الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النموذج الأول، مجلة المقتطف -النظريات الجديدة:
صدرت المجلة أولًا في بيروت، ويطلعنا أصحابها في مقدمتهم القصيرة حول بعض القضايا ومنها:
- بيان أهمية الجريدة في تسهيل الوصول إلى العلم والصناعة.
- وبيان مصدر الدعم "وقد أصبحنا مديونين لأساتيذ المدرسة الكلية السورية بالمساعدات التي وعدنا بها".
- وبيان هدفها: "ترغب الطلاب في إحراز العلم وإتقان الصناعة. . . . لشدة افتقارنا إليهما كليهما".
- وأوضحت منهج العرض وأنه يقوم على تسهيل تلك المعارف حتى يمكن تحصيلها.
- وبنص غامض ذكرت العلاقة مع الديني والسياسي: "ولما كانت مواضيعنا لا تتداخل في المباحث الدينية ولا السياسية إلا من باب العلم فكل ما يرد إلينا خارجًا عن هذا الباب غير مقبول"(1).
فأما السياسة فنتجاوز الكلام عنها، ولكن لكثير من المباحث العلمية علاقة بأصول دينية، قد لا يكون هناك كبير إشكال في الإطار النصراني؛ لأن المجلة ومصدر دعمها كلية الإرساليات الأمريكية ذات إطار نصراني، ولكن القوم كانوا على ثقافة جيدة بمحيطهم الإسلامي، فللنص وجهان: إما أنه لن يقبل ما يتعارض مع الدين، أو أنه يعرض الرأي العلمي دون قصد النظر إلى الجانب الديني منه حتى وإن وقع الاختلاف بينهما وهو الأقرب من خلال التأمل في موضوعاتها، فإنه باستعراض المجلدات الأولى، ولاسيّما ما كان قبل عملها في ظل الاحتلال، نجدها تعرض مسائل علمية وصناعية بحتة كما يقال، وهي مما لا يثير الإشكال، ويطلبها من أرادها ولو من باب العلم بالشيء، مثل موضوع "عمل الزجاج" وهو أول موضوع في أول عدد (2)، ولكن
(1) انظر: مقدمة العدد الأول لمجلة المقتطف ص 1، السنة الأولى سنة (1876 م).
(2)
انظر: مجلة المقتطف 1/ 3، وألفت الانتباه هنا إلى أن طبعة المجلة قديمة، فقمت بوضع بعض علامات الترقيم ليفهم النص؛ وذلك لاستشهادي بعدد من نصوصها.
هناك موضوعات غيرها كانت مثيرة للجدل، وهي عادة ما تكون موضع الاهتمام والأكثر قراءة ومتابعة.
إلا أن المجلة تُظهر انتباهها لمشكلة العلاقة المتوترة بين الدين والعلوم العصرية، فهم من خلال اطلاعهم على وضعها في الغرب يعرفون تلك المشكلة، ولاسيّما أن من بين أهم المستهدفين طائفتهم النصرانية، وهذه الطائفة متخوفة من بعض أبنائها الذين اتبعوا طوائف أخرى غير مذهبهم، أو تغلغلت فيهم دعوات المذاهب الفكرية العلمانية، وإذا كان أهلها يعيشون هذه الأجواء فإن للمسلمين الحق في كونهم أكثر تحفظًا عندما تأتي المبادرة من مجموعة نصرانية تريد الانتشار عن طريق المعرفة والعلم بين المسلمين بواسطة الصحافة.
من باب الأمثلة على انتباههم لطائفتهم ما نراه عندما تتحدث المجلة عن عقائد علماء أوروبيين، فأبطال المجلة هم علماء أوروبا الجدد في الفلك والفيزياء والكيمياء والأحياء وغيرها، وأصحاب المجلة لا يرون رموز العلم وأهله إلا هؤلاء، ولا يستغرب من مجلة متخصصة في الموضوع، ولكن عندما تعرض مواقف مختلفة من حياة هؤلاء العلماء، فإن القارئ السلبي قد يعدّها كلها صحيحة، ومن ذلك مثلًا مواقف هؤلاء العلماء من الدين، فما الاختيارات الدينية والمذهبية والأيديولوجية لهؤلاء العلماء؟ مع أن هذه الاختيارات قد تكون نموذج القدوة للقارئين والمحبين لمثل هذه العلوم، ولا شك أن الجانب الإيجابي منها سيكون حسن الأثر على القارئ، والخطورة هو من السلبي فيها؛ لأن العالم في العلوم الطبيعية والرياضية والاجتماعية لا يعني أن يكون عالمًا في الأمور الدينية فضلًا عن أن يكون قدوة فيها.
من بين أشهر من عرضوه من علماء أوروبا: "نيوتن"، فعندما يعرضون موقفه الديني، فهم يعرضونه أولًا لطائفتهم ثم للمسلمين، فيقولون عنه:"وكان لاهوتيًا فاضلًا طويل الباع في المعارف الدينية كتب فيها كتبًا وشروحًا وتفاسير، وكتب أيضًا في وجوب الاعتقاد بوجود الله ضد الكفرة"(1)، وقالوا في وصفه:"كان تقيًا ورعًا كثير المطالعة في الكتب المنزلة، حتى اقتصر عليها في آخر أيامه، وجعل أكثر أحاديثه فيها"، وقالوا في معتقده: "والظاهر أنهُ لم يكن يعتقد
(1) مجلة المقتطف 1/ 151.