الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مما يعني في نظر المؤلف أن الأمير من دعاة وحدة الأمة الإسلامية.
والمنهج الذي اتبعه بوعزيز هو المنهج التاريخي الوصفي، فقد قسم الكتاب إلى أربعة أقسام: الأمير الفتى، وهو في هذا يسرد حياته ونشاطه الفكري، والأمير البطل فيحلل دوره من إنشاء الدولة والسهر عليها، والأمير العالم فيذكر ثقافته وعلمه ومؤلفاته، ثم الأمير الشاعر وفيه يعرض لشاعريته وشعره ويذكر نماذج من هذا الشعر الذي تميز بالفروسية والوصف والزهد، وفي الكتاب قائمة مراجع وبعض الصور.
منذ ألف محمد بن الأمير كتابه (تحفة الزائر) لم يهتم الجزائريون بالأمير وأهملوه تقريبا مدة خمسين سنة أو تزيد، ولم يقتحم ميدان الكتابة عنه إلا اثنان، وكلاهما تناوله باللغة الفرنسية، الأول هو كاتب ياسين الذي كتب عنه دراسة صدرت في كتيب صغير حوالي 1948 والشريف ساحلي الذي جعل لكتابه عنوانا فكريا وهو (فارس العقيدة) حوالي 1955، والكتاب الأخير من الكتب التي سلطت الضوء على دور الأمير في الفكر والدين والثقافة، ودافعت عن بعض الشائعات التي ألصقت به كدخوله الماسونية، والاستسلام دون مواصلة الكفاح حتى النهاية، وفي تلك الفترة ظهر عن الأمير أيضا كتاب بالإنجليزية عنوانه (صقر الصحراء)، لذلك كان كتاب يحيى بوعزيز أول عمل فيما نعتقد ألف باللغة العربية منذ نشر محمد بن الأمير (تحفة الزائر) سنة 1913، ورغم اشتغال بوعزيز بالتاريخ دراسة وبحثا وتعليما فإننا لا نعرف أنه قد رجع إلى الأمير ووفاه حقه في كتاب يليق بجهاده الطويل (1).
هذه هي الجزائر
من يعرف الشخ أحمد توفيق المدني يعرف أنه ألف في تاريخ الجزائر قبل الثورة، وكان (معلما) في هذا الباب بحيث أحدث تيارا وطنيا قويا وسط
(1) نشر بوعزيز مذكرات الأمير، كما تناوله في كتاباته المختلفة، ولكننا هنا نتحدث عن إفراد الأمير بتأليف متكامل.
الجزائريين منذ نفيه من تونس إلى موطن أجداده سنة 1925، فهو صاحب تقويم المنصور، وكتاب الجزائر، والمسلمون في صقلية، وحنبعل، وقرطاجنة، وغيرها، وقد ذكرنا بعضا من هذه التآليف في كتابنا التاريخ الثقافي (جزء 7).
وحين التحق المدني بالجبهة واستقر في القاهرة سنة 1956، كان مقره هو مكتب جمعية العلماء الذي كان الشيخ الإبراهيمي والفضيل الورتلاني يشغلانه، والظاهر أن هذا المكتب قد أصبح منذ 1956 مقرا أيضا لجبهة التحرير إذ طالما كان هو وليس مكتب المغرب العربي، محل اجتماع قادة الجبهة واستقبال ضيوفهم، وفيه التقيت شخصيا بعدد منهم، كالشيخ الإبراهيمي، وفرحات عباس، وأحمد فرنسيس، والأمين دباغين .... كما التقيت فيه بالمؤلف نفسه عدة مرات، لقد كنت آتيه فأجده معتكفا على تحرير (هذه هي الجزائر)، أو يتخير له الصور والخرائط، أو يصحح تجاربه (البروفات)، إن توفيق المدني قد ألف هذا الكتاب بطلب من زملائه في الجبهة ومن مؤتمر الخريجين العرب وغيرهم الذين كانوا يريدون معرفة مختصر تاريخ الجزائر من مصدر موثوق ومطلع وبأسلوب عربي سهل يسمح بالإطلاع السريع دون أن يمل قارئه.
