الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الإبراهيمي عندئذ في السجن بفرنسا، فقد كتب إلى رئيس الاتحاد عندئذ وهو مسعود آية شعلال مستغربا كيف لم يتعرض المؤتمر إلى انتساب الجزائر للعروبة والإسلام بينما صرح بذلك كريم بلقاسم أصالة عن الحكومة المؤقتة، وأضاف أنه ليس من حق الاتحاد السكوت على مثل هذه القضية لأن الثقافة هي مجال الاتحاد (ولا مفر من أن يكون لعروبتنا محتوى ثقافي في جوهره)(1).
هذه النصوص كلها تؤكد على انتماء الجزائر الحضاري العربي الإسلامي والإيمان بالوحدة العربية والمصير المشترك، وبأن الجزائر جزء من الأمة العربية الإسلامية، إنها نصوص صيغت في معظمها أيام الكفاح عندما لم يكن هناك مجال للمراوغة والتفلسف البيزنطي، ومع ذلك جاء من يتساءل اليوم عن هوية الجزائر ويثير الشك حول مسألة المواطنة.
للثورة إيديولوجيتها الخاصة
؟
كان السيد ابن يوسف بن خدة مصرا على أن للثورة إيديولوجيتها وقد عبر عن ذلك في كتابه شهادات ومواقف، وابن خدة ليس بالرجل العادي فهو الذي ترأس الحكومة المؤقتة سنة 1961 وسار بها المشوار الباقي على الاستقلال والذي تمت في عهده مفاوضات إيفيان وصادق في عهده المجلس الوطني للثورة على برنامج طرابلس، ثم إنه قبل هذا وذاك سياسي مثقف ومناضل من الجيل الثاني في حزب الشعب.
فمن رأيه أن للثورة الجزائرية استراتيجيتها وأسلوبها الخاص في مجابهة التحديات .. وقد استطاعت أن تكيف مع الزمن وسائل كفاحها حسب مفهومها الخاص النابغ من إرادتها والمنسجم مع حجم إمكانياتها، والمنبثق من إيديولوجيتها التي أعلنتها منذ الفاتح من نوفمبر 1954، ألا وهي الكفاح بجميع الوسائل لتحقيق الهدف المنشود وهو الاستقلال وتكوين دولة جزائرية
(1) أحمد طالب، رسائل من السجن، تعريب مصطفى مازيغ، تونس، 1965، عن هذا الكتاب انظر لاحقا.
ديموقراطية اجتماعية ذات سيادة في إطار المبادى الإسلامية، (ولقد ظلت جبهة التحرير وفية - في نظره - لهذا المبدأ طوال سنوات الحرب (1).
لقد وضع ابن خدة خطا واضحا بين عقيدة الجماهير وعقيدة النخبة بالنسبة لهذه الإيديولوجية الثورية، فالجماهير كان حافزها الجهاد دون أن يكون في استطاعتها التعبير عما يحتويه من مفاهيم اقتصادية واجتماعية وسياسية وثقافية
…
أما النخبة، وهو يسميهم قادة المعركة، فقد كانوا في الخارج وكانوا متأثرين بالثقافة الأوروبية ومنها الإيمان بالاشتراكية وفضائلها، ولكن عن حسن نية
…
وربما هذا تبسيط ساذج للموضوع خصوصا عندما يدخل حسن النية، فالاشتراكية قناعة وعقيدة وليست تأثرا يمكن التخلص منه أو حلية تلبس ثم تنزع، وابن خدة نفسه يقول إن قادة المعركة بالخارج لم يحللوا الاشتراكية ولم يتعمقوا في معانيها ويقارنوا بينها وبين الإسلام الذي هو أساس هوية الجزائر الثقافية وضميرها الوطني
…
وهنا انعكس التخلف الثقافي الذي كانت فيه البلاد إبان الاستعمار، مما أحدث فجوة وتناقضا بين القمة والقاعدة داخل الثورة، وقد ربط ابن خدة بين الفجوة خلال الثورة وغداة الاستقلال، فبينما استطاعت الجبهة أن تتفادى الخلافات الفكرية الداخلية أثناء الثورة فإنها لم تستطع أن تمنع تفجرها غداة الاستقلال، عندما تحول الأمر إلى صراع على الحكم، وهو الصراع الذي وصفه ابن خدة نفسه بالانقلاب الذي حطم وحدة جبهة التحرير وفتح الباب أمام الانتهازيين والمغامرين وأصحاب المذاهب الأجنبية اليسارية والماركسية وتسرب أصحابها إلى هياكل الدولة والحزب ومراكز القرار والنفوذ، ومن هنا بدأ انحراف الثورة في نظره عن إيديولوجيتها، والملاحظ أن أمثال ابن خدة قليل في الكتاب والمفكرين الجزائريين الذين تمسكوا بأن للثورة فكرها وفلسفتها النابعة من التراث العربي الإسلامي، ولا
(1) ابن خدة، شهادات ومواقف، دار النعمان، الجزائر، 2004/ 1425، ص 133.