد علي" والخليفة العثماني "محمود الثاني" صاحب التنظيمات وكذا باي تونس ما كان بوسعهم إلا السماح للملّيين بفتح مدارسهم وحصولهم على دعم مباشر من إخوانهم اليهود والنصارى في الغرب، وهو وإن كان عذرًا غير مقبول ولكن لِمَ سُمح لهم بتصدير مشاكلهم إلى المسلمين؟ ولِمَ لم تظهر "المدرسة الإِسلامية" التي يُصاغ فيها التلميذ المسلم وفق
(1) من أوسع ما وجدته من المراجع تغطية لهذا الموضوع مصرِّحًا بكثير من أهداف تلك المدارس كتاب: (التربية في الشرق الأوسط العربي)، د. ماثيوز وَد. متى عقراوي، ترجمة د. أمير بقطر، صدر عن (مجلس التعليم الأمريكي بواشنطن)، انظر حول مصر، الفصل السابع ص 135.