الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الرحلات
ليس لدينا خلال الثورة رحلة مكتوبة على الطريقة التقليدية التي يتحدث فيها صاحبها عن مشاهداته وملاقاته وما وقع له خلالها كما كان يفعل العلماء المغاربة قديما، فالرحلة بالأسلوب القديم لم يكتبها أي جزائري خلال المراحلة الثورية رغم تنقل الكثير من الأفراد من أجل العمل للثورة نفسها، في إفريقيا والبلاد العربية وآسيا والأمريكيتين وأوربا، لقد حج جزائريون واعتمروا وحضروا مؤتمرات وندوات ودعوا لقضية بلادهم هنا وهناك، ولكننا لم نجد من اغتنم الفرصة وكتب رحلته، ولذلك فإن حديثنا عن (الرحلات) هنا فيه تمحل وتعسف، فنحن نشير فقط إلى تقاييد وإلى مدونات لا تدخل في باب الرحلة إلا تجاوزا، ومن ذلك:
رحلة الشيخ الغسيري
المقصود بها سفرة الشيخ محمد الغسيري إلى المشرق العربي عشية الثورة وهي الرحلة التي عنونها بـ (عدت من الشرق) ونشرها في جريدة البصائر على حلقات بلغت حوالي عشرين حلقة (1).
وأساس هذه الرحلة أن دعوة وجهت إلى الكشافة الإسلامية الجزائرية من الكشافة المصرية فتألف وفد برئاسة الشيخ محمد الغسيري فيه أعضاء من جمعية العلماء ومن حزب البيان وربما غيرهم أيضا، ومنهم فرحات عباس وأحمد فرنسيس، ثم توجهوا إلى مصر، فحضروا الاحتفالات واشتركوا في مختلف الأنشطة والتقوا بعدد من الشخصيات الإسلامية والعربية، ومنهم الشيخان البشير الإبراهيمي والفضيل الورتيلاني، عندما وصل وفد الكشافة إلى القاهرة جاء الإبراهيمي من بيروت لتحيتهم وأقام لهم حفل شاي دعا إليه شخصيات عديدة مذكورة في الرحلة، وخطب فيهم كعادته، وكذلك فعل الورتلاني، كما خطب
(1) خاتمتها هي الحلفة 20، البصائر 276، 25 يونيو 1954.
فيهم بعض زعماء الإخوان المسلمين، منهم عبد المعز عبد الستار، وانتهى الحفل بنشيد (شعب الجزائر مسلم) الذي نظمه ابن باديس، وهو النشيد الرسمي لجمعية العلماء، وبعد أن وصف الغسيري أحداث الرحلة ومراحلها بالتفصيل انتهت المهمة ورجع الوفد إلى الجزائر، أما الغسيري فقد اغتنم الفرصة وذهب لأداء فريضة الحج مع الشيخ الإبراهيمي فزاد في وصف رحلته إلى السعودية وأداء مناسك الحج ولقاء شخصيات إسلامية أخرى، وتحدث عن توقفهم في بيروت ونشاطهم السياسي والدعوى والفكري ثم عودته إلى مصر، فالجزائر (1).
فيما يخص مرحلة القاهرة فمكة فبيروت ذكر الغسيري أن الإبراهيمي قد تلقى دعوة من الأمير مسعود الذي أصبح هو نفسه الملك سعود، توجه الغسيري من القاهرة إلى جدة، فكان رفيق الإبراهيمي وتلميذه وكاتبه الخاص، خرجا من مكتب جمعية العلماء بالقاهرة محرمين وودعهم في المطار شباب البعثة الطلابية الجزائرية ومدرسوهم، ثم وصف مناسك الحج والاحتفالات المرافقة في مكة ورجوعه إلى القاهرة، ومما يلاحظ أن الغسيري الذي كان يحس بالاضطهاد والقمع الاستعماري في بلاده اغتنم فرصة وجوده في المدينة المنورة وشكا للرسول صلى الله عليه وسلم حاله وحال الإسلام مع النصرانية وضعف المسلمين إزاء الأوربيين في بلاده، شكا له من ضياع الأوقاف وادعاء فرنسا أنها دولة إسلامية ومن انعدام التعليم الديني
…
حتى بعد قانون 1947 أو ما سمي بدستور الجزائر، وهي مناجاة سياسية مقصودة.
لقد انتهت الرحلة بزيارة الرئيس المصري الجديد اللواء محمد نجيب الذي أحسن استقبالهم وأخذوا معه الصور، وأهداهم صورته، بينما هم أهدوه شعار الكشافة الإسلامية الجزائرية، وأخيرا توجهوا إلى دار الإذاعة المصرية وسجلوا كلمات وأناشيد أذيعت في حينها، تحدث الغسيري عن درس الثلاثاء
(1) نشرت الرحلة في أعداد مختلفة من البصائر، منها 240، 241، 242، 252، 256، 257 إلخ.
الذي ألقاه الإبراهيمي في نادي الإخوان المسلمين، وعن نشاط مكتب جمعية العلماء بمصر وزواره الذين لا يكاد ينقطع سيلهم، ولاسيما حجاج المغرب العربي، وأعيان الشرق أمثال الحاج أمين الحسيني ومحيي الدين القليبي، وللوفد صور مع الإبراهيمي والحسيني والورتلاني وبعض شيوخ الأزهر، وأخيرا حيا الغسيري من استقبلهم وقدم لهم النصائح وهم في الطريق من قسنطينة إلى المشرق، كما حيا مصر ورجالها ومواقفها في الدفاع عن العروبة والإسلام، ولم تتحدث الرحلة - في الأجزاء التي اطلعنا عليها - عن شخصيات من أمثال الأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي ولا عن زعماء مكتب المغرب العربي من أمثال محمد خيضر وأحمد بن بلة والحسين آيت أحمد، فهل كان لعلاقة هؤلاء الباردة بالشيخ الإبراهيمي دخل في السكوت عنهم أو أن نشاطهم كان ما يزال محدودا؟ (1)
في رحلة الغسيري لقطات هامة جديرة برحالة دقيق النظر يتمتع بحاسة لاقطة للناس والأشياء، ولا نستطيع أن نلم بها جميعا هنا ولكننا نذكر هذه المقارنات الموحية، ففي إحدى الحلقات قارن الغسيري بين أهل جبل لبنان وأهل جبل الأطلس: فلاحظ أن الطفل يجد المدرسة في الأول ولا يجدها في الثاني بينما الطبيعة جميلة في الجبلين، واشتكى من أن المسافر المسلم بعد قيام دولة إسرائيل لم يعد يستطيع حتى التحليق فوق فلسطين، بينما اكتفى العرب برفع قضيتها إلى الأمم المتحدة.
وجد الوفد العائد من الحج مع الشيخ الإبراهيمي في استقباله في مطار القاهرة عبد الله الجابر الصباح وزير المعارف الكويتي والجالية الجزائرية وعلى رأسها الورتلاني وطلبة البعثة وأحمد طالب نجل الإبراهيمي وجماعة من علماء الأزهر، وبعد استراحة في مكتب جمعية العلماء توجهوا إلى منزل عبد العزيز العلي، أحد أعيان الكويت، ضيوفا على مائدته، وظلوا أسبوعا في مصر وهم
(1) البصار، في حلقات، 1953 - 1954.