الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حيث تظهر على أعمالهم الروح الشرقية، فهذا بشير بن يلس عرف كيف يتخلص من الطابع الفرنسي الباريسي ويخرج - كما قال أحد النقاد - من الألوان الرمادية إلى الألوان الزاهية التي تعبر عن صفاء الجزائر وضوئها، ورغم أنه تأثر ب
محمد راسم
صاحب الأسلوب الشرقي في المنمنمات، فإنه قد تخرج أيضا من مدرسة الفنون الجميلة بباريس، وزار مدريد، وأطال المكث في أوروبا مما جعله يتأثر بجوها في فنه، ولقد قدم إلى المعرض ثمرة جهد كبير مشفوع بمشاعر تلقائية متدفقة، وتعبر لوحاته عن ألوانه المختارة والمنسجمة مع بعضها، ومن لوحاته مناظر من الأبيار، ورسم الأستاذ جورج مارسيه، ولوحة لفتاة جميلة (1).
محمد راسم
تركنا في كتاب التاريخ الثقافي رسالة الرسم في يد الفنان محمد راسم وأخيه عمر راسم، ومعهما كوكبة من الفنانين الذين بلغوا درجة عالية من إبداعاتهم، ومنهم حسن بن عبورة، وبشير بن يلس، وأزواو معمري وآخرون، ونريد أن نواصل الحديث عن محمد راسم ثم نعود إلى تلاميذه ورفاقه في دروب الفن الأصيل ونجمع بين حياة الفنان ونشاطه في المعارض التي لم تكن بالضرورة معارض لصالح الثورة مباشرة لأن الفنان كان يهدف منها بالأساس إلى المنافسة وإظهار تقدمه في فنه.
كانت مجلة (هنا الجزائر) تتحف قراءها من وقت لآخر بلوحة من لوحات محمد راسم تضعها على غلافها الذي يمثل القسم العربي وأحيانا القسم الفرنسي أيضا، ومن المعروف أن محمد راسم من مواليد 24 يونيو 1896 بالجزائر العاصمة وقد صدر سنة 1936 كاتلوغ بلوحات الفنانين والنحاتين الجزائريين، فكان حظ محمد راسم فيه أربع لوحات عظيمة اقتنتها مصلحة الفنون الجميلة، منها صفحة من القرآن الكريم، والخليفة مع جنوده، وأسطول بربروس، والصيد (2).
(1) هنا الجزائر 35، مايو 1955، سورة ابن يلس أيضا موجودة في هذه المجلة.
(2)
جان أليزار: كاتلوغ الرسم والنحت، باريس، 1936.
وفي سنة 1956، نشرت هنا الجزائر لوحة تمثل صورة للطبيب أبو علي (كذا) بن سينا كما تخيله محمد راسم، كما نشرت له لوحة أخرى هي (تصديرة العروسة) على غلاف العدد 50، وتظهر في التصديرة العروس والعريس، تحيط بهما مجموعة من النسوة وهن في حالة طرب وفرح، مع تقديم الشاي، كما تظهر العروس والعريس باللباس التقليدي في دار عربية أندلسية أصيلة (موريسكية) فيها زخارف وثريا جميلة تتدلى (1).
وفي عدد لاحق من هنا الجزائر ظهرت لوحة أخرى تمثل منظرا لمدينة الجزائر والقصبة والبحر كما تظهر النساء وهن في سهرة وفي جو اجتماعي تقليدي حميم (2).
وفي عدد آخر نشرت نفس المجلة لوحة لمحمد راسم على غلافها اسمها (شارع سيدي عبد الله) المزدحم في القصبة: فهناك الباعة والمتسوقون، أطفالا ورجالا ونساء باللباس التقليدي، والدكاكين المفتوحة على ما فيها، وتظهر حولها أبواب المنازل، وصومعة أحد المساجد، وزخارف وآثار عربية - إسلامية (موريسكية) وأباريق الماء، وفي سنة 1960 نشرت هنا الجزائر أيضا لوحة بعنوان (قصر رفيع في رياض بديع) تمثل نساء عند حوض ماء في حديقة قصر كبير رائع الأشجار والمدرجات والزهور (3).
وهناك لوحة لمحمد راسم تمثل شراعا حربيا يرجع إلى العهد العثماني. وفي أعلى اللوحة عن اليمين عبارة: الفوز ثمرة الشجاعة، وعن الشمال كتبت الآية الكريمة:{وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم} ، وفي أسفل اللوحة عن اليمين الآية الكريمة:{إن تنصروا الله ينصركم} ، وعن الشمال كتبت عبارة الجنة في ظلال السيوف، ويقف الشراع أمام مدينة الجزائر البيضاء، إلى جانب مجموعة
(1) هنا الجزائر 50، نوفمبر 1954.
(2)
هنا الجزائر، 74، مارس 1959.
(3)
هنا الجزائر 77، يونيو 1959، وكذلك غلاف هنا الجزائر 86، أبريل 1960.
من السفن الحربية، فالمنظر يمثل أسطول الجزائر في العهد العثماني، ومن الخلف تطل صومعة أحد المساجد العتيقة، أما التوقيع فهو: محمد راسم، الجزائر.
كنا قد لخصنا حياة محمد راسم من مقال هام لمؤرخ الفن الإسلامي جورج مارسيه، ونريد هنا أن نستفيد من مقال لكاتب فرنسي آخر له دراية واسعة بالموضوع وهو لويس أوجين أنجلي L.E.Angel وعنوانه (قادة الرسم الجزائري: فن المنمنمات ومحمد راسم)، والمقال أوردته (هنا الجزائر) في القسم الفرنسي ولخصته في القسم العربي، وبناء عليه فإن محمد راسم هو الذي بعث فن المنمنمات بعد أن نسيه أهله، وكان أسلافه يتعاطون فن الزخرفة فهو وارثه عنهم، وكذلك فن الخط، فقد كان والده، (علي بن سعيد) وعمه (محمد بن سعيد) يملكان دكانا في العاصمة يقصده أعيان المدينة وأدباؤها، تلك هي بداية محمد راسم، ولكنه لم يتوقف عندها بل اتجه أيضا نحو الفنون الأوروبية، عندما كان عمره أربع عشرة سنة كان محمد يستعد لدخول المدرسة الثانوية ولكن السيد ريكار مفتش الفنون الأهلية رأى دفتره في معرض بروكسل فأعجب به وعرض عليه أن يكون مساعده في التصوير الموجه إلى المدارس الأهلية. فكان عمل محمد راسم هو نقل الزخارف إلى مراكز الطرز ونسج الزرابي.
اطلع راسم على الفن الفارسي (المنمنمات) من كتاب هنري دالماني، فأخذ يقلده، ثم برع فيه وتأثر بالخصوص بالألوان الذهبية، وتعرف عليه إيتيان دينيه في مكتب ريكار، وكان دينيه يبحث عمن يرسم له رسومات يحلي بها كتابه (حياة محمد) فوجد ضالته في محمد راسم، كما كان الناشر (بيازا) في باربس قد نشر عدة كتب عن الإسلام والمسلمين، منها الإسلام تحت الرماد، وبابا عروج، وبستان سعدي، وعمر الخيام، وسعى إلى أن يجلب إليه محمد راسم، فاتفق معه على العمل، ومن ثم غادر محمد راسم الجزائر إلى باريس، وفيها تعاقد مع (بيازا) لكي يزخرف له كتاب ألف ليلة وليلة، وقد استغرق ذلك ثماني سنوات مضنية، ولكنها جعلته يسافر إلى بلدان أخرى ليطلع على ما فيها من تراث إيراني وإسلامي وشرقي.
زار محمد راسم الأندلس أيضا على نفقة الولاية العامة بالجزائر، وامتلأت مشاعره بمشاهدات الآثار الإسلامية والتحف والزخارف في مدن قرطبة وغرناطة وإشبيلية وغيرها، وأخذت شهرته تزداد بين المختصين، وعرض إنتاجه في المعارض الدولية في مدن القاهرة وباريس وروما وفيينا وأستكهولم
…
وتردد على السويد بالخصوص عدة مرات، فرحبت بفنه وتزوج منها، وقد اهتم النقاد بلوحاته ونوهوا بها، وأعجبوا بدقة صنعته وجمال تعبيره وسلامة ذوقه، وعندما رجع إلى الجزائر سنة 1933 عرض لوحاته، واقتنيت أربعة منها، ونال الجائزة الفنية الكبرى، وعين أستاذا في معهد الفنون الجميلة حيث بقي إلى سنة 1955 يلقن الشباب أصول الفن الإسلامي الأصيل.
ورغم أنه تأثر بالفن الإيراني فإن موضعاته كانت مستوحاة من التاريخ الجزائري كما لاحظنا في اللوحات التي ذكرنا بعضها، ففي لوحاته تظهر الروابي المحيطة بخليج الجزائر، والمنازل الأندلسية (الموريسكية) والبساتين والملابس والوجوه والتقاليد، ولمحمد راسم الفضل في بعث فن المنمنمات، حسب السيد (أنجلي) بعد أن اختفى قرونا في طي النسيان، واشتهر اسم راسم في العالم وحظي بتقدير عظيم حتى أنه انتخب عضوا شرفيا في الجمعية الملكية الإنجليزية للتصوير سنة 1950، ومن تأثيره أن بعض الفنانين في المشرق رجعوا إلى فن المنمنمات بعد أن أهملوه زمنا، رغم أنه فن أجدادهم، وأصبح فن راسم يدرس لذاته مما يدل على تأثيره في النهضة الفنية المعاصرة، لقد رفع رأس الجزائر عاليا في الشرق والغرب.
وقد اشتمل مقال (أنجلي) على لوحتين كنا أشرنا إليهما وهما:
1 -
شارع (سوق) في مدينة الجزائر مليء بالحركة واختلاط الرجال والنساء والأطفال، وهم في حديث وانسجام، وفي حالة بيع وشراء، وتطل مباني القصبة على المكان في انسجام مع زخرفة السوق، وتظهر اللوحة في المقال بدون ألوان.