الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الإبراهيمي الذي عرف بالنثر لا بالشعر وبالأسلوب المتميز في أدب المقالة، كما أشرنا، وقد تناول أسلوبه الفني عدد من النقاد، منهم عبد المالك مرتاض، كما تناولناه في كتابنا التاريخ الثقافي وغيره، ولا نريد أن نزيد على ذلك هنا إلا بشأن ما قرأناه له أثناء الثورة، كالنداءات والخطب والرسائل والمداخلات والمحاضرات
…
وكلها تقريبا أنواع حديثة من أنواع النثر، وهي متوفرة في كتابه (1).
ويبدو لنا أن أسلوب الشيخ قد تغير نوعا ما في المرحلة الأخيرة من عمره، فقد تقدمت به السن وتغيرت عليه الظروف فلم يعد يكتب في الجو الهادى الذي كان يكتب فيه وهو في الجزائر، لأن الثورة فرضت نوعا من الآنية والاستجابة السريعة للضغوط، وهو لم يعد يخاطب جمهور الجزائر المحدود ثقافة وسياسة لأن جمهوره الآن هو جمهور الشرق على اتساعه بنخبه وطلابه وطوائفه ومسؤوليه، أما الموضوع فهو باستمرار الجزائر الثائرة حتى ولو عالج موضوعا دينيا مثل غزوة من الغزوات أو الهجرة النبوية أو صيام رمضان.
أحمد رضا حوحو
ومن كتاب المقالة والقصة أحمد رضا حوحو، ونحن لا نترجم له هنا ولكننا نذكر الموضوعات التي عالج فيها المقالة الأدبية - الاجتماعية، وقد أصبحت مصادر الحديث عن حوحو متوفرة إلى حد كبير اليوم، فقد ظهرت سيرته في كتاب البعث (الشهيد أحمد رضا حوحو)(2).
وقد تناولته في مقالتي (في ظلال النقد) وفي محاضرتي (حوحو ونضال الكلمة)، وكتب عنه صالح خرفي (حوحو في الحجاز)، وأحمد دوغان (شخصيات ..) ولكن الباحث الذي تخصص فيه ودرسه دراسة علمية وأدبية
(1) آثار الإمام البشير الإبراهيمي، ج 5، دار الغرب الإسلامي، بيروت، 1997.
(2)
سلسلة كتاب البعث، رقم 4، بقلم أبو القاسم كرو.
وفهم أغوار حياته وألف فيه كتبا وبحوثا هو أحمد منور الذي نقب عن آثاره حتى كشف عنها واكتشف منها الكثير، وآخرها (مسرح الفرجة والنضال في الجزائر، دراسة في أعمال أحمد رضا حوحو)، وهي الدراسة التي قامت على رسالته الجامعية حوله، وقد علمنا أخيرا أن هناك باحثا في معهد التاريخ أنجز عن حوحو رسالة ماجستير لم تناقش بعد، وتوجد صورة لحوحو في البصائر، وفي كتابه نماذج بشرية (كتاب البعث، 3، 1955) وغيرهما، وقد رسم له الفنان السعدي حكار رسما ظل يظهر به في بعض الصحف والآثار.
لحوحو مقالات عديدة منها سلسلة (في الميزان) التي نشرها في البصائر و (خواطر حائر) التي رأيت منها الحلقة الثالثة في البصائر أيضا، ومقالاته في الرد على منتقديه، وكان وهو في الحجاز قد ترجم لمجلة (المنهل) السعودية أعمالا فرنسية عديدة أشار أحمد منور إلى بعضها فكانت أحد عشر عملا بين مقالة وقصة ومسرحية ودراسة، ويعتبر حوحو من رواد القصة القصيرة والمسرحية ومن هواة الموسيقى أيضا.
وقبل استشهاده برصاص العدو في 29 مارس 1956 نشر في البصائر (3 فبراير 1956) مقالة هي عبارة عن مشروع ثقافي كان ينوي القيام به بواسطة نشر سلسلة من الكتب يحمل كل كتاب منها ترجمة ونماذج لمجموعة من الكتاب والأدباء، وقد قال إن في الجزائر ثقافة وأدبا، وشيوخا وشبانا، لهم مواهب وأفكار وإنتاج، ولكنهم مغمورون وإنتاجهم مغمور، لا يعرفها الشعب ولا ينتفع بها، ثم إن وسائل النشر تكاد تكون معدومة في بلادهم، وأمام هذا الوضع كان حوحو مستعدا أن يغامر بفتح المشروع، وقد طلب من الأدباء والكتاب أن يراسلوه بترجماتهم وصورهم وإنتاجهم ونصائحهم، آملا أن يؤدي ذلك إلى التفكير في وسائل الطبع والنشر أيضا، واضعا أمامهم عنوانه الشخصي للمراسلة (1).
(1) لحوحو حوالي عشر مسرحيات منها عنبسة - بائعه الورد - البخيل
…
انظر ذلك في كتاب أحمد منور، مسرح الفرجة والنضال في الجزائر: دراسة في أعمال أحمد رضا =
إن البيئة الطبيعية والبشرية التي ولد وتريى فيها حوحو (سيدي عقبة / بسكرة) والبيئة التي هاجر إليها (الحجاز) متشابهة وذات أصول بشرية وجغرافية واحدة تقريبا، وكانت السنوات التي قضاها في سكيكدة مختلفة إلى حد كبير وكأنها كانت تهيئه لمهمة قادمة، فقد مكنته من معرفة أجواء الحياة الأوربية ومعرفة اللغة الفرنسية، ومن ثمة جمع بين بيئتين ولغتين وهو الأمر الذي مكنه من التحرر الفكري مع المحافظة على أصالته ومكنه من المقارنة بين هويتين، فساهم في السعودية بالترجمة من الآداب الفرنسية، وساهم في الجزائر في الرقي باللغة العربية بإدخال الأساليب الشرقية في التعبير، وبتناول موضوعات بأساليب لم تكن شائعة من قبل.
وكان اهتمامه المرتكز على الأدب والثقافة قد ميزه عن زملائه في الحركة الإصلاحية حين رجع من الحجاز، فهم كانوا مهتمين بالفقه والثقافة الإسلامية لأنهم يواجهون جمهورا محافظا، بينما كان حوحو لا يهمه ذلك كثيرا ما دام منسجما مع أفكاره ومتجاوبا مع قادة الإصلاح على المدى الإستراتيجي، بالإضافة إلى أنه كان يختلف عنهم في تحرره الفكري، فهو قد درس الفرنسية وآدابها، وعرف البيئة الشرقية المحافظة والمتحررة، كما تجول في أوربا وخالط أفكارها قبل رجوعه إلى الجزائر في وقت كانت فيه الحرب الباردة على أشدها بين المعسكرين، وكان ذلك في وقت يصنف فيه الأفراد والجماعات والدول على أساس إيديولوجي.
حتى عناوين مؤلفاته كانت تدل على اتجاه جديد لم يألفه الأدب العربي الجزائري، فلعل حوحو هو أول أديب نشر كتابا عنوانه ورمزه المرأة مثل (غادة أم الغرى)، و (صاحبة الوحي) على غرار عناوين قصص جورجي زيدان: فتاة القيروان، وعروس فرغانة.
وكان حوحو يعلن عن هوايته بدون حرج، فقد هوى الموسيقى وأسس
= حوحو، دار هومة، الجزائر، ص 65.