الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إلى الجزائر في شكل حوالات سنة 1954 (1) ..
الكشافة الإسلامية
قبل الثورة كانت الكشافة الإسلامية نشطة ولها انتشار واسع فيما يبدو، وكانت تمثل توجها وطنيا تعبر عنه في بياناتها وآراء قادتها والأناشيد التي كانت تلقنها لأعضائها، وقد وجدنا اهتماما بها من قبل الصحافة الوطنية مثل البصائر والمنار اللتين كانتا تنقلان أخبار الكشافة بتعاطف واضح، بما في ذلك نشر البيانات وأسماء الأفواج والقادة، وابتداء من سنة 1948 أصبح هناك جناحان للكشافة وهما الكشافة الإسلامية الجزائرية الوفية لمبادى مؤسسها بوراس، والأخرى شبيبة الكشافة الإسلامية الجزائرية التي انطلقت منذ السنة المذكورة والتي يبدو أنها ذات ميول سياسية معاصرة.
تاريخيا، ينسب تأسيس الكشافة الإسلامية إلى محمد بوراس الذي قيل عنه إنه كان يخطط لاتخاذ الكشافة وسيلة لعمل عسكري سياسي ضد الاحتلال الفرنسي، وقد انتهى به الأمر إلى الحكم عليه بالإعدام سنة 1941، ولد بوراس بمليانة في 1908، ولا نعرف الكثير عن تعلمه وأولياته، ولا كيف انتقل إلى العاصمة وسكن ضاحية (بولوغين)، ولكننا نعرف أنه اشتغل ضاربا على الآلة الكاتبة، وأنه كان متزوجا وله أولاد، اتهمه الفرنسيون بالاتصال مع الألمان أثناء الحرب العالمية والمساس بأمن الدولة رغم أن فرنسا ساعة محاكمته وإعدامه كانت تحت حكم فيشي، أي تحت الاحتلال الألماني، ولكن الجزائر عندئذ كانت تعيش وضعا خاصا، وكانت محاكمة بوراس سرية، كما بقي تنفيذ الحكم فيه سرا أيضا مدة طويلة، وقد حوكم معه آخرون، منهم محمد بوشارب من مليانة أيضا ومحمد محمودي (المدية) وأحمد فكراش (بني راتن)، وكانت المحكمة عسكرية برئاسة العقيد (دوماسيل) وبحضور المكلف بالشرطة
(1) الأرشيف الوطني، علبة 31، تقرير مرقون من ثلاث صفحات بعنوان دراسة عن مستوى الحياة في الجزائر سنة 1954.
(أشياري) المشهور في وقته بالوحشية في التعامل مع الجزائريين، سيما أثناء أحداث 8 مايو 1945 (1) ..
في أكتوبر 1950 أصدرت (جامعة الكشافة الإسلامية الجزائرية) بلاغا تقول إنها عقدت اجتماعا في مدرسة الثبات بالحراش وإنها درست عدة مسائل منها ربط العلاقات بجمعيات الكشافة في الخارج وتعميم الإرشاد الديني، كما ناقشت الميزانية ووسائل النشر والتأمين ضد الحوادث، وأخيرا قررت إرسال وفود للدعاية في داخل القطر.
ومن جهة أخرى أقامت جمعية العلماء وحزب البيان حفلة للكشافة المذكورة في نفس المدرسة، وهي المدرسة التي كان يشرف عليها الشاعر الشهيد الربيع بوشامة، وفي هذه الحفلة أنشدت الأناشيد وألقيت كلمات من قبل الشيخ الربيع بوشامة والتومي بوعلام رئيس جمعية المدرسة وبعض أعضاء حزب البيان وغيرهم من الرياضيين، كما ألقى بوشامة قصيدة بالمناسبة، ومن الملاحظ أن القائد العام لجامعة الكشافة عندئذ هو الطاهر التجيني (2).
