الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل السابع
السينما
والرسم والمكتبات والخطاطة والمتاحف
السينما
السينما من الفنون الجديدة التي عرفتها الجزائر، وقد بدأ الفرنسيون في إنتاجها منذ وقت مبكر، ثم طوروها حتى وصلت، مع الإذاعة والتلفزيون، إلى مرحلة متقدمة، وعندما نتكلم عن التلفزيون فإننا نتكلم عن مرحلة الثورة لأنه بدأ، كما سبقت الإشارة، يعمل أثناءها، فالجزائر هي البلد العربي الأول الذي دخله التلفزيون، ورغم أنه مؤسسة فرنسية النشأة والتوجيه والإنتاج فإن الجزائريين سرعان ما استفادوا منه وظهر من بينهم من أخذ ينتج له أفلاما وبرامج وتمثيليات بالعربية الدارجة (1).
أما السينما فقد كانت الفن الأصعب تنفيذا لاحتياجه إلى خبرات وتقنيات دقيقة لكي تخدم الثورة والمجتمع، ولذلك تأخر ميلادها عند الجزائريين إلى عهد الثورة، ويقال إن أول فيلم جزائري أنتجته الثورة كان سنة 1960، أي بعد حوالي ست سنوات من تقدم الكفاح، ولكن كيف سارت الخطوات وكيف أنجزت الأعمال، ومن فعلها أول مرة، هل هم الجزائريون وحدهم أو بمساعدة الأجانب؟ لنستمع إلى مختلف الآراء والروايات، ومصادرنا رغم أنها شحيحة، فإنها تكرر نفسها وتأخذ عن بعضها، ولا تعطي في معظمها إلا صورة غير كاملة لما حدث بالفعل.
(1) من أوليات السينما انظر كتابنا تاريخ الجزائر الثقافي، الجزء 5/ 305.
بكل حماس وفخر قدمت (المجاهد) ما اعتبرته أول فيلم جزائري أنتجته الثورة، وهو فيلم (جزائرنا) الذي خرجت به الجريدة على قرائها مع صورة لانفجار من الشريط نفسه علقت عليه بقولها:(من واقع الثورة الحي)، ولم تذكر المجاهد شيئا عن هذا الفيلم القنبلة ولا عن الممثلين ولا مكان التصوير ولا زمنه أو مدته، لقد اكتفت بقصته، بموضوعه وبكونه يصور أثر الحرب المدمرة على القرى والأرياف وسط مناظر الأطفال وهم في حالة رعب من جنود مسلحين بالحقد والكراهية، على حد تعبيرها، إنهم جنود يحملون الموت والخراب في كل مكان، تلك هي (جزائرنا)، البؤرة الوحيدة المشتعلة بالحرب في العالم، إن قصة الفيلم تمتد 130 سنة من الاضطهاد والنهب واغتصاب الأرض والاحتكار، وطرد السكان إلى الأكواخ والبطالة والذل، إنهم ملايين النساء والأطفال والرجال الذين أصبحوا بلا مستقبل، بلا وطن، وهو (جزائرنا).
ولكن الشعب المطرود من أرضه المغتصبة لم يستسلم، إنه يتمتع بإرادة النضال والثورة على الظلم والاستعمار من أجل أن تعود (جزائرنا) المغتصبة، كما أن المستعمرين صمموا على الاحتفاظ بالجزائر وقابلوا المقاومة بالحديد والنار وبجيش مدجج بالسلاح العصري يحمل معه (النابالم) والقنابل الحارقة وأدوات التعذيب ليقمع بها (جزائرنا) التي ظلت رافعة الرأس شامخة الذرى، لقد فتح العالم عينيه على الفاجعة، بينما فتح الممثلون الجزائريون ملف (جزائرنا) أمام هذا العالم فأصبحت مثالا للصمود والدفاع عن الحرية، هذا الصمود والكفاح قام بهما شعب مصمم على انتزاع حقه وهويته التي سرقها منه الاستعمار سنة 1830.