انتهى المدني منه في يوليو وصدر عن مكتبة النهضة المصرية سنة 1956. وكان الشيخ قد التحق بالقاهرة في شهر أبريل، فيكون قد ألف الكتاب في ظرف شهرين ونصف تقريبا، وقد أهداه (إلى ضحايا الحرية في الجزائر
…
إلى الشهداء،) ويظهر هدف التأليف من قول أحمد توفيق المدني:(الأمة الجزائرية والقطر الجزائري اسمان خالدان مقدسان توارثهما الجزائريون الحاليون) وهم عشرة ملايين، ألف الله بين قلوبهم في الكفاح، ومع ذلك فإن العالم العربي والعالم عموما لا يعرف عن الجزائر الشيء الكثير)، ذلك أن الاستعمار الفرنسي قد أقام بينهم وبين العالم الإسلامي والعالم العربي والأمم الحرة حواجز وعراقيل، ومع ذلك لم يستطع فرض إرادته، بل إن الشعب الجزائري هو الذي فرض إرادته، لذلك فإن العالم العربي يريد أن يعرف عن الجزائر وشعبها، وهذا ما يقوم به المؤلف.
ورغم هذا الهدف الواضح من الكتاب فإن المدني ينفي أن يكون كتابه للدعاية، وإنما هو (تسجيل للواقع وتعريف علمي بالفطر والشعب الجزائري)، فهو يعتمد على الصادق من أنباء التاريخ وعلى الثابت من أرقام الإحصاء، ويصف الحالة الحقيقية كأنها الصورة طبق الأصل فلا مبالغة ولا تهويل) (ص 7)، وقد ذكر في المقدمة رغبة مؤتمر الخريجين أيضا فقال إن الأستاذ محمد فؤاد جلال رئيس المؤتمر قد أبدى رغبته في تأليف عن الجزائر يستجيب لرغبة عربية وطنية، وتجدر الإشارة إلى أن فؤاد جلال وبعض الأعضاء من مؤتمر الخريجين العرب قد زاروا الجزائر سنة 1955 والتقوا فيها بأحمد توفيق المدني وبعدد من أعضاء جمعية العلماء بالجزائر العاصمة (1).
منذ البداية أوضح المدني منهجه فقال إن الكتاب يخدم الثورة موضوعيا دون دعاية ولا تهويل، ومع ذلك فأسلوب الشيخ المدني أسلوب سياسي حماسي، وهو يعتمد المنهج التاريخي في تناوله للمعلومات والإحصاء، وقد بناه على ثلاث مراحل هي: التعريف الجغرافي بالقطر الجزائري، وسكان الجزائر، وتاريخ القطر الجزائري إلى الاحتلال الفرنسي، ثم تحطيم أمة أو سياسة فرنسا الاستعمارية تجاه الجزائر، وبعد ذلك تأتي المقاومة ثم (الثورة الكبرى)، ويتضح من ذلك أن جل الكتاب عن الاحتلال والمقاومة والثورة، وأن ما سبق ذلك هو تعريفات ومداخل وليس دراسات، أي أن هدف الكتاب هو الكشف عن أعمال الاحتلال بالجزائر وكيف ردت الجزائر الفعل، في الكتاب معلومات هامة شخصية، لاسيما تلك التي عاشها المؤلف نفسه في الجزائر، فهي معلومات من نوع المذكرات، وفيها آراء ومواقف بعض المجاهدين، ويبلغ الكتاب 247 صفحة من الحجم المتوسط، ومنه نحو 51 صفحة عن الثورة، كما يضم بعض المصطلحات مثل التربيعة، وأسماء السلاح، وفيه أول منشور للثورة.
(1) انظر لاحقا.