وأصدر القائد العام (للكشافة الإسلامية الجزائرية) السيد محفوظ قداش بلاغا يذكر فيه بالاجتماع الذي حصل بتاريخ 28 أكتوبر سنة 1950 بالعاصمة والذي عين المسؤولين في اللجنة المسيرة للكشافة وهم: محمود بوزوزو رئيسا وعمر الآغة نائبا له، ومحفوظ قداش كاتبا عاما، وحمدان بن عبد الوهاب أمينا للمال، وصالح الونشي قائدا للجوالة، وقد حددوا نشاطهم ليكون خلال عيد الميلاد وعيد الفصح والصيف، ومما يلفت النظر بشكل خاص أن البلاغ نص على أن الكشافة تعمل على (تكوين شباب مسلم شهم ذي وعي تام).
وبمناسبة عطلة الربيع (الفصح) التقى حوالي 400 شاب في مختلف
(1) هذه المعلومات أدلى بها الشيخ بوعمران ومحمد جيجلي، ونشرت في جريدة الشروق اليومي 31 أكتوبر، 2005.
(2)
البصائر، 134، أول نوفمبر، 1950.
مخيمات القطر (العاصمة وقسنطينة، ومغنية)، وفي مغنية التابعة لولاية وهران خصص يوم 25 مارس 1951 للمساعدة على بناء مدرسة حرة، وفي الليل كان الفتيان يقضون أوقاتهم في السمر بالأناشيد وتمثيل الروايات، أما في قسنطينة فقد انتهى المخيم بحفلة مسرحية ساعد على إحيائها الفوج الكشفي المحلي، وكان الهدف من هذا النشاط هو تكوين شباب واع مخلص لدينه ووطنه، حسب تعبير الجريدة (1).
ومن جهة أخرى شاركت وفود من الكشافة الإسلامية الجزائرية في مخيمات عالمية شملت عددا من العواصم الأوروبية مثل برلين وإسبانيا ولوكسمبورغ وإيطاليا وفرنسا، وقد أخبرت المنار أن المشرف على مخيم لوكسمبورغ كشاف جزائري مسلم هو القاهد حمدان بن عبد الوهاب، وسبق لوفود الكشافة أن زارت في وقت سابق مدنا في أوروبا الشرقية وهي براغ وبودابست، ولاحظت المنار أن وفود الكشافة تشرف (الجزائر العربية المسلمة)(2).
وكان للكشافة الإسلامية نشرات شهرية بالفرنسية هي: الشبل وهي نشرة خاصة بالأطفال، وصوت الكشاف التي تصدر باللغتين، والجوال، وهي نشرة خاصة بالشبان، وأخيرا النشرة الإخبارية الخاصة بالقادة، كما قررت الحركة الكشفية إصدار نشرة للعموم مرة أو مرتين في السنة لكي تطلعهم عما تم إنجازه من أعمال (3).
وفي السنة الموالية نجد الكشافة نشطة بمناسبة عطلة الربيع أيضا، وشمل نشاطها إقامة مخيمات في تلمسان والأوراس وغيرهما، وأخبرت المنار أن هناك مفاوضات بين الكشافة واتحاد الشبيبة الديموقراطية الجزائرية (؟) وهو اتحاد ربما يرجع إلى بعض الأحزاب والمنظمات اليسارية، والهدف من المفاوضات
(1) المنار، 3، 4 مايو 1951.
(2)
المنار 6، 30 يوليو، 1951.
(3)
المنار 7، 15 أغسطس، 1951.
هو تكوين جبهة وطنية للشبيبة الجزائرية، وقد ذكرت جمعية الكشافة أنها تعتزم إصدار جريدة باسم صوت الشباب وهي جريدة تربوية إخبارية تهتم بمشاكل الشباب الجزائري، هذا وقد صدر العدد الأول من صوت الشباب فعلا دون أن نعرف بأية لغة، وهي جريدة أصدرها قسم الجوالة في الكشافة الإسلامية (1).
وفي نفس الشهر أقامت الكشافة حفلا في سيدي بلعباس في مدرسة التربة والتعليم? التي تديرها جمعية العلماء، وقد خطب فيهم الشيخ محمد القباطي والحبيب بناسي، وصادف ذلك حلول ذكرى وفاة الشيخ ابن باديس فأحيوا هذه المناسبة، وفي خطبتيهما حث الشيخان الشباب على التعلق بالوطن وقالا إن الجزائر بخير ما دام هذا الشباب يؤمن بها، ونوها بالعروبة والإسلام وبمجد الجزائر (2).
