الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الطلبة، وقد فرضت الثورة الوحدة الوطنية على الجميع وقبول فن الآخر على أنه وإن اختلف نغما ولفظا فهو فن وطني، كما فرضت على الجميع التحدث وطنيا لا جهويا حتى في الفن والموسيقى، ومع ذلك حدث نقاش حاد بين طالبين حول ما إذا كان ما يسمى الموسيقي الأندلسية مفهومة جزائريا أم لا وما إذا كان فعلا فنا وطنيا، وكذلك جرى النقاش حول ما يسمى بالموسيقى الشعبية ودندنة العنقاء التي يرددها في أغنيته (لحمام اللي ربيت مشى عليا) وقد انتهى النقاش بين الطالبين على أن هذا النوع من الفن قد انتهى عهده وأن على المغنين أن يفصحوا بألسنتهم عما في قلوبهم وعقولهم لأن ما ينطقون به غير مفهوم إلا لهم ولحوارييهم.
الأخوان فخارجي
من أقدم الموسيقيين عشية الثورة الأخوان فخارجي، كانت شهرة محمد فخارجي قد غطت على عدد من زملائه، وقد وصل إلى رئاسة جوق المحطة للموسيقى الأندلسية براديو الجزائر، وكان يعتبر من النابغين فيها، وهو يظهر بطربوشه العثماني وصورته المهيبة من القادة البارزين في هذا الفن، إلى أن توفاه الله سنة 1956، فترك فراغا في مجاله لم يملأه إلا أخوه عبد الرزاق فخارجي الذي تولى بعده رئاسة الجوق، وهو أيضا فنان موهوب، ولد حوالي 1912 واهتم بالموسيقى الأندلسية التي يبدو أنها كانت متوارثة في العائلة، ولعل العائلة نفسها كانت من أصول أندلسية، ورغم أن سفينجة وجيله قد انتهوا فإن عبد الرزاق ظل يستمع إلى أشرطة سفينجة على الخصوص، ثم بدأ يعزف بنفسه رفقة أخيه الآخر حميدو الذي كان يكبره، كما عزف على آلة (الماندولين) أوائل العشرينات، ثم تخلى عبد الرزاق عن الموسيقى فترة بعد وفاة أخيه حميدو (1925) ولكنه رجع إليها بعد أربع سنوات، وفي هذه الأثناء أنشئت جمعية باسم (الأندلسية) فنودي على محمد فخارجي ليتولى أمرها كأستاذ، مع السيد مخيلف، فاشترك معهم عبد الرزاق كعازف على آلات غربية، وهكذا أصبح عبد
الرزاق يرافق أخاه في الحفلات.
وفي سنة 1930، أنشأ محمد جمعية باسم (الجزائرية) فانضم إليها محمد تفاحي فتعلم عليه عبد الرزاق الكثير من الأغاني، وكانت الحفلات التي يشترك فيها مع أخيه وتفاحي حفلات اجتماعية مثل الأعراس، وبعد أدائه الخدمة العسكرية أصبح أستاذا في الموسيقى الأندلسية، وفي هذا العهد اندمجت جمعية (الجزائرية) في جمعية (الغرناطية) فواصل العمل فيها كأستاذ مع تفاحي، وقد تخرج على يديه عدد من العازفين الذين أصبحوا من عناصر (الأوركسترا)، ومنذ 1950 سمي عبد الرزاق أستاذا في المعهد البلدي للموسيقى بالجزائر، ولما نشأت الإذاعة سنة 1930 خصصت ساعتين للموسيقى العربية فكانت الأوركسترا الجزائرية هي التي قدمت أول مسابقة، وكانت تؤدي دور المخفف لما عليه الناس من حزن وبؤس، ومن ثم نفهم أن عبد الرزاق فخارجي لم يتلق أية ثقافة رسمية في حياته، وأنه لم يخرج من الجزائر للمشاركة والتدريب والتعلم، وأن مجاله هو الموسيقى الأندلسية التي ورثها عن العائلة وعن الشيخ سفينجة بالأثر لا بالتتلمذ، ومع ذلك وصل إلى رئاسة جوق المحطة (الإذاعة) وقيادة الأوركسترا، مثل أخيه محمد (1).
إضافة إلى ما سبق عن محمد فخارجي نذكر أن أحمد سري، وهو من الموسيقيين المشهود لهم، كتب عنه كلمة تأبين، فقال إنه مرض مرضا دام عشر سنوات، ومنه إلى الموت، قبل الأوان، وله تلاميذ في الموسيقى الأندلسية، وأضاف سري أن محمدا كان من أتباع زرياب (2).
كما أن تقسيم أنواع الموسيقى العربية في الجزائر إلى مدارس حسب
(1) هنا الجزائر 49، أكتوبر 1956، وكذلك نفس المرجع، 51، ديسمبر 1956.
(2)
هنا الجزائر 49، أكتوبر 1956، وقد توفي محمد فخارجي في 4 يوليو 1956، وقد اهتمت هنا الجزائر به باعتباره رئيس جوقة المحطة للأغاني الأندلسية، ونشرت صورته وصورة جوقته، انظر هنا الجزائر، فبراير 1960، ص 13.
