الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولم تكتف الثورة بإنشاء المدارس العسكرية بل بادرت إلى تنظيم دروس محو الأمية في كل مكان يرجع إليها، بما في ذلك السجون التي نظم فيها المساجين أنفسهم - كما سبق القول - وقاموا بتلقين بعضهم البعض دروسا في اللغة العربية والفرنسية، ومبادى العلوم والقرآن الكريم، وغيرها، وكل من يعرف كان يعلم من لا يعرف، وبالتدرج تحولت الدروس إلى مدارس متنقلة أحيانا وتحتوي على تجهيزات ومعلمين وإدارة، وقد اشترك في الدروس جنود جيش التحرير والمدنيون، وقد قيل إن عدد المدارس في الولاية الرابعة وحدها بلغ سنة 1956، 120 مدرسة.
ولم تكن هذه المدارس للدروس التقليدية فقط بل كانت للتوعية السياسية والتربية المدنية والإسلامية والوطنية، وقد أسهم الطلبة في هذه المدارس بعد انضمامهم للثورة، وقيل أيضا أن نسبة المتعلمين في الولاية الثالثة بين أعضاء جيش التحرير بلغت 8؟ فكانوا هم الذين يسهرون على مختلف الأنشطة الثقافية والإدارية والسياسية (1).
أنشطة الطلبة في تونس والمغرب
أغلب الطلبة الجزائريين خارج بلادهم كانوا متمركزين في تونس حيث كان فيهم طلبة الزيتونة وطلبة المعاهد الأخرى، كما كان هناك طلبة في حالة انتظار لتوزيعهم على المشرق أو على أوروبا، سيما بعد الإضراب عن الدراسة في فرنسا والجزائر، وربما يأتي المغرب بعد تونس من حيث العدد، ثم مصر إذا أخذنا المشرق فقط بعين الاعتبار، وقد قيل إن حوالي 400 طالب جزائري كانوا في الزيتونة عشية الثورة بينما كان في القرويين حوالي 186 وحوالي 50 في مكذاس بين 1960 - 1961 (2).
(1) هلال، نشاط
…
ص 66 - 68، 106.
(2)
هلال: نشاط
…
ص 22 - 24، سبق أن التقديرات الفرنسية تضع الأرقام: حوالي ألف في الزيتونة، و 120 في القرويين، وحوالي 150 في الأزهر، أنظر سابقا.
وكان طلبة المغرب العربي يتحركون داخل محيطهم أيضا، فبالإضافة إلى الرابطة التي تكونت بالقاهرة والتي كانت تستمد أفكارها من رؤية عبد الكريم الخطابي في وحدة كفاح المغرب العربي وعدم التفاوض مع الفرنسيين بلدا بلدا، فإن طلاب المنطقة كانوا يتجاوبون عبر قنوات متعددة حتى بعد استقلال البلدين الجارين للجزائر، ففي سنة 1957 نظم اتحاد الطلبة الجزائريين واتحاد طلبة تونس ومنظمات ثقافية وقومية تونسية أخرى أسبوعا للتضامن مع الجزائر، وقام الطلبة الجزائريون في تونس بإضراب عن الطعام وتحصنوا بجامع الزيتونة، وزارت وفود الطلبة مقبرة الجلاز حيث أضرحة شهداء الجزائر وقرأوا عليهم فاتحة الكتاب، وألقى الشيخ الفاضل بن عاشور محاضرة تحت عنوان (حياة الجزائر في القومية الإسلامية)، كما حاضر في مناسبة أخرى الزعيم علي البلهوان، وتحدث الشيخ البشير العريبي (وهو من أصل جزائري ومن شيوخ الزيتونة) عن دعائم الوحدة بين أقطار المغرب العربي، كما تحدث في هذه المناسبة ممثل جبهة التحرير ولكن اسمه غير متوفر (1).
وفي إحدى المظاهرات التي قام بها طلبة الجزائر في تونس رفعوا العلم الوطني بمناسية عيد الشباب التونس (مارس 1956) وأنشدوا فيها نشيد شعب الجزائر مسلم، وفداء الجزائر، ومن جبالنا .. وحين وصلوا إلى وسط العاصمة حاولت الشرطة (الفرنسية) انتزاع العلم منهم لأنه علم (الفلاقة) فوقعت مصادمات بين الشرطة والجنود وتحولت المشاركة في عيد الشباب إلى مظاهرة استعملت خلالها فرنسا المدافع والرشاشات وغيرها من الأسلحة (2).
وخلال شهر أغسطس 1958 انعقد مؤتمر بتونس يضم الاتحادات الطلابية الثلاثة (الجزائر وتونس والمغرب)، وقد صدرت عن المؤتمر لوائح من بينها
(1) المجاهد، 12، 15 نوفمبر 1957.
(2)
البصائر، 6 أبريل 1956، قد يكون هذا آخر عدد صدر من البصائر قبل توقفها النهائي، وقبل استكمال تونس شروط السيادة، بما فيها استلام الشرطة.
لائحة سياسية تؤكد على وحدة الطلبة وتعلن عن تعلقهم بمبدأ توحيد المغرب العربي والعمل من أجله، كما أعلنوا أن بناء المغرب العربي يمر حتما باستقلال الجزائر، لذلك طلبت اللائحة من حكومتي تونس والمغرب العمل من أجل استقلال الجزائر، ومن أجل تشكيل جبهة مغاربية (1)
…
وهناك مناسبات عديدة أخرى قام فيها طلبة الجزائر بتونس بأنشطة تدخل ضمن خدمة القضية الوطنية، من ذلك إحياء جمعية الطلبة الجزائريين لذكرى الشيخ عبد الحميد بن باديس، وقد صدرت نشرة بهذا العنوان تضم وقائع الذكرى، ثم ذكرى الأمير عبد القادر، وقع الحفل الأخير تحت إشراف مندوب عن جيش التحرير وجبهة التحرير وبحضور سفراء الدول العربية والمنظمات التونسية، ومندوب عن الحكومة التونسية، وتناول الكلمة مندوب الجيش والجبهة، وعيسى مسعودي كاتب عام جمعية الطلبة، والشيخ الفاضل بن عاشور والباحث عثمان الكعاك، وكلاهما من المتصلين على الدوام بالقضية الجزائرية، والشاعر أبو عبد الله صالح (صالح الخرفي)، وقد اقترح السيد الكعاك بهذه المناسبة إعادة رفات الأمير عبد القادر للجزائر المستقلة ودفنه في جامع كتشاوة الذي هو - كما قال - الآن كاتدرالية وإقامة تمثال للأمير في ساحة الشهداء حاليا (2).
وإثر تحطم طائرة روسية بثلاثة من الطلبة المغاربة أقام الطلبة اجتماع حداد على أرواحهم، ويبدو أن الطلبة الضحايا كانوا يمثلون الاتحادات، الثلاثة أو المكتب التنفيذي لجامعة طلبة شمال إفريقيا، ومهما يكن من شيء فقد تحطمت بهم الطائرة التي كانت عائدة بهم من بكين بعد حضورهم أحد
(1) المجاهد، 28 أغسطس 1958، وقع اجتماع الاتحادات الثلاثة، أيام 20 - 23 أوت 1958.
(2)
في جريدة الصباح وصف طويل للحفل بتاريخ 8 مارس 1957، أنظر أيضا يحيى بوعزيز: حياة الأمير عبد القادر، تونس، 1958، ص 180 - 185.
المؤتمرات، وهم: مزور، والجعيدي، والشرقاوي (1).
وبالإضافة إلى التطوع في جيش التحرير والعمل في المجال السياسي، كان للطلبة دورهم في إحياء الذكريات، والتضامن مع المضطهدين من إخوانهم، والمشاركة في المؤتمرات المحلية والمغاربية والعربية والدولية، والإسهام في الأسابيع التي تقام لجمع التبرعات لفائدة الثورة، وإلقاء المحاضرات وإقامة الندوات بإشراك أعيان كل بلد فيها لتوسيع التعريف بالقضية الجزائرية، وإنشاء الجرائد الحائطية والنشرات والمجلات الثقافية والإعلامية، والمشاركة بالكتابة فيها شعرا ونثرا، كما كان لهم في (صوت الجزائر) الوقع المجلجل والكلمات المدوية، فكان صوت عيسى مسعودي في تونس يهز السامعين ويقض مضاجع المستعمرين، وكان له إخوان يساعدونه ويمدونه بالمادة الخبرية، وكانت هناك أصوات أخرى مماثلة تنطلق من الرباط وطرابلس والقاهرة ودمشق وبغداد وعمان وغيرها من العواصم العربية، وتذيع بالعربية والفرنسية، وتقدم بالإضافة إلى الأخبار والتعاليق مواد في التاريخ والثقافة والأدب الذي يخدم القضية، وكانت الصحف والمجلات العربية تتحلى بكتاباتهم، وقد ظهرت لبعضهم تآليف حول شخصيات جزائرية تاريخية ودراسات عن الأدب الجزائري ورموزه إلى أن جاء الفتح وفاز الشعب بالشهادة والنصر.
أما من طلبة الجزائر في المغرب فلا نملك إحصاء وافيا لعددهم ولا نمط معيشتهم ولا تعدد مراكزهم ولا من نشاطهم في الثورة إلا ابتداء من سنة 1959، ففي مارس من هذه السنة زار المغرب وزير الثقافة عندئذ، الشيخ أحمد توفيق المدني لحل مشاكل الطلبة، ولم يفصل الشيخ المدني في حديثه عدد، الطلبة في جامع القرويين وخارجه، وإنما قال إنه التقى بطلبة القرويين الذين قدر عددهم بنحو ثلاث مائة (300) طالب، واستمع لشكاواهم التي وصفها
(1) المجاهد، 31 نوفمبر 1958.