الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أشارت إلى توفيني Thuveny الذي اغتيل في الرباط (1).
إن عمليات الاغتيال ضد المثقفين الجزائريين بلغت مرحلة مكثفة ومعقدة كلما اقترب الاستقلال، ومن أواخر ضحاياها الأديب مولود فرعون، فقد اغتيل مع رفاق له بعد وقف إطلاق النار أثناء اجتماع تربوي في إحدى المدارس، وكانت الدعاوى الفرنسية كثيرة وغير مقنعة، ويظهر أنه كانت هناك انفعالات وسوء تنسيق بين السلطة الرسمية وأجهزتها العاملة في الميدان سواء في الجزائر أو في فرنسا نفسها أو خارجهما.
أدباء اللغة الفرنسية
مقدمات
عندما كنت في القاهرة أيام الثورة سألت الحاج يعلى (محمد يعلى) عن أدباء الجزائر بالفرنسية، وهو نفسه أديب وسياسي، وكان ذلك في منتصف الخمسينات، فقد كنت أسمع عن بعضهم من خلال الدوريات العربية التي أخذت تترجم وتنشر أخبارهم لعلاقة أدبهم بالثورة الجزائرية، ولأن النقاد الفرنسيين كانوا يتحدثون عنهم في شيء من الاعتزاز أحيانا باعتبار أدبهم ما هو إلا نتاج (مدرسة الجزائر) الأدبية الفرنسية، وأحيانا كانت تتحدث عنهم في شيء من الدهشة والاستغراب باعتبار أدبهم أدبا هجينا مركبا من زيجة عربية - فرنسية، وكانت الصحف والدوريات العربية ولوعة بالأدب الأجنبي ولو كان من أتفه الإنتاج إذا كان منتجوه من العرب أنفسهم كحالة الأدب الجزائري الذي اكتشفته تلك الدوريات من خلال اللغة الأجنبية، فكانت (عقدة الخواجة) وراء العناية بأدب محمد ديب وكاتب ياسين ومولود معمري ومولود فرعون ومالك حداد، فانهالوا عليه ترجمة وتعريفا وتنويها بأصحابه الذين كانوا يدافعون عن قضية بلادهم بالقلم لا بالسلاح وبالكلمة لا بالبندقية وبالحوار لا بالعراك.
(1) المجاهد، 43 (بالفرنسية)، 8 يونيو، 1959.
وبصوت المستضعفين لا صوت الثوار الأقوياء، وصوت التسامح والحيرة لا صوت الصمود والثقة في النفس.
سألت حينئذ الحاج يعلى عن جيله من الأدباء فأعطاني قائمة، منها من ذكرتهم سابقا ومضافا إليها: آية جعفر، نور الدين التدافي، الشريف بن حبيلس (أول من كتب القصة في نظره)، وعبد القادر حاج حمو، والشريف الساحلي (الذي تخصص في التاريخ وكتب كتابا بعنوان رسالة يوغرطة وكتابا آخر بعنوان فارس العقيدة عن الأمير عبد القادر)، وسفير البودالي (الذي نظم الشعر وكتب المقالات عن الموسيقى العربية)، وسعد الدين بن شنب (الذي اهتم بالدراسات الأدبية والنقدية ونال شهادة الدكتوراه عن الشعر العربي المعاصر)، وقريبع النبهاني (الذي تخصص في فلسفة الجمال)، وعبد الله نقلي (الذي ألف مسرحية عن الكاهنة)، ومالك واري (الأديب والصحفي)، كما نبهني الحاج يعلى أن هناك أدباء فرنسيين من الجزائر وهم ألبير كامو، وإيمانويل روبلس، وجان سيناك.
ولا أدري لماذا لم يذكر لي الحاج يعلى عندئذ مصطفى الأشرف، ربما لأنه ليس شاعرا ولا قصاصا، ولكنه لم يذكر لي بشير حاج علي وهو شاعر وأديب وعضو في الحزب الشيوعي الجزائري، ولا محمد حربي المعروف باتجاهه الماركسي، ولا الصادق لهجرس الكاتب والطبيب والعضو أيضا في الحزب الشيوعي الجزائري، ولا عبد الحميد بن زين الأديب الصحفي الاشتراكي أيضا (وهؤلاء جميعا كانوا من أسرة تحرير جريدة - الجزائر الجمهورية - المعروفة باتجاهها اليساري والمشتلة التي نمت فيها معظم الأسماء السابقة، كما لم يذكر لي الحاج يعلى آسيا جبار التي كان نجمها آخذا في الصعود (1).
(1) حديث مع الحاج يعلى في جلسات عديدة في القاهرة سنة 1956 أو 1957.
أما سعد الدين بن شنب فكان من كتاب الدراسات الأدبية والنقدية، كما سبق، وقد نشر عدة مقالات في مجلة (هنا الجزائر) ومجلة (الأديب) البيروتية، و (المجلة الإفريقية)، وبعض الموسوعات، وكان يساهم في الكتابة باللغتين العربية والفرنسية، ومن كتاباته في هذا المجال التي لم يسبق لنا الحديث عنها (كتاب التعبير الفرنسي) في مجلة الجزائر والصحراء Algérie - Sahara المجلد 2، باريس، وكذلك الموسوعة الاستعمارية والبحرية (موسوعة الإمبراطورية الفرنسية) سنة 1948، ص 252 - 253، (أما الصفحات من 248 - 253 فمخصصة للأدب باللغة العربية)، وفي فبراير سنة 1957 أصدرت مجلة الجزائر (Algérie) عددا خاصا تضمن أخبارا عن الأدباء والكتاب الآتية أسماؤهم: محمد حربي، مصطفى الأشرف وكاتب ياسين وآخرين من كتاب اللغة الفرنسية، بالإضافة إلى عدد من كتاب اللغة العربية، كما أسهم ابن شنب أيضا في كتاب بعنوان (المدخل إلى معرفة الجزائر) تعاون عليه عدد من الكتاب الفرنسيين، واختص هو بكتابة فصل عن أدباء الجزائر باللغة العربية الفصحى (1).
أنتج كتاب الجزائر بالفرنسية في ميدان الشعر والنشر، لا سيما في القصة والرواية، وفيهم من كتب في النقد الأدبي والدراسة والمقالة الصحفية والفنية، وغلب على بعضهم الشعر كما غلبت على آخرين القصة، ونتناول أولا بعض القضايا التي اتفقوا فيها والخصائص المشتركة بينهم حين اكتشف مثقفو الوطن العربي أن في الجزائر عربا يكتبون أدبهم باللغة الفرنسية فاهتموا بهم وما كادوا يصدقون، وكانت أحداث الثورة تلفت النظر إلى كل ما هو جزائري، وكان الإعلام الفرنسي يسلط الأضواء على مبدعي الأدب الفرنسي في الجزائر معتبرا بعضهم دليلا على نجاح مهمة فرنسا الحضارية التي كانت عنوان احتلالها للجزائر.
وزاد من التركيز على هذا الاهتمام غير المسبوق غياب أي تعريف بالأدب
(1) أنظر جان ديجو، بيبلوغرافيا الجزائر، 1977، ص 15.