الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثم جاء دور القسم الفرنسي من الحفل، والمفهوم أن نفس الفرقة هي التي قامت بالدورين معا، ومهما كان الأمر فإن حصيلة ما جمعته الفرقة من التبرعات بلغ عشرين مليون فرنك سلمت - كما قال كاتب المقال - إلى شيخ بلدية الأصنام (الفرنسي) بعد طرح المصاريف وهي غير مذكورة، فكم بقي للمنكوبين؟ وبعد هذه الليلة الليلاء طارت الفرقة عائدة إلى الجزائر، إنها سهرة عربية - فرنسية، كما قال الواصف عثمان بوقطاية، تجلى فيها التضامن في الظاهر على الأقل، أما الباطن فقد عبرت عنه الثورة التي أخذت تشتعل في هشيم الاستعمار (1).
رأي باربيس في الموسيقى
كان هناك اهتمام خاص بالموسيقى العربية - الأندلسية كما لاحظ الصرارفي، سواء من الجزائريين أو من بعض الباحثين الفرنسيين، فهذه مجلة (هنا الجزائر) لا تكاد تصدر عددا إلا وفيه مقالة بالعربية أو بالفرنسية عن هذه الموسيقى، وقد حفل عددها السادس والعشرون بمقالة كتبها ليو - لويس باربيس، وقامت المجلة بتلخيصها دون ذكر من قام بالتلخيص.
بدأ باربيس دراسته بقوله إن هناك موسيقى في الجزائر لا يهتم بها أهلها ولا الأوروبيون، ولكنها تلفت نظر الزائر الغربي الذي يعتقد عند سماعها أنها رتيبة، تكرر نفسها، وأنها حزينة إلى درجة الإزعاج، وأنها فقيرة في الألحان، ومنذ أمد قصير أخذ بعض الخبراء في هذا الفن يحاولون التعريف بأشرف فقرة من هذا التراث الذي بقي مجهولا، ثم عدد أنواع الموسيقى في الجزائر فإذا بها لا تخرج في رأيه عن:
- الموسيقى الشعبية البربرية (موسيقى أهل جرجرة، التوارق، الشلوح فيالأطلس المغربي) وهو يسميها جميعا موسيقى قبائلية وليس بربرية.
- الموسيقى الشعبية العربية القديمة في النواحي الناطقة بالعربية في الجزائر.
(1) هنا الجزائر 31، يناير 1955.
- الموسيقى البدوية بأراضي القبلة والهضاب العليا.
- الموسيقى العصرية المتأثرة بـ (الميزكهول) الأوروبي والجاز الأمريكي والأوبريت المصرية، وهي موسيقى تظهر في أغانيها الكلمات العربية مشوهة بالفرنسية والإنجليزية وغيرهما.
- الموسيقى الكلاسيكية المعروفة بالأندلسية، وهي التي نقلها المهاجرون العرب من الأندلس إلى بلاد المغرب بعد القرن الحادي عشر، وهي تشمل الأراضي الممتدة من فاس إلى الجزائر، وتتوسطها تلمسان التي يمكن اعتبارها مركزا للبلاد المغربية، وهي موسيقي تختلف عن الأخريات لأصالتها وقيمتها، وكانت هذه الموسيقى مهملة في الجزائر منذ حوالي خمسين سنة (انظر رأي عمر راسم لاحقا)، وتكاد تكون منسية إلا في وسط نخبة برجوازية بالمدن الكبرى، وهي في ذات الوقت تكاد تكون مجهولة في الدوائر الغربية.
إن هذا التقييم الذي اعتمده باربيس لم يرد عليه، حسب علمنا، ولكنه تقييم قائم، فيما يبدو على القاعدة اللغوية وليس على أصول الفن، فليس هناك أصل واحد لهذه الأنواع من الموسيقى، بل هناك أصل لكل فرع من فروعها تبعا لنطق أهلها وألفاظهم، وهذا لا يساعد كثيرا على موضوعية صاحب المقالة، ورغم أنه ركز دراسته على الموسيقى الأندلسية (الكلاسيكية) فإنه لا يجعلها أصلا تفرعت عنه أنواع أخرى من الموسيقى شأن البلدان صاحبة الحضارة المتطورة والمتأصلة، أليس تقسيم باربيس للموسيقى يتماشى مع النظرية الاستعمارية القائمة على تنوع (سكان) الجزائر أيضا؟ على كل حال دعنا نواصل معه الموضوع (1).
أثار باربيس مشكلة ثم رد عليها وهي مدى صلة الموسيقى الأندلسية بالموسيقى الإغريقية، ذلك أن البعض يزعم أن هناك صلة بين الاثنين، ولكن
(1) قارن رأي باربيس برأي عمر راسم حول نفس الموضوع، أنظر لاحقا.
باربيس نفي ذلك، أو بالأحرى قال إن المسألة ليست بهذه البساطة، والمحقق عنده أن الموسيقى الأندلسية أخذت في الازدهار في القرنين الثالث عشر والرابع عشر في قرطبة وغرناطة، أثناء ازدهار الحضارة هناك أكثر من أوروبا لأن الأندلس كانت تتمتع بازدهار العلوم والفنون ومنها الموسيقى، وكان الشعر الغنائي الغربي يرجع بأصله إلى الشعر الغنائي العربي، فقد شاع ديوان ابن قزمان وكتاب طوق الحمامة الذي كان من مصادر الشعراء الفرنسيين الجوالين، فكانت الموسيقى الأندلسية وسيلة من وسائل الترفيه لمجتمع بلغ درجة عالية من التقدم المادي والفني، مجتمع القرنين الرابع عشر والخامس عشر في الأندلس، وكانت هذه الروح الفنية المزدهرة تظهر في الزخارف والألوان المنتشرة ذات المباني والأشكال الهندسية المتمثلة في قصر الحمراء وجنة العريف بغرناطة وجامع قرطبة وقصر أشبيلية، وهو فن قائم على الخطوط الأنيقة المضاهية لرسوم ونحوت تلك المآثر العظيمة الخالدة.
إن السيد باربيس يربط بين الحضارة الأندلسية وبين موسيقاها الباقية في بلاد المغرب، ومنها الجزائر، فهي في نظره تعبير عما وصلت إليه الفنون والآداب والشعر خاصة، وما وصلت إليه الفئات الاجتماعية من بذخ احتاج إلى ترفيه وتسلية تتلاءم مع الذوق الناعم والحياة البورجوازية الراقية، فهل هذا صحيح؟ إن الكاتب يقول (إن الموسيقى الأندلسية تعزف على لحن واحد أساسي خالص وجميع الآلات المعبرة عنه والأصوات التي تشاركه
…
تكون في تآلف واتحاد كاملين)، ولهذه الموسيقى أربعة مقامات أساسية هي: العراق ويمثل الجد والغلظة، والمزموم ويمثل اللطافة والحزن، والديل ويمثل القوة والحيوية، والجاركة وتمثل الروح الدينية، وقد قام باربيس بمقازنة هذه المقامات بما يقابلها في الموسيقى الإغريقية، وتبين له أنهما مختلفان وأن لكل منهما خصائصه المميزة.
كما قابل المقامات الأساسية الأربعة المذكورة بمقامات ثانوية هي: الحسين والصيكة والماية والرصد، ثم قارنها بمقامات أخرى فرعية تتمثل في: