الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هيئة تحرير القسم العربي في الجريدة، وكان معه علي علية المكلف بالإخراج، أما الآخرون فلم يلتحقوا خوفا - بناء عليه - من إرهاب منظمة الجيش السري (O. A. S). (1).
اضطهاد المثقفين
مع ثورة التحرير ازداد اضطهاد المثقفين الجزائريين ضراوة وقوة، وشمل الاضطهاد كل أنواع التعذيب والقمع بل وصل الأمر إلى الاغتيال بطرق شنيعة، وقد حدث ذلك للمناضلين السياسيين والقادة أيضا، وقد شاعت قصص اغتيال الدكتور بن زرجب، والمحامي ولد عودية، والمحامي علي بومنجل، وقاسم زيدون، والأمين العمودي، وأحمد رضا حوحو، والسعيد الزاهري، والعربي التبسي، والربيع بوشامة، وعبد الكريم العقون، ومولود فرعون
…
إن مطاردة المثقفين والقادة كان سياسة منظمة قامت بها عدة أطراف بعد اندلاع الثورة، وقد شملت المطاردة النساء والرجال، فقد ألقي القبض على فتيات في عمر الزهور أمثال زهرة ظريف، ووريدة مداد، وفضيلة سعدان، وقتلت حسيبة بنت بوعلي، وحكم بالإعدام على جميلة بوحيرد وجميلة بوباشا، والسيدة أحريز
…
عند انطلاقة الثورة عبرت جريدة البصائر الأسبوعية عن الحدث بأسلوبها الخاص فقالت في افتتاحيتها بتاريخ 5 نوفمبر (حوادث الليلة الليلاء
…
فوجئت البلاد الجزائرية بعدد عظيم من الحوادث المزعجة، وقعت كلها ما بين الساعة الواحدة والساعة الخامسة من صبيحة الاثنين غرة نوفمبر، وهو عيد ذكرى الأموات، ولقد بلغ عدد تلك الحوادث ما يزيد عن الثلاثين ما بين الحدود التونسية وشرقي عمالة (مقاطعة) وهران، ثم ذكرت أبرز الأحداث وأماكنها
(1) جريدة الشروق اليومي، السبت 22 أكتوبر، 2005، 19 رمضان 1426، ولا شك أن هذه الإضافة تفسر لماذا توقفت الجريدة عن نشر ترجمة كتاب فرانز فانون (معذبو الأرض).
على المنحة الأولى وأكملتها في الصفحات الداخلية (1)
وفي هذا النص عدد من العبارات الرمزية للتضخيم والتهويل ولكنها لم تصل إلى تسمية ما حدث (ثورة)، أو حتى (تمرد)، بل تفادت البصائر العبارات المباشرة ولجأت إلى عبارات التلميح مثل (الليلة الليلاء) بدل الخطب الجلل أو الحدث العظيم، و (العدد العظيم من الحوادث المزعجة) بدل العدد الكبير والحوادث المثيرة، وتحتمل كلمة (المزعجة) عدة معان، من بينها الخطرة، ثم ذكرت زمان ومكان الحوادث، فالخبر في نظرنا غير محايد رغم أن البعض قد فهمه كذلك، والجريدة لم تكتب الافتتاحية إلا ربما في اليوم الثالث للثورة.
وقد اعتادت البصائر أن تنقل لقرائها أخبار الثورة في أسبوع سواء عن المعارك التي جرت أو عن الأشخاص الذين اعتقلوا أو التصريحات السياسية من الجزائريين والفرنسيين حول الثورة، وقد استمرت لهجتها في تصاعد وحدة إلى أن أعلنت صراحة أنها تدعم الثورة بنشرها بيان المجلس الإداري لجمعية العلماء، ومن بين الحوادث التي كتبت عنها بلهجة حادة: اعتقال الشاعر محمد العيد آل خليفة واعتقال رابح بيطاط أحد قادة الثورة، ومساعده ياسف سعدي، واغتيال الطبيب ابن زرجب، وغيرهم (2).
المعروف أن الفرنسيين كانوا قد خصصوا سجونا معينة لكل فئة اجتماعية، وفي كتاب (أحداث ومواقف) لمحمد صالح بن عتيق و (ذكريات المعتقلين)
(1) البصائر، 292، وربيع الأول، 1374، و 5 نوفمبر 1954.
(2)
عن بيطاط أوردت في عدد أول أبريل، 1955 نبأ اعتقاله ومثوله أمام المحكمة والتهمة الموجهة إليه، وهي كونه مسؤول منطقة ويحمل السلاح، وله واسطة تربطه بكريم بلقاسم، كما أوردت خبر القبض على ياسف سعدي الذي كان البحث جاريا عنه منذ 1950، وقد أطالت النقل عن سعدي من الصحف الفرنسية وجاءت بأخبار عنه لا تكاد تصدق، ومن جهة أخرى أشارت البصائر إلى مثول مولاي مرباح أمام المحكمة لأنه وجه رسالة إلى وزير الداخلية ميتران ونشرها في جريدة صوت الشعب والجزائر الحرة، وقد حوكم معه غيابيا أحمد مزغنة وعيسى عبدلي، للتفصيل انظر البصائر 3 يوليو 1955.
لمحمد الطاهر عزوي وغيرهما أخبار مفيدة في هذا الصدد، يقول ابن عتيق إن الفرنسيين نقلوهم من سجن البرواقية إلى سجن بودي ثم ثنية الحد، ثم توجهوا بهم عبر السرسو إلى سوقر، وواصلوا السير إلى آفلو حيث جمع معتقلها نخبة من جمعية العلماء وحزب الشعب وحزب البيان، وكانت إدارة السجن العسكرية تعامل الجميع بالشدة، فكانت تطلق سراح البعض ثم يقتلونهم في الطريق غدرا، كما جاءوا بجماعة من طلبة إحدى زوايا آفلو، ثم نقلوهم منها إلى معتقل آركول إحدى ضواحي وهران، ثم ذكر سجن بوسوي الذي كان يضم حوالي ألف شخص، وقد انضم إليهم معتقلو الشحمي وسان لو، وحين رفضوا تحية العلم الفرنسي عاقبوهم بشدة، وبعد بقاء ابن عتيق ثمانية وعشرين شهرا في معتقل بوسوي غادره متأسفا على فراق بعض زملائه مثل الشيخ عبد القادر الياجوري الذي ودعه (أي الياجوري) بأبيات:
غيض بحر العروض يا ابن عتيق
…
ودموعي تسيل سيل العقيق
ليت شعري يفيض مثل دموعي
…
فيعيننا على وداع الصديق
ولو أن الدموع تغرق ناري
…
فأكون الغريق وسط الحريق
ضاع شعري، وضاع عمري وأنتم
…
يا زميلي أدرى بكل رفيق
وسلام عليكم ما أقمتم
…
أو ذهبتم سلام داع شفيق (1)
لقد قصدنا ذكر المعتقلات والسجون التي أوردها ابن عتيق في الناحية الغربية، (كما أن عزوي ذكر عددا منها في الناحية الشرقية)، لندرك أن الجزائر خلال الثورة كانت تضم أعدادا كبيرة من السجون، وأن هذه السجون كانت غاصة بالمعتقلين مما جعل السلطات تلجأ إلى إقامة المحتشدات، وكانت السجون مصنفة حسب الفئات التي تقاد إليها، وكانت بعض الأفكار والمناقشات تجري فيها، بالإضافة إلى التعلم لمختلف المعارف والعلوم، ومنها اللغة العربية والدين الإسلامي، فكل من كان يعرف مهنة أو يتقن علما أو لغة كان يتبادله مع
(1) انظر ابن عتيق، أحداث ومواقف ص 136.
زملائه، فكان هناك نظام تعاوني تعليمي حميم، تزيده المحنة المشتركة والآمال الواحدة تلاحما ورضا، كما أننا ذكرنا هذا العدد من السجون لنشير إلي أن عامة الناس كانوا يؤخذون إلى المحتشدات الجماعية وليس إلى هذه السجون المنظمة والمصنفة، وأخيرا نذكر أن الحياة في السجن هي إحدى خطوات العقاب والتعذيب النفسي والبدني.
أما أنوع التعذيب الحقيقي فقد روتها الكتب والشهادات وعاشها الرجال والنساء من أجل استنطاق سجين أو متهم بالانتماء للثورة أو بتقديم المساعدة لها أو أسير أثناء معركة
…
وقد صدرت أيضا كتب وشهادات تستنكر ما ارتكبته الفرق المتخصصة في الجيش والمخابرات والقوات الخاصة من فظائع في حق المعتقلين، وقد فصل البعض ألوان العذاب الذي صب عليهم أثناء الاستنطاق، وهذه الأنواع هي:
التعذيب بالكهرباء - تشريب الماء - دفن الأحياء - الإجلاس على القناني - تحريش الكلاب الضارية - نزع الأظافر وقلع الأسنان - إطلاق النار وإشهار السلاح - التعليق منكسا - الجلد والركل والضرب بمؤخرات البنادق - الموت البطيء - الإعدام (1).
ومن الكتب التي صدرت في هذا المجال كتاب عنوانه (ضد التعذيب) لهنري سيمون الذي ترجم إلى العربية، وكتاب جول روا (حرب الجزائر) وقد ترجم أيضا إلى العربية وصدر سنة 1961، وكتاب هنري أليغ (الاستجواب) الذي وصف فيه التعذيب كما عاناه شخصيا من جنود المظلات سنة 1958، إضافة إلى قصة موريس أودان الشهيرة، وقد أسهم جان بول سارتر في الموضوع بعارنا في الجزائر، والجلادون (وكلاهما سنة 1958) وسارجان شرايبر (ليطنان في الجزائر) الصادر سنة 1957، وكل هذه الكتب وجدت طريقها إلى
(1) أبو القاسم كرو، كتاب البعث: صوت الجزائر، ط، 2، مارس، 1958، تونس ص 89 - 98.
العربية حين صدورها بالفرنسية.
فيما يخص هنري أليغ صاحب كتاب الاستجواب المذكور نشير إلى أنه كان عضوا في الحزب الشيوعي الجزائري ومديرا لجريدة (الجزائر الجمهورية) بين 1950 - 1955، وهي الجريدة التي منعت من الصدور في سبتمبر من هذه السنة، وفي سنة نوفمبر 1956 دخل أليغ في السرية هروبا من الاعتقال لكن قبض عليه في 12 يونيو 1957 واحتجز في الأبيار مدة شهر، وخلال هذه المدة تعرض لما وصفه في كتابه الاستجواب، وأنهى الكتاب في اللحظة التي كان سينقل فيها إلى معتقل (لودي)، ومن هناك سرب أليغ إلى فرنسا نص الشكوى التي سجلها في آخر يوليو بين يدي المدعي العام بالجزائر وهي الشكوى التي استنكر فيها التعذيب الذي كان هو من ضحاياه، وقد أحدثت الشكوى هزة عنيفة في الأوساط الفرنسية والعالمية، ومنذ ذلك التاريخ راحت الإشاعات تتحدث عن اختفاء أو خطف أو موت هنري أليغ، ثم ظهر في شهر أغسطس وقدم أمام القاضي، فحكم عليه بالسجن المدني بالجزائر.
وقد فتحت محاكمته المجال أمام الآخرين ليقدموا أيضا شكاواهم للمحكمة، ويقول إنه فعل ما فعل دفاعا عن فرسا لأن اللجوء إلى التعذيب يضر بسمعتها، وقد ذكر من الأشخاص الذين (اختفوا) الشيخ العربي التبسي، والدكتور الشريف الزهار وموريس أودان الذي اعتقل وعذب مثله (1).
في مذكرات محمد الصالح بن عتيق حديث عن (الشيوخ) الذين التقوا في سجن واحد أحيانا وهم: عبد القادر الياجوري، وعلي بن سعد، والسعيد صالحي، ومحمد الشبوكي، وأحمد سحنون، والبجيلالي الفارسي، وحمزة بوكوشة، ومصباح الحويذق، وجميعهم أعضاء بارزون في جمعية العلماء.
(1) ظهرت الطبعة الأولى من الاستجواب عند مينوي في باريس مع مقدمة لجون بول سارتر، 1958، أما الطبعة الثانية فظهرت عند رحمة في الجزائر 1992، أنظر المقدمة وص 15.
وفيهم الأديب والشاعر والخطب والواعظ
…
كان ذلك سنوات 1956 - 1959، وقد ذكر الشيخ ابن عتيق أن هناك شخصيات أخرى سياسية وعلمية مثل: د. رابح كربوس، د. أحمد عروة، د. ابن خليل، د. بوعياد، ود. جناس، ود. ابن عربية، ود. ماطي (أو معطي؟)، ود. بلوزادا، والسيد محمود زرطال، والمحامي ابن تومي، والسيد بن ملحة، وأحمد خطاب، وعلاوة السعيد، ومحمد بن تفنة، وعبد القادر عابد، وعلي يحياوي، وسعيد ماموش والعربي رولة، إلى جانب هؤلاء كان هناك مجموعة من طلبة الزوايا قال إنهم كانوا تحت التعذيب يصرخون وهم يعذبون بالماء والكهرباء وقطع الأظافر، فكان صراخهم (تصطك منه الأبدان)، وقد فكروا في الهروب عبر قناة، وكانوا على اتصال بالمجاهدين.
وأمام هذه المحن كان الشيوخ وغيرهم يعقدون مجالس يروحون بها عن أنفسهم وعن المعتقلين عموما، وذلك بالقصص والنوادر لكي يخففوا بها من تصرفات الحراس الأجلاف ومزعجات الإدارة (1).
وكلما تقدم قطار الثورة اشتدت السلطات الفرنسية في القمع واستعمال وسائل التعذيب للحصول على الأخبار، وسرعان ما بدأت تتكشف الفظائع التي كان يستعملها رجال متخصصون في التعذيب الذي طبق على الطلبة والقادة والشيوخ والشباب المثقف والمواطنين العاديين، بل حتى على النساء والأطفال، وقد صودرت عدة كتب تنعى على (زبانية) الإدارة استعمالهم الوسائل المحرمة، ولكن الضمير العالمي ومنظمات حقوق الإنسان عندئذ كانت في غيبوبة
…
وكأن ما كان يمارس في الجزائر لا يجري على الأرض بل في كوكب آخر، وكانت الأخبار التي لا تكاد تصدق تتسرب من بعض أفراد الجيش الفرنسي الهاربين أو المسرحين، ومنهم أفراد فروا من فرقة اللفيف الأجنبي، وكذلك من بعض الجزائريين الناجين، ومن الذين استيقظت ضمائرهم من رجال
(1) ابن عتيق، ص 158.