إن شريط (جزائرنا) فيلم وطني أنتجته وزارة الأخبار في الحكومة المؤقة، وقد عرض يوم 6 نوفمبر 1960 على إطارات الحركة الوطنية بتونس، ثم على الصحفيين يوم 8 من نفس الشهر، وقد تساءلت المجاهد: هل هو فيلم جميل؟ وقد ردت على السؤال بنفسها فقالت: من يسأل عن الجمال في الأفلام
الحربية؟ يكفيه أنه شريط مفيد .. مهول، إنه سلاح جديد في يد الثورة الجزائرية، من أجل حرية (جزائرنا)! (1).
ولا ندري هل هذه النهاية لمقال المجاهد تشكل تبريرا لكون الفيلم غير جميل فنيا أو غير جميل من حيث التأثير النفسي واختيار المناظر واللقطات الخاطفة للأبصار والقلوب، أو هو اعتذار مسبق للقراء والمشاهدين عن كونه لم يبلغ في أداء رسالته ما هو متوقع منه، والحق أننا شاهدنا مع غيرنا هذا الفيلم في مناسبتين ونحن طلاب في القاهرة وأمريكا فكان له وقع كبير علينا وعلى غيرنا من المشاهدين، فقد شد أنظارنا وأبكى قلوبنا قبل عيوننا واختلط عندنا الإعجاب بالبطولة والمقاومة الشرسة بالمناظر الطبيعية الخلابة، وعادت (جزائرنا) فعلا إلينا بعد أن كنا نعيش الواقع الاستعماري الذي حاول أن ينزع منا هويتنا، فكنا نحس بالتلاحم ووحدة الحاضر والمستقبل، وقد طلبنا نسخا من هذا الفيلم عدة مرات من المكتب الإعلامي لجبهة التحرير ليعرض في مناسبات عديدة على مشاهدين يريدون أن يعرفوا حقيقة ثورة الجزائر التي يجهلونها، وفي كل مرة كانوا يخرجون مشدوهين من التناقض الصاعق الذي أمامهم: أين مبادى فرنسا المعلنة مما يمارسه جيشها في الجزائر؟ وكيف صبر الجزائريون مائة وثلاثين عاما على استعمار وحشي من هذا النوع؟
إن (جزائرنا) فيلم وثائقي قصير لا يتجاوز عرضه 25 دقيقة، وهو من عيار 35 ملم، وناطق بالعربية، وساهم في إخراجه جمال شندرلي، والأخضر حمينة، والدكتور شولي، ويعتبر محاولة أولى توجه إلى الرأي العام العالمي قامت بها الحكومة المؤقتة، تناول الفيلم وقائع المقاومة الجزائرية ماضيا وحاضرا في لقطات سريعة (2).
(1) المجاهد 82، 14 نوفمبر 1960.
(2)
يوم دراسي حول السينما والثورة، إعداد المركز الوطني لدراسة الحركة الوطنية وثورة أول نوفمبر، 1997.
ومع الأيام تأكد أن فيلم (جزائرنا) من عمل جمال شندرلي، والأخضر حمينة، وهو فيلم تحول بالتدرج إلى (صوت الشعب)، وهو يعرض تاريخ الجزائر من خلال تركيب حديث، كما أنه يتابع الأعمال العسكرية والسياسية لجيش التحرير، ومظاهرات ديسمبر 1960، والهجوم على قلعة فرنسية محصنة على الحدود الجزائرية التونسية.
والملاحظ أن لطفي محرزي جعل الفيلم من إنتاج سنة 1959، بينما تقول عواطف عبد الرحمن إنه عرض في نوفمبر 1960 في مهرجان ليبزيج بألمانيا الشرقية، وحصل على جائزة المهرجان، فكيف يتعرض لأحداث ديسمبر 1960 وقد عرض في شهر نوفمبر من نفس السنة؟ (1).
فإذا أخذنا الموضوع من الزاوية التاريخية وجدنا أن إنتاج الجزائريين في ميدان السينما كان ضئيلا قبل الثورة وحتى في سنواتها الأولى، فقد كان الميدان حكرا على الفرنسيين واكتفى الجزائريون بدور ثانوي، ربما لعدم الخبرة وربما لوجود سياسة عنصرية متعمدة، وقد رأينا ذلك واضحا فيما درسناه من نماذج لما يسمى بالسينما الاستعمارية أو سينما الحريم والمناظر الخاصة بالجزائر والمثيرة أحيانا لغرابتها (2).
إن سينما الثورة ميدان جديد في الإبداع والإعلام، تولاه الجزائريون وأصدقاؤهم، في ظروف صعبة تتميز بقلة الخبرة ونقص المال وغياب الأمن وندرة التأليف، أما الموضوع فهو دائما واحد تقريبا وهو الثورة بكل جوانبها وأبعادها وخلفياتها الميدانية والإنسانية، ومن الملاحظ أن بعض الأفلام كانت قد وضعت على أساس إيديولوجي، وأن معظمها كان أسود وأبيض، وأنها أفلام وثائقية بدرجة أولى كان الهدف منها خدمة الثورة كوسيلة إعلامية أو إعلامية
(1) لطفي محرزي، السينما الجزائرية، ص 64 - 65 وعواطف عبد الرحمن، الصحافة العربية
…
ص 62.
(2)
تاريخ الجزائر الثقافي، جزء 302/ 5.
مضادة للدعاية الفرنسية، ويبدو أن الجزائريين لم يكتشفوا أهمية السينما كوسيلة إعلامية إلا بعد مضي وقت طويل على تقدم الثورة، فهل ذلك راجع إلى (تأخر) انضمام الأشخاص المؤهلين إلى الثورة، أو إلى قلتهم من حيث العدد، أو إلى تأخر جبهة التحرير في تحضير طاقم وجهاز للسينما إلا سنة 1959 أو 1960؟
ففي 1959 أنشأت وزارة الأخبار قسما خاصا بالسينما، فتولى التصوير ورصد حرائق القرى والمدن وإعداد الأفلام الوثائقية عن المعارك، لإبراز معاناة الشعب في صراعه اليومي مع السلطات الفرنسية، وقد أعد قسم السينما ستة أفلام وثائقية عن الثورة، واتفق مع بعض الشركات العالمية على توزيعها على محطات التلفزة، وفي نفس الوقت أنشأت الوزارة قسما للاسطوانات مهمته تسجيل الأناشيد والموسيقى الوطنية والخطب والمحاضرات، وكانت الوزارة ترسل بهذا الإنتاج إلى مكاتب الإعلام المنتشرة في العالم، وقد أنتج هذا القسم، بناء على السيد محمد يزيد، واحدا وعشرين أسطوانة (1).
هذه تقريبا خلاصة ما قامت به الوزارة في ميدان معين، وهو الاسطوانات، فماذا عن الأفلام؟ لقد لاحظنا أن الأفلام الأولى كانت وثائقية قصيرة، وسنشير إلى طولها قريبا، ومعظمها كانت ترصد الواقع الجزائري وأحداث التاريخ وتقدم عنه صورة للرأي العام العالمي، هذه الأفلام كانت تعتمد على الشهود، وعلى ما حدث للاجئين، وما قام به جيش التحرير من عمليات وغيرها، ومعاناة الشعب الجزائري ماضيا وحاضرا، وأفلام من هذا النوع لا يتوقع منها توخي الجمالية والفن، كما لاحظت المجاهد من قبل، ولم يهتم المصورون لهذه الأفلام إلا بالصورة المباشرة وابتعدوا عن الرموز والغموض، إن السينما الجزائرية الثورية ولدت في الجبال وجسدت أحداث الثورة.
(1) عواطف عبد الرحمن، الصحافة العربية، ص 62.
منذ سنة 1955 بدأ الاهتمام بهذا القطاع ولكنه لم يتقدم بالسرعة المتوقعة لسد الفراغ الإعلامي لدى الرأي العام، فقد قيل إن الجبهة اتصلت بالشاب جمال شندرلي الذي كان مصورا في مجلة (الأحداث الفرنسية) وكلفته بمهمة الدعاية خارج الوطن والتعريف بالقضية، وقد تعاون شندرلي سنة 1956 مع بعض الجزائريين والأجانب لإنتاج أفلام وثائقية تخدم ذلك الغرض، منهم بعض الفرنسيين، مثل ريني فوتييه، وفي السنة الموالية فتح مركز للتكوين السينمائي بالولاية الأولى وكان يشرف عليه (فوتييه)، وهو صاحب فيلم (عشرون سنة في الأوراس) وغيره، وكان الطلبة الذين يدرسون في المركز جنودا، ولم تدم الدراسة في المركز أكثر من أربعة أشهر، وقد قيل إن فوتييه أنتج حصصا تلفزيونية وزعت على البلدان الاشتراكية، وهي حصص خاصة بممرضات جيش التحرير، ومنها صور عن منجم الونزة (1).
وإليك بعض الأفلام التي أنتجها قسم السينما سواء قبل تأسيس الحكومة أو بعد تأسيسها:
- في سنة 1957 - 1958 أنتج فوتييه فيلم (الجزائر الملتهبة) أو المشتعلة، وهو فيلم بالألوان، طوله 35 ملم ومدته 23 دقيقة، ويعتبر فيلما وثائقيا أو تسجيليا ناطقا بالفرنسية، وقد ركبت صوره في برلين الشرقية وعرض في الدول الأوروبية فعرف الناس عن الثورة من خلال صور هذا الفيلم.
- الهجوم على مناجم الونزة، وهو من إخراج طلبة مركز التكوين السينمائي، وهو فيلم تسجيلي أسود أبيض، ولا يدوم أكثر من ست دقائق، في 16 ملم. وهو يصور إحدى عمليات جيش التحرير على مناجم الحديد والصلب، ويعطي فكرة عن الحرب التي يقوم بها جيش التحرير ضد اقتصاد العدو.
- ممرضات جيش التحرير الوطني، وهو فيلم لا يدوم أكثر من ست دقائق.
(1) يوم دراسي حول السينما والثورة، مرجع سابقه 1997.
أسود وأبيض، وطوله 16 ملم، ويقوم على إخراج جماعي، ويمثل دور المرأة في الثورة.
- لاجئون: أنتجته مصلحة السينما التابعة لجبهة التحرير، أسود وأبيض، مدته 15 دقيقة، وطوله 35 ملم، ناطق بالفرنسية والإنجليزية من إخراج وتصوير (بيير كليمون)، وموضوعه المعاناة اليومية للاجئين الجزائريين.
- ساقية سيدي يوسف، فيلم أنتجته مصلحة السينما لجبهة التحرير، أسود وأبيض، يستغرق 15 دقيقة، 35 ملم، وهو بالفرنسية والإنجليزية، وأخرجه المخرج السابق (كليمون)، ويصور قصف الطيران الفرنسي لساقية سيدي يوسف وما نتج عنه من تدمير وضحايا وخرق للقانون الدولي - ومن الملاحظ أن مخرج هذا الفيلم قد قبض عليه في الجزائر وسجن بضع سنوات (1).
- جزائرنا (2).
- بنادق الحرية: فيلم بالألوان من إنتاج مصلحة السينما للحكومة المؤقتة، مدته 20 دقيقة، وطوله 35 ملم، جمع بين التوثيق والخيال، وقد أخرجه جمال شندرلي، والأخضر حمينة، وموضوعه تهريب السلاح من ليبيا وتونس عبر الصحراء وعلى ظهور الجمال.
- عمري ثماني سنوات: أنتجته لجنة (موريس أودان)، ومدته ثماني دقائق، أخرجه يان Yann وأولغا لوماسون Le Masson، وكله من تصوير وتركيب غير جزائري، مرجعه الرسوم التي قام بها الأطفال في مخيمات اللاجئين بتونس.
- صوت الشعب: أنتجته مصلحة السينما التابعة للحكومة المؤقتة، وهو من النوع التوثيقي، أسود وأبيض، ومدته 20 دقيقة، وطوله 35 ملم - وهو من
(1) يوم دراسي، مرجع سابقه 1997.
(2)
انظر عنه أيضا.
إخراج شندرلي وحمينة، وقد أدمجت مادته مع مادة فيلم (جزائرنا) ليصبح فيلما باسم الشعب، وليقول إن المعركة بدأت قبل 1954، فهو كما سبق القول عن (جزائرنا) ويمثل عرضا تاريخيا من خلال تركيب حديث ويصور النشاط السياسي والعسكري لجيش التحرير.
- ياسمينة: وهو الفيلم الوحيد، حسب النقاد - الذي اعتمد على قصة، ولكنه لم يبتعد عن ميزات الوثيقة، وهو - كما قيل - يمثل بداية الفيلم الروائي الجزائري في عهد الثورة، وقد أخرجه الأخضر حمينة بناء على قصة لطفلة جزائرية يتيمة فقدت أبويها بعد انفجار قنبلة، ومن خلال قصتها نعرف قصة جميع اللاجئين الجزائريين الذين أرغموا على مغادرة بلادهم للعيش في معسكرات داخل الحدود التونسية، وهو أسود وأبيض ويرجع إلى الفترة 1960 - 1961، ومدته 20 دقيقة، وطوله 35 ملم، وقد جمع بين الحقيقة والخيال، وتمثل ياسمينة فيه رمزا لكل الأطفال الجزائريين.
- خمسة رجال وشعب، فيلم بالألوان، ومدته 43 دقيقة، وطوله 16 ملم، وهو من النوع الوثائقي، أخرجه وصوره وركبه (فوتييه) وقد صورت الكاميرا الزعماء الخمسة: ابن بلة، بوضياف، آيت أحمد، خيضر، بيطاط، بعد إطلاق سراحهم عند وقف القتال 19 مارس 1962.
- الطالب: وهو فيلم أسود وأبيض من إنتاج المركز الوطني للسينما؟ ومدته 17 دقيقة، وطوله 16 ملم، ويعتبر خياليا، أخرجه عبد الحليم ناصف (؟) ووضع له السيناريو يوسف فرحي، وصوره سرية علي، وركبه رابح ديوز، وهو يصور حياة (طالب) أو مؤدب في كتاب قرآني.
وقد أشار لطفي محرزي إلى نماذج أخرى كنا قد نبهنا إلى بعضها مثل ساقية سيدي يوسف، وهي من عمل مصورين فرنسيين أمثال فوتييه وكليمون اللذين تعتبر مساهمتهما السينمائية مساهمة هامة في وقتها، سيما فوتيية الذي أسهم أيضا في تكوين فوج من الجزائريين في فن السينما!
- الجزائر تشتعل، وهو فيلم بالألوان يرجع إلى 1956 - 1957 يدوم عرضه 25 دقيقة، وطوله 16 ملم، أنتجته الجبهة، وأخرجه فوتيية، وهو يصور الحياة اليومية في المخابى السرية والدخول في معارك ضد جيش العدو ويرافقه صوت يعلق على سير الأحداث ويبين أبعاد حرب التحرير.
- اللاجئون الجزائريون، وساقية سيدي يوسف كلاهما أخرج سنة 1958، إضافة إلى ثلاثة تحقيقات (ريبورتاج) قام بها كليمون (1).
وقد حاول محرزي أن يؤرخ لأوليات السينما أثناء الثورة، فرأى أن المعنيين بالأمر قد تنبهوا إلى أن السينما كانت كالمنشور الإعلامي تؤدي دورا مباشرا وفعالا، وبدأ ذلك الوعي منذ 1956، أي إلى مؤتمر الصومام الذي نصت وثائقه على ضرورة الاهتمام بالعمل الإعلامي، دون تحديد للسينما، ويرى محرزي أن الخطوة الأولى كانت في سنة 1957 حين التقت في منطقة تبسة جماعة من المهتمين الجزائريين وأصبحت نواة لوحدة تصوير الأفلام مطلقة على نفسها اسم (مجموعة فريد) group Farid دون تفسير لهذه التسمية، وكانت تتبع الولاية الأولى، وقد ضمت ستة أفراد هم محمد قنز، وعلي الجناوي، ورينيه فوتييه، وجمال شندرلي، ثم انضم إليهم أحمد راشدي (ولم نعثر على اسم الخامس).
ورغم قلة الإمكانيات فقد سار المشروع، وكانت مساهمته الرئيسية تتمثل في جمع الوثاثق لخدمة معركة التحرير، ولم يكن الهدف عندئذ هو إنشاء سينما تعتمد الفن والجمال، ومن كان يأمل عندئذ في إنتاج عمل سينمائي متقن في ظل الخوف والسرية؟ لقد كان يكفي عندئذ تسجيل ما ترتكبه السلطات الاستعمارية من فظائع ضد السكان المجردين من السلاح، وكانت هذه الخطوة استجابة لتعليمه (النظام) التي أطلقها سنة 1956 خدمة لبرنامج الثورة، وقد
(1) يوم دراسي حول السينما والثورة، مرجع سابق، ولطفي محرزي: السينما الجزائرية، ص 63 - 65.
نصت وثائق الصومام على أن كل منشور أو تصريح أو مقابلة أو إعلان من جبهة التحرير اليوم له وقع عالمي، لذلك علينا أن نتصرف بمسؤولية محافظة على الجزائر في الساحة الدولية، الجزائر الزاحفة إلى الحرية والاستقلال) (1).
وهكذا فإنه منذ 1956 دخل كل من علي الجناوي وفوتييه وغيرهما في العمل السري تصحبهم الكاميرا وصوروا المناظر والمشاهدات لفعاليات الثورة المسلحة، ولم يعش من هذه الجماعة بعد الثورة إلا القليل، ولكن ما جمعوه من وثائق وصور ومناظر يعتبر أول إنتاج سينمائي جزائري، وكان الأسلوب الذي سجلت به الأحداث وركبت به الصور يعتمد الرؤية (الفكرة) اليسارية ويلاحظ عليه عدم الدقة والإتقان حسب تعبير السيد محرزي، غير أن ذلك لم يفقده القيمة الوثائقية.
وفي سنة 1958 اشتدت المعركة المسلحة فأصبح من الصعب الحصول على شحن المصورة بالأشرطة (البيليكول)، مما اضطر مصلحة السينما إلى الانتقال إلى تونس، تاركة تبسة خلفها، وعندئذ ألحقت (مصلحة السينما الوطنية) بوزارة الداخلية في الحكومة المؤقتة، وفي نفس الوقت وانطلاقا من الصور التي التقطها سرا رينيه فوتييه وعلي الجناوي أخرج فيلم (الجزائر تلتهب) على يد فوتييه، وعندما تأكدت الحكومة المؤقتة من فائدة الرسالة الثورية للعمل السينمائي قررت إرسال بعثة إلى البلاد الاشتراكية ليتكونوا فيها، وكان على الحكومة أيضا أن توفر الوثائق الدامغة والصور المعبرة لتقنع وتكسب الرأي العام لصالح القضية الجزائرية، وتقاوم بها الدعاية الاستعمارية، وأغلب الصور التي أصبحت متوفرة عندئذ كانت قد أخذت على الحدود الجزائرية التونسية، أي من قواعد جيش التحرير، ومنها خرجب مجموعة من الأفلام التي أتينا على ذكرها، ويؤكد الباحثون على أن فترة 1957 وما بعدها قد شهدت ميلادا ثقافيا حقيقيا
(1) محرزي، السينما الجزائرية، ص 62، وقد اقتبس النص من مندوز: الثورة الجزائرية بالنصوص.
للجزائر، موازاة مع التقدم السياسي والعسكري، فبالإضافة إلى السينما انطلقت الأعمال الأدبية والرسم والمسرح وغيرها مما يدل على أن الثورة قد انغرست في تربة الشعب في مختلف المجالات، فكان الشعر والرواية واللوحة والمسرحية.
وخلافا للوثائق الاستعمارية التي كانت تخاطب الفرد وتحاول التأثير عليه لكي يترك الثورة ويقبل بهوية غير هويته، كانت وثائق الثورة الجزائرية التي أخذها شهود عيان تخاطب الشعب والرأي العام، وتظهر أن الشعب كله كان في المعركة، وقد انضم إليها بكل قواه، إنها حرب شعبية، لعب فيها جيش التحرير الدور الرئيسي في كونه جيش الشعب، فهو الذي يحميه من الغارات، كما يشهد بذلك فيلم (الجزائر تلتهب)، وقد تأسف السيد محرزي - وهو على حق - على أن الوثائق السينمائية التي تعالج حرب التحرير لم تسترجع ولم ترتب ولم تصنف، وكان ذلك سنة 1971، فأين هي الآن ونحن في سنة 2005 (1).
ومنذ عدة شهور حضر السيد فوتييه إلى الجزائر وأجرت معه إحدى الصحف حديثا جاء فيه أنه هو الذي أنتج أفلاما عن الثورة الجزائرية في إبانها مع جمال شندرلي، وقد زار قسنطينة رفقة فرقة للتصوير، وتوقف فيها لإنتاج فيلم وثائقي كان يعده حول حياته الشخصية وعنوانه:(رينيه فوتييه ضد الرياح والأمواج)، وأثناء تلك الأيام التي نظمتها بلدية قسنطينة بمناسبة الذكرى الخمسين للثورة، ومن الوثائق التي أظهرتها البلدية بهذه المناسبة: عشرون سنة في الأوراس، وشعب زاحف، والجزائر الملتهبة، وقال محمد حزرولي المكلف بالسينما في بلدية قسنطينة إن حضور فوتييه في هذه المناسبة تصادف مع فتح ورشة للفن السمعي البصري في (الكونسرفتوار) البلدي، وفي هذه الورشة سيلتقي الشباب بفوتييه الذي اعتبره حزرولي (رائدا للسينما الجزائرية الشخصية المهمة جدا فيها)، وقد أوردت الصحيفة صورة للسيد فوتييه، أما دور شندرلي
(1) رشيد بوجدرة: ميلاد السينما الجزائرية، ماسبيرو، باريس، 1971، نقلا عن لطفي محرزي: السينما الجزائرية ص 62، هامش 2، أنظر كذلك يوم دراسي .... 1997.
والآخرين فقد نسيه الناس فيما يبدو، على هذا العهد (1).
إن الذين درسوا علاقة الجزائريين بالسينما في العهد الاستعماري خرجوا بنتيجة وهي أن الأفلام الفرنسية كانت تجعل من الجزائر موضوعا فقط باعتبارها إقليما فرنسيا يتميز بطبيعة خاصة فيها النخيل والفروسية، وفيها حي القصبة والإنسان الأهلي .. وكلها تشكل عناصر لديكور غريب وجميل، فكان الفيلم نفسه يمرر الفكرة التي يريد الاستعماريون الترويج لها، وقد ذكروا لذلك نماذج من الأفلام مثل (نداء البلاد) لموريس قليز، و (البلاد) لجان رينوار، و (عطش الرجال) لسيرجي وليني، ولكننا لا ندري الآن متى أنتجت هذه الأفلام، قبل الثورة أو أثناءها.
كان الجزائري في هذه الأفلام إنسانا محددا، فهو متوحش يجب تخليصه مما هو فيه من رذائل، وعملية التحرير هذه جزء من الديكور نفسه، وإذا حضر ففي مشهد للخيانة ضد المهمة الحضارية الفرنسية، وفيما يخص التوزيع والإنتاج فالجزائري غائب عن الكاميرا باستثناء شخصين هما مصطفى قريبي والطاهر حناش اللذان أنتجا أفلاما للتلفزيون، كما أن إنتاج الأفلام الفرنسية مليء بالدعاية العنصرية ضد العرب، فهذا سيرجي وليني يقول على لسان بطل فيلمه عطش الرجال:(لم يعد هناك سارق عربي بعد اليوم، ولا مرابي يهودي، بل مسلحون مستعمرون فقط، هذا فقط! هذا فقط!)(2).
من الذين اهتموا بترقية الإذاعة والتلفزيون وأنتجوا أفلاما السيد سفير البودالي، فقد كان مسؤولا عن الإذاعات الفنية والأدبية قبل بدء التلفزيون، أي من سنة 1943 إلى 1958، وفي هذا التاريخ نقل إلى التفتيش في وزارة التهذيب القومي، وكانت شهرته تقوم على ثقافته الواسعة بالفرنسية وخبرته
(1) جريدة الوطن - بالفرنسية - 14 ديسمبر 2004، وكان البرنامج الذي أعدته البلدية تحت عنوان (السينما والثورة اعترافا بفضل فوتييه، بين 11 - 13 ديسمبر 2004.
(2)
لطفي محرزي، السينما الجزائرية، سابق، ص 59 - 60.