الجهات أو حسب والطبوع قد تبلور في الخمسينات، فقد صنفت الموسيقى إلى: أندلسية وشعبية وعصرية ونحوها، كما صنفت أحيانا إلى الفن الصحراوي والقبائلي والوهراني والقسنطيني والتلمساني
…
ونعتقد أن هذا التصنيف كان مقصودا ومدروسا، وهو من صنع وتكريس الفرنسيين حتى يبقى الجزائريون بعيدين عن الوحدة في تذوق فنهم والشعور بجمال طبيعتهم.
وللأسف فإن الجيل الذي تولى مقاليد الاستقلال من الجزائريين قد أبقوا على هذا التصنيف دون التفطن إلى ما وراءه من حبائل وفخاخ، بالعكس لقد تكرس هذا التصنيف اليوم بإنشاء إذاعات محلية تحافظ على خصوصيات كل ولاية وتغيب كل ما له علاقة بالروابط الوطنية من تراث مشترك وثقافة دينية ولغوية وشعور بالانتماء الحضاري الواحد، وقد أصبح لكل صنف جوقة أو فرقة فنية تعزفه وتختص به، ولكل جوقة فنانها الماهر الظاهر المتميز، فللأندلسي مثلا محمد فخارجي وعبد الكريم دالي ودحمان بن عاشور وللمالوف محمد الفرقاني، وللشعبي محمد العنقاء وتلاميذه، وللعصري عبد الرحمن عزيز ومحمد العماري، وقد ظهر متخصصون من الجزائريين ومن الأوروبيين (خصوصا اليهود) في دراسة كل صنف وتحديد معالمه وأصوله، وللوهراني أحمد وهبي والبلاوي الهواري، وللصحراوي أحمد خليفي ورابح درياسة وعبد
الحميد عبابسة، وللقبائلي سليمان عازم.
وأشار أحد الكتاب إلى وجود جمعية جزائرية للموسيقى الأندلسية. وانتقد مؤتمر القاهرة لسنة 1932 الذي لم يحقق في نظره شيئا، كما عرفنا بوجود بحث كتبه جول رواني الفرنسي ونشره في دائرة المعارف الموسيقية، وقام السيد إسكندر شلفون بنقله إلى العربية وأظهر بعض هفواته، وهو البحث الذي استفدنا منه في الأجزاء السابقة من التاريخ الثقافي، وهناك مقال آخر عن الموسيقى الأندلسية عرض رأيين، رأي من يقول بتطوير هذه الموسيقى عن طريق استعمال الآلات الأوروبية ورأي من يقول ببقائها دون تطوير، أي على أصالتها، ودليل من يقول بالتطوير هو أن صاحب العمامة والجبة وغيرهما
يستطيع أن يقود السيارة
…
فلماذا لا يستعمل أيضا الآلات الأوروبية للموسيقى الأندلسية (1).
وفي أوائل الخمسينات برز محمد العنقاء بعد أن مر بمراحل في حياته جديرة بالاعتبار حتى وصل إلى رئيس جوقة الموسيقى الشعبية، كتب عنه عثمان بوقطاية مقالة تتبع فيها مراحل حياته منذ ميلاده سنة 1907 وسماه صاحب مدرسة في الفن الشعبي، وفي سنة 1919 كان الفن الشعبي في الجزائر يحتكره الشيخ مصطفى الناظور وكان العنقاء من تلاميذه المواظبين على حضور مجلسه وجوقته بل حتى في تنقلاته، ولما توفي الشيخ الناظور سنة 1926 تملكت العنقاء مشاعر اليأس خوفا على ضياع ما تعلمه.
توقف العنقاء فترة عن تعاطي الفن الشعبي والتحق بضريح الشيخ عبد الرحمن الثعالبي وعاش أجواء المدائح النبوية وحياة الحضرة الصوفية والأناشيد فانتعشت روحه ووجد ضالته ولازم هناك الشيخ علي الأكحل الذي أخذ عليه العنقاء قواعد الفن الشعبي، وبعد أن أجازه هذا الشيخ على طريقة القدماء أخذ العنقاء يحيي الحفلات ويسجل الاسطوانات، كما عمل في الإذاعة وتخرج على يديه عدد من الفنانين الشعبيين، وفي سنة 1954 - وهو العهد الذي يهمنا - أصبح العنقاء رئيسا للجوقة الشعبية الرسمية للإذاعة (2).
بالنسبة للموسيقى أيضا نجد الفنانين الجدد يقلدون من سبقهم، فقد قيل إن الربيع بوعلام كان يقلد رشيد القسنطيني، وسمي عبد الرحمن عزيز بمطرب الشباب، وقيل عن محمد العماري إنه كان يقلد عزيز، ومن جهتها كانت الإذاعة تقيم حفلات فنية باسم (الميزكول العربي) تارة في سينما الجمال
(1) المنار 9، 5 فبراير 1951 وعدد 10، 22 أكتوبر 1951.
(2)
هنا الجزائر 21، فبراير 1954، يحتوي هذا العدد صورة للعنقاء، ولا ندري ما موقفه بعد ذلك من الثورة ومن النشاط الفني، هل تأثر أو لم يتأثر بالمعطيات الجديدة.