وقامت (جمعية الكشافة الإسلامية الجزائرية الحرة) أيضا بأعمال البر والإحسان، فقد وجدنا أحد أفواجها وهو فوج القطب يطعم حوالي 300 فقير، كما قام فوجا الاجتهاد والفلاح بإطعام حوالي 200 فقير آخرين، ونلاحظ هنا كلمة (الحرة) في هذه الجمعية، فهل كان هناك جمعيتان للكشافة؟ يبدو ذلك (3).
ويبدو أن جمعية الكشافة كانت تتعرض للقمع والاضطهاد من قبل سلطة الاحتلال، ففي ربيع 1954 هاجمت الشرطة مقر الكشافة الإسلامية الجزائرية وفتشت أوراقها وأخذت آلتين راقنتين وناسخة دون ترك وصل لحارس المحل، وبعد هذا الحادث اجتمعت الهيئة وأصدرت احتجاجا باعتبارها (منظمة قانونية وتربوية تمثل آلاف الكشفيين وآباءهم وأولياءهم،) وطالبت بإرجاع ما أخذته الشرطة من المقر (4).
(1) المنار 1، 11 أبريل، 1952.
(2)
المنار 3، 9 مايو، 1952.
(3)
المنار 50، 11 ديسمبر، 1953.
(4)
البصائر 271، وقع الحادث في 30 أبريل، 1954.
ومع بداية الثورة وتغير العلاقات مع السلطة الاستعمارية وجدنا الكشافة الإسلامية تتخذ موقفا يمكن وصفه بالمتشدد، فقد نددت بالدعوة التي خرج بها اجتماع شيوخ المدن (رؤساء البلديات) الفرنسيين ورؤساء الغرف الفلاحية والمنظمات (الرجعية)
…
ودعوا فيه إلى القمع ضد الجزائريين، لذلك خرجت الكشافة بعد اجتماع عقدته في سطيف خلال شهر يوليو للتنديد بموقف السلطة التي لم تضع حدا لهذه الحملة، واعتبرت الكشافة موقف الشيوخ وزملائهم قد أملاه الحقد العنصري الذي يوسع شقة الخلاف بين عناصر (الأمة الواحدة)(كذا)، وفي الأخير دعا بيان الكشافة جميع العناصر النظيفة في الشعب، وخصوصا الشباب، إلى رفض جميع المناورات الرجعية
…
والواقع أن هذا بيان سياسي إلى حد كبير، فقد استنكر التفرقة بين عناصر الأمة الواحدة، والمقصود بذلك هم المسلمون والأوروبيون معا، ودعا البيان إلى عزل العناصر الرجعية، وهذه كلها تعبيرات غامضة ستتحول إلى (هم / نحن) بعد أن فقدت هذه الدعوة معناها لأنها لم تجد آذانا صاغية من الطرف الآخر.
ومن الملفت للنظر أن نجد الكشافة تدعو إلى التمسك بمبادى الإسلام ونبذ الإلحاد وإلى التحذير من الانحراف الديني ونشر الأفكار الهدامة بين عناصر أمة تدين بالإسلام السمح، وهي في الواقع تقف ضد القوانين الوضعية أصلا.
فقد صدر بلاغ عن هيئة الكشافة هاجم الإلحاد وانتقد ترك البنات يخرجن بدون مرافق، وحذر الأمة من (الهدامين الذين يملون على وأد معنويات هذه الأمة) ودعاها إلى موقف حازم لصد تيار الإلحاد ونشر الأفكار السيئة بين عناصر أمة تدين بالإسلام وتمجد الأخلاق وتقتدي بالرسول صلى الله عليه وسلم، ذلك أن إرسال الفتيان والفتيات إلى الخارج بدون مرافق يحرسهم ويحافظ على أخلاقهم وعاداتهم القومية يعد جريمة في نظر الكشافة الإسلامية الجزائرية، وبشر البيان الأمة بأن (عهدا جديدا للإسلام فوق تراب هذا الوطن سيسود التعاليم الوضعية الأرضية
…
لا محالة،) وهذا بالطبع تعريض واضح بالقوانين الفرنسية بل ربما