الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
متحمسا لها ومؤمنا بها وقد ساعدته ثقافته العربية على التعليم في الجزائر وعلى القراءة والاتصال بالمشرق في وقت كان المشارقة فيه يدعمون الثورة وأدباءها، ويبدو أن الشاعر قد تأثر بالحياة الثقافية في المشرق كما يظهر ذلك من كتابه الكفاح السياسي.
ويقول من درس شعره دراسة دقيقة إن له فيه مرحلتين: الأولى تتميز بكونها باكورة إنتاجه وله في ذلك عذره في عدم الوضوح والكمال، والمرحلة الثانية تتميز بوضوح الشعر وحرارة العاطفة مع عمق التفكير، ويعتبر شعره من هذه الزاوية سجلا حافلا للكفاح السياسي منذ الحرب العلمية الأولى، وقد بلغ درجة عالية فيه منذ ثورة أول نوفمبر، يضاف إلى ذلك أنه كان يعبر من داخل الحركة الوطنية وليس من خارجها لأنه تحمل مسؤوليات فيها واعتنق مذهب الحرية والوطنية.
أكثر شعر العقون مكتوب بالقصيد العمودي وله بعض الموشحات، وبالإضافة إلى الشعر السياسي الوطني له أشعار في المجاملات مثل المساجلات وبعض المراثي، كما له بعض الشعر الذاتي والغزلي الديني، وشعره قديم في أسلوبه وجديد في أغراضه وتفكيره، كما قال من كتب التصدير لديوانه (أطوار) وهو زميله مولود مهري بن عمار، ولكن هذا الكلام لا يدلنا على متى يبدأ ومتى ينتهي شعر الثورة عنده (1).
أحمد معاش الباتني
من أوائل الشعراء الذين تحدثوا عن الثورة وأرهص لها، بدأ ينشر أوائل الخمسينات في البصائر وكانت قصائده بمثابة مقدمات لشعره الثوري ومشاركته
(1) مختارات: عبد الرحمن بن العقون، نشرها تلميذه محمد الصالح رحاب، بمناسبة مرور عشر سنوات على وفاته، 1995 - 2005، أما الاقتباس فمن تصدير مولود مهري لديوان (أطوار) الصادر سنة 1980، وليس في المختارات شعر يدل على أنه قيل زمن الثورة. أما الديوان فلم نطلع عليه، أنظر كذلك البصائر، 21 - 28 نوفمبر، 2005.
الفعلية في الثورة، ومن أبرزها قصيدة (مشبوه) التي نشرها خلال السنة الأولى للثورة، وقد جاء فيها:
قالوا خذوه فإنه مشبوه
…
ومضوا لما في البيت فانتبهوه
ما ناله بالكدح قد سلبوه
…
وإذا تأبى للردى وهبوه
لن يرحموه فإنه مشبوه (1)
أحمد معاش لم يشترك في الثورة بشعره فقط بل اشترك فيها بحياته وبعائلته (أبوه وإخوته وأقاربه
…
) واستشهد عدد من إخوته وكاد هو يقتل أيضا سواء وهو مسلح في الجبل أو هو متسلل من الجزائر إلى تونس، ولكن البغل الذي كانوا يحملون عليه أثقالهم (استشهد) فرثاه أحمد معاش بقصيدة تدل على رقة إحساسه وإنسانيته وعلى انغماسه في الثورة وعلاقته بتراب وحتى حيوانات بلاده.
بعد خروج الشاعر إلى تونس أخذ يعمل في مصالح جبهة التحرير، ثم انتقل منها إلى المشرق أولا لإدارة الفريق الوطني لكرة القدم الذي تكون في تونس لإبلاغ صوت الثورة للبلدان المشقيقة والصديقة، ثانيا للعمل الإعلامي والدبلوماسي الذي انطلق فيه من دمشق والأردن، وأثناء مروره بالقاهرة سنة 1958 التقينا لأول مرة وتعارفنا وتبادلنا الآراء، وكنا قبل ذلك قد تعارفنا على صفحات البصائر حيث كتبت عن بعض قصائده التي اعتبرتها ملحمية، وارتبطت بيننا علاقات حميمة ظلت وفية إلى أن توفاه الله عام 2005 رغم اختلاف أماكن عملنا واهتمامات كل منا، ومن بين ما أذكره له هنا (وهو مذكور في يومياتي) أنه أنجدني عندما كان سفيرا للجزائر في طرابلس (1969) بقرض احتجته لمواصلة نشر كتابي الحركة الوطنية الجزائرية عند سهيل إدريس في بيروت، ولولا قرض معاش لتعطل الكتاب في الصدور، واتفقنا على تسديد المبلغ
(1) البصائر، أول أول 1955.
بالعملة الجزائرية بواسطة صديقه الشاعر عبد الرحمن العقون (1).
عمل أحمد معاش في السلك الدبلوماسي في المشرق (سورية والأردن) أثناء الثورة وبعد الثورة عمل في طرابلس، ثم حدثت جفوة مع وزارة الخارجية فدخل المعارضة الصامتة، وانتقل إلى أوروبا وعمل في الصحافة العربية بالخارج، وعاش حياة ليس عندي تفصيلها ولكنها حياة غاضب على الأوضاع في بلاده، ولم يرجع إلى السلك الدبلوماسي وإنما تقاعد وتفرغ للكتابة شعرا ونثرا فظهرت له بعض الدواوين، منها (التراويح وأغاني الخيام)، وكنت أظن أنه ترك الشعر ولكنه رجع إليه في السنوات الأخيرة من حياته، بل أكثر منه، وكان نجيه في غربته ومؤنسه في وحدته ومنسيه آلامه الجسمية والوطنية، فقد كان يعاني المرض الذي طال به، ويعاني مما أصاب الجزائر من أزمة وتمزق خلال التسعينات، فكان الشعر مرجعه وهو بلسمه يبثه أحزانه، وقد نتج عن ذلك ديوان جديد نشر في آخر أيامه، ولعله لم يطلع عليه، وقد صدر ببعض كلمات مني أبى إلا أن يحليه بها.
كتبت عن شعر أحمد معاش وعن حياته في مناسبات أخرى، وهو يستحق دراسة شاملة، ولا يعنيني هنا شعره في الأزمة الجزائرية (التسعينات) ولا إخوانياته التي قالها بعد الثورة والتي أكثر منها، خصوصا التهاني والمراثي، ولكن الذي يهمني هنا هو شعره في الثورة، ويبدو أنه قليل بالقياس لما قاله قبلها وبعدها، والظاهر أنه صرف همته أثناء الثورة إلى العمل الدبلوماسي، ومن شعره في زمن الثورة قصيدة قالها سنة 1956 وقصيدة بني العرب سنة 1958 وقصيدة ذكرى الثورة التي قالها وهو في دمشق سنة 1959 (2).
بالإضافة إلى قصيدة (مشبوه) نشر معاش في البصائر أيضا قصيدة (لحن
(1) عن رأيي في شعره الملحمي انظر كتابنا دراسات في الأدب الجزائري الحديث، وقد نشر أيضا في البصائر وفي مجلة الآداب اللبنانية.
(2)
صلاح مؤيد، الثورة بي الأدب الجزائري، مرجع سابق.
الصحراء) التي تغنى فيها بجمال الصحراء وطبيعتها وصفائها، مع التذكير أنه كان عندئذ يعلم في بسكرة التي تعتبر بوابة الصحراء، ومما جاء فيها:
بسط الرمل راحتيه وحيا وحبا
…
النخل طيبه القدسيا
واستوى في الفضاء يرفع جيدا
…
مستطيلا يضوع مسكا زكيا
فكأن النخيل في البيد بحر
…
ذو سوار يخوض بحرا حييا (1)
شعر أحمد معاش الأول أجمل من شعره الأخير لسببين: أنه في البداية كان مفعما بالشباب ويحاول أن يجود الشعر ويرققه ويتخير له الألفاظ المناسبة والصور الجميلة، وكان مهتما بالطبيعة والإنسان، أما شعره الأخير فقد تميز بالارتجال، وقلة المراجعة، والاندفاع بحيث يقرأ عن الحادثة في الصحف أو يسمع عن وفاة مجاهد أو زعيم فيصوغ الخبر قصيدة طويلة أحيانا، ولم يعد يكترث بالأسلوب والصور وإنما أصبح مهتما بتوصيل صوته والتعبير عن رأيه في الحدث نفسه، وقد حاولت في مراسلاتي معه أن أثنيه عن هذه الطريقة، واقترحت عليه ذات مرة التوقف عن قول الشعر برهة، أو مراجعته ونقده الذاتي قبل نشره، ولا أدري ماذا كانت دوافعه في الإسراع بنشر شعره: هل هي المادة (وكان في حاجة إليها) أو هي الشهرة، أو التخلص فقط من الشحنة الثقيلة التي دفعت به إلى نظم القصيدة.
نظم معاش القصيدة العمودية في الأغلب ولكنه نظم أيضا الموشح، والقصائد متعددة القوافي والأجزاء، وحاول الشعر الحر، وكان متدفق المشاعر تواتيه الألفاظ ويسيل به القلم حتى يعتقد قارئه من سرعة ردوده أنه يشعر ولا يفكر، يكتب ولا يتأمل.
أما حياته فقد لخصها محمد ناصر في كونه ولد في باتنة سنة 1928. ودرس في مدارس جمعية العلماء في باتنة وقسنطينة، ثم في جامع الزيتونة
(1) البصائر 353