الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مما يدل على عدم التنسيق بين هيئات التحرير في الأماكن الثلاثة ربما لصعوبة الاتصال، وكانت جريدة المقاومة تدخل إلى الجزائر بطريقة التهرب والتسريب، وكانت تصلنا في القاهرة في طبعة تونس على الأغلب وهي الطبعة العربية، وربما كانت طبعة باريس الفرنسية موجهة للجالية بالدرجة الأولى ثم للرأي العام الأوروبي (1).
ولكن مؤتمر الصومام وضع برنامجا جديدا للإعلام نتج عنه تغيير اسم (المقاومة) إلى (المجاهد)، كما جعل جبهة التحرير هي التي تشرف على الإعلام تحت قيادة (لجنة التنسيق والتنفيذ) شعورا منه بأهمية الإعلام وضرورة توحيد مصدره وأسلوبه وتحديد جمهوره، كما قرر المؤتمر إلغاء طبعات جريدة المقاومة المستمد اسمها فيما يظهر من المقاومة الفرنسية أيام الحكم الألماني، بينما اسم (المجاهد) له معنى إسلامي ويعتبر من تراث المقاومة الوطنية الجزائرية عبر فترة الاحتلال الفرنسي، كما أن اسم المجاهد له نداء خاص لدى الجماهير التي طلب منها الانضمام للثورة (2).
رأي زهير إيحدادن
يقول زهير إيحدادن الذي درس إعلام الثورة بتوسع إن هذه ظلت بدون إعلام خاص إلى يونيو 1956، فهي لم تول اهتماما خاصا للإعلام في بداية أمرها وليس لها وسيلة رسمية تعبر من خلالها عن برنامجها وترد بها على خصومها أو على الدعاية المضادة، أما في منذ يونيو فقد صدرت (المجاهد)، وهي جريدة إخبارية سياسية دعائية، ولم تذكر في عددها الأول تاريخ صدورها رغم حديثها عن أحداث وقعت قبل يونيو 1956، بينما جاء في العدد الثالث من
(1) لاحظ أن التسمية - المقاومة - الجزائرية ربما كانت مستوحاة من - المقاومة - الفرنسية أثناء حكم فيشي في فرنسا ومقاومة حركة فرنسا الحرة له وللاحتلال النازي.
(2)
للمزيد عن ظروف التغيير من المقاومة إلى المجاهد انظر فقرات القضاء زمن الثورة في فصل آخر.
(المقاومة الجزائرية) التي كانت تصدر في تطوان المغربية أن المجاهد قد صدر منها العدد الأول، وعلى هذا يكون العدد الأول من المجاهد قد صدر في يونيو أو يوليو من نفس السنة، وهي المدة التي بدأ فيها التحضير لمؤتمر الصومام، ولكن مصادر أخرى تقول إن (المجاهد) لم تظهر إلا بعد مؤتمر الصومام، وهو المؤتمر الذي قرر إنشاءها وتوقيف (المقاومة الجزائرية).
ومهما كان الأمر فقد مرت المجاهد بثلاث مراحل، في المرحلة الأولى صدر منها ستة أعداد بالعاصمة حيث كانت تطبع على الرونيو في شكل كراسة أو منشور بإشراف لجنة التنسيق والتنفيذ، وكانت تفتقر إلى مقر ثابت وهو مما صعب الحصول على مادتها وتوزيعها.
وفي المرحلة الثانية طبعت المجاهد في تطوان المغربية بإشراف لجنة التنسيق والتنفيذ أيضا، أي بعد خروج اللجنة من العاصمة نتيجة إضراب فبراير 1957، ويرى البعض أنه في صيف هذه السنة فقط اتخذ القرار بوقف المقاومة الجزائرية والاكتفاء بالمجاهد التي أصبحت هي اللسان المركزي لجبهة التحرير الوطني، كانت المجاهد تطبع حوالي 5000 نسخة في مطبعة إسبانية في شكل جريدة هذه المرة وعلى ورق شفاف، كما كانت تطبع كمية أخرى لتوزيعها في الخارج، وبهذه الطريقة ظهر منها ثلاثة أعداد هي الثامن والتاسع والعاشر، أما السابع فيبدو أنه طبع أثناء إضراب فبراير المشار إليه ولكنه لم يوزع بطريقة عادية، ثم قررت لجنة التنسيق والتنفيذ الانتقال بالمجاهد من تطوان إلى تونس حيث يتوفر الإعلام الأجنبي ووسائل الطباعة الحديثة، كما أن اللجنة نفسها قد اتخذت من تونس مقرا دائما لها، وبذلك تبدأ المرحلة الثالثة من جريدة المجاهد، وهي الأطول والأكثر استقرارا، وهي تبدأ من نوفمبر 1957 إلى الاستقلال 1962 (1).
(1) يروي محمد الميلي أنه هو وبعض زملائه جاؤوا إلى العاصمة لإصدار المجاهد في شهر أفريل 1962، أنظر سابقا.
وخلال هذه المرحلة صدرت المجاهد في طبعتين تونسية ومغربية (تطوان ثم الرباط)، وكانت طبعة تونس هي الأصلية، أما المغربية فقد كانت مصورة على التونسية، وفي تونس أصبح للمجاهد مكانة صحفية وإعلامية مرموقة في الأوساط السياسية سواء منها الداخلية أو الخارجية، ومن حيث المبدأ كانت تصدر نصف شهرية غير أنها لم تكن منتظمة، وكانت تصدر في طبعتين فرنسية وعربية، وإذا كان الخط العام واحدا في الطبعتين فإن المحتوى لم يكن دائما طبق الأصل لاختلاف الجمهور في الحالتين، وكان المسؤول على الطبعتين هو رضا مالك، بينما كان محمد الميلي ومنور مروش مسؤولين على النسخة العربية، وفرانز فانون مسؤولا على النسخة الفرنسية (1).
أشرنا إلى أن الإعلام أثناء الثورة بدأ في أغلبه كرد فعل على الإعلام المضاد الفرنسي الذي قاده المعمرون في عاصمة الجزائر وفي غيرها، فقد نشطت الصحف الاستعمارية والإذاعة الفرنسية ضد الثورة باتهامها بالشيوعية أحيانا والفاشية أحيانا أخرى، ووصف رجالها بقطاع طرق همهم السلب والنهب والعدوان، وقد تورطت بعض الصحف الأهلية وحتى بعض الزوايا فدعت إلى المؤاخاة والحوار لحقن الدماء، وأمام ذلك كان على جبهة التحرير أن تتحرك ضد هذه الهجمة التي تهدف إلى النيل من الثورة نفسها.
فباسم الدعوة إلى التفاهم أصدر عمار أوزقان في 18 يوليو 1955 جريدة باسم (الجزائر أولا) دعا فيها إلى الحوار وحقن الدماء، غير أنه لم يظهر من هذه الجريدة سوى عددين، ومما يذكر هنا أن عمار أوزقان المولود في العاصمة سنة 1910 كان كاتبا عاما للفرع الجزائري للحزب الشيوعي الفرنسي سنة 1934، كما كان عضوا في اللجنة المركزية لهذا الحزب سنة 1936)، وكان قد تحصل على الشهادة الأهلية ثم بدأ يحفظ القرآن الكريم، ومنذ كان عمره 13 بدأ يعمل
(1) زهير إيحدادن (الإعلام الجزائري أثناء الثورة التحريرية)، في مجلة حوليات جامعة الجزائر، عدد 5، 1990 - 1991، ص 87 - 88.
كبائع لجريدة (صدى الجزائر) ثم (بريد الجزائر) اللتين تصدران عن الدوائر الاستعمارية في الجزائر.
انخرط أوزقان في الحياة النقابية منذ 1926، وفي 1930 دخل تنظيم الشباب الشيوعي، وفي 1934 رقي إلى كاتب عام لفرع الجزائر للحزب الشيوعي الفرسي عوضا عن ابن علي بوقرط الذي اغتيل في سبتمبر من نفس العام، ثم أصبح رئيسا لتحرير جريدة (الصراع الاجتماعي)، ونائبا في المؤتمر السابع للكومنتيرن صيف 1935، كان أوزقان معارضا للنجم ثم لحزب الشعب، وقد انفصل عن الحزب الشيوعي الفرنسي ثم رجع إليه، وأصبح نائبا شيوعيا عن العاصمة سنة 1945، وقد اصطدم مع قيادة الحزب الشيوعي الجزائري فطرد منه سنة 1948 لأفكاره الوطنية، وفي سنة 1955 انخرط في جبهة التحرير الوطني وساهم في كتابة محضر برنامج الصومام قبل أن يعتقل بالعاصمة بداية 1958 (1).
كما أعاد محمد السعيد الزاهري إصدار جريدته (المغرب العربي) المشار إليها، في 17 مارس 1956 وظهر منها سبعة أعداد ودعا فيها إلى الوحدة بين الوطنيين مما فهم منه مساندة الحركة المصالية، ويذهب إيحدادن إلى أن الجبهة طلبت من الرجلين (أوزقان والزاهري) التوقف عن أسلوب الدعوة للحوار مع السلطة الفرنسية وترك ذلك إلى الجبهة نفسها لأن ذلك الأسلوب لم يعد يفيد وقد فات وقته فامتثل أوزقان وخالف الزاهري فكان جزاءه القتل، وقد صدر آخر عدد من جريدته في 19 مايو 1956 (2).
وهكذا توقفت الجرائد المخالفة لجبهة التحرير أو الداعية للحوار، فتوقفت (الجمهورية الجزائرية) حوالي يناير سنة 1956 و (البصائر) في أبريل، وأوقفت السلطة الاستعمارية صحيفة (الحرية) الشيوعية، كما توقفت جريدة
(1) بنجامين ستورا: قاموس
…
ط، بارس، 1985، 349 - 350.
(2)
إيحدادن، مرجع سابق، ص 83 - 84.
(النجاح) من تلقاء نفسها في نفس السنة، وبذلك لم تبق إلا الصحف الاستعمارية.
كان الإعلام الاستعماري قويا بإمكاناته وأجهزته، وقد اتخذ أسلوبين من الجبهة: الأول عدم الاكتراث بها على أساس أنها ضعيفة وما تقوم به سيرجع عليها سلبا وسيجعلها تفقد قواعدها، والثاني اتهام الجبهة بإراقة الدماء وارتكاب الفظائع، وكانت مقاومة الجبهة للأسلوب الاستعماري قد تمثلت في منع انتشار هذا النوع من الإعلام بين الجزائريين، فعاقبت من يقرأ الصحف الفرنسية كما حرضت على عدم سماع الإذاعة الفرنسية، ثم تبين للجبهة أن المواطنين يستطيعون التمييز بين الحق والباطل، بين ما هو وطني وما هو استعماري، وتأكدت أنه لا بد من إعلام مضاد، ولكن الوسائل كانت ضعيفة بحيث لا تكاد تتعدى الاتصال الشخصي وتوزيع المناشير، كما أن الصحافة الاستعمارية قد تكون مفيدة للثورة لأنها تتحدث عن الثوار وأنشطتهم وعددهم وأسلحتهم وتصريحاتهم، ولذلك شجعت الجبهة صحافة الفرنسيين الأحرار، كالصحف الكاثوليكية أو ما يعرف بصحف الأستاذ (مندوز).
ومع أهمية هذه الإستراتيجية الإعلامية فإنها لم تكن كافية، لأن الصحافة الاستعمارية كانت قوية، ولذلك قررت الجبهة إنشاء إعلام خاص بها له كل مواصفات الإعلام الحديث، وذلك بدخول سوق المنافسة لكسب الرأي العام في الداخل والخارج، فكان أول الغيث هو إنشاء جريدة المقاومة الجزائرية، ثم المجاهد والإذاعة، ثم وكالة الأنباء، وهي الوسائل التي درسناها في مكانها من الكتاب.
كما أنشأت الجبهة وسائل إعلامية أخرى لا تقل أهمية، منها المسرح والسينما والفرقة الفنية وشجعت نشر القصة والشعر والرياضة، وحضور المؤتمرات والندوات والمهرجانات الثقافية والشبابية، بالإضافة إلى إعطائها أهمية للمحافظ السياسي في الولايات الذي كان يلعب دورا إعلاميا فعالا (1).
(1) إيحدادن، مرجع سابق، ص 85.