الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التالملي، وكان فيها سنوات 1950 - 1954 أكثر من ثلاثمائة تلميذ وأحد عشر أستاذا من حملة الشهادات، إضافة إلى ستة مكلفين بالدروس، ومن أساتذتها محمد راسم وأخوه عمر راسم وبشير بن يلس، ومصدرنا في هذه المعلومات لم يتحدث عن المدرسة خلال الثورة، ومما يذكر أن الأستاذ الذي تولى فيها ورشة النحت هو جان بيرسييه Bersier، خلال 1947 - 1958، وبيرسييه كان قد تخرج من فيلا عبد اللطيف، وقد تخرج على يديه في النحت عدد من الأوروبيين، وأما المسلمون (الجزائريون) فمنهم: محمد إسياخم، وبشير بن يلس، ومن الأساتذة الذين درسوا في الورشة كزائرين يوجين كورنو Corneau الذي كان يزور الورشة كل ثلاثة أشهر لينشر علمه منها، بين 1953 - 1962 (1).
كما أنشئت معارض عديدة وهامة للفن ذات طابع مغاربي - إفريقي مع لمسة فرنسية، وقد استمرت في النشاط إلى سنة 1956 على الأقل، هذه المعارض كانت تستقبل إنتاج الفنانين من بلدان المغرب العربي، وكانت تعقد كل مرة دورة في إحدى مدن المغرب العربي، فانعقد أول معرض في تونس سنة 1928، ثم في الدار البيضاء سنة 1929، وفي الجزائر سنة 1930، وهكذا
…
أما المعارض الأخيرة فقد انعقدت بعيدا عن المغرب العربي، إما لاستقلال تونس والمغرب أو لاشتداد الثورة الجزائرية، فقد انتظم مثلا معرض للفن المغاربي بلمسات فرنسية في مونتكارلو سنة 1951، ثم في بوردو سنة 1956 (2).
رسوم الطاسيلي
كان لاكتشاف رسوم الطاسيلي وفنون أخرى صحراوية ردود فعل من النقاد والكتاب المهتمين بالتراث الفني، فقد كان الشائع أن الصحراء خالية من الفنون في ماضيها وحاضرها فإذا بالباحثين يتوصلون إلى اكتشاف، في منطقة
(1) مدينة الجزائر ورساموها، ص 241.
(2)
نفس المرجع، ص 240.
الطاسيلي، أبهر العالم، سنة 1956، إن هناك عدة لوحات اكتشفت واستخرجت من قبضة الرمال، وكانت اللوحة لفنانين صحراويين رسموها بريشة من شعر حيوان وحشي، ويرجع تاريخ بعض الصور إلى آلاف السنين قبل الميلاد، وكان مع الإنسان عندئذ سلاحه وآلته، وقد أثبت وجود الزرافة والدب البحري والفيلة (وكلها مرسومة على اللوحة) أن الصحراء كانت عامرة بالأعشاب الكثيفة، كما أن وجود الفرس المائي والتماسيح والأسماك قد دل على أن ما هو صحراء اليوم كانت تغمره المياه.
إن مكتشفات الطاسيلي تعبر عن فنون ما قبل التاريخ، وعصورها المختلفة: ظهور الإنسان، ثم الحصان ثم الجمل، مرورا بعصر الإنسان الذي له شكل رأس مكورة، إلى صور للإنسان في شكل عملاق له طول يصل إلى ستة أمتار، وفي العصر الثاني رسم الصحراويون حياتهم اليومية كالأعراس والرقص والغناء والرعي والحروب والفلاحة والنساء
…
وفي هذا العصر ظهر الحصان، ولعله العصر الذي شهد آخر سكان الصحراء قبل اختفائهم نتيجة الجفاف، بحيث لم يبق في الصحراء سوى جماعات من البدو، وبذلك دخل عصر الجمل الذي يعتير آخر العصور لأن الجمل جاء من آسيا وهو الحيوان الوحيد الذي استطاع أن يتكيف مع البيئة الصحراوية (1).
أما الرسوم التي عثر عليها الباحثون وعرضوها على الناس فهي: رسم لفتاتين زنجيتين طول كل منهما أكثر من متر، لهما جيد طويل وثياب بيضاء، وعلى إحداهما رسم حصان، وهناك صورة أخرى تمثل أحد الرماة وزوجته، وفلاحا يمسك بحبل لصيد الحيوانات، وصورا لزنوج، ثم صورة لقناع يرجع إلى عشرة آلاف سنة، وهو في شكل وجه لثور له قرنان، أما آخر الصور فلراقصين وراقصات بأقنعتهم التي يتخذونها للتنكر، ويظهر على الرسوم التأثير
(1) محمد الميلي: صحراؤنا، تونس، ص 26 - 28.
المصري الفرعوني (1).
وقد درس أحد المهتمين ما قامت به بعثة هنري لوط في الطاسيلي سنة 1956، وبناء عليه فهي بعثة ضمت رسامين ومصورين كلفوا برسم الفنون المنقوشة على الأحجار في الطاسيلي، فكانت النتيجة باهرة إن لم نقل إنها تعبر عن معجزة، حيث استطاع الرسامون والمصورون نقل ما عثروا عليه من رسوم وصور ونقوش سنة 1957، لقد كانت الفكرة شائعة عن وجود رسوم في الصحراء ولكن دون تحديد إلى أن اكتشفت في شمال شرق الهقار بقيادة علماء الآثار والتاريخ، كان هنري لوط يريد نقل الرسوم قبل هذا التاريخ، ولكنه لم يتمكن من ذلك سابقا، لأنه كان في حاجة إلى رجال ومعدات، وقد استطاعت بعثته أن تنقل ما يزيد على الألف متر مربع من الرسوم المنقوشة والمطابقة للأصل بألوانها وأحجامها، ويرجع تاريخ هذه الرسوم إلى 7 أو 8 آلاف سنة، وهي تثير تساؤلات حول ترتيب الحضارات في الظهور، وإعادة النظر في القيم التاريخية والفنية والعلمية، مما يجعل هذه الرسوم نادرة المثال، فهي تمثل وجود أمة أو أمم عمرت بها الصحراء قبل التاريخ، وانتهت إلى درجة متقدمة من الرقي الاجتماعي وإقامة النظم الحضارية.
فهل هذه المكتشفات سابقة للحضارة المصرية القديمة، وهل تأثر المصريون القدماء بحضارة الصحراء أو العكس هو الصحيح؟ إن هذه المكتشفات الجديدة دلت على وجود حضارة صحراوية متقدمة للإنسان بحيواناته، وهي البقر والغزلان والفيلة والحمر الوحشية وغيرها، بل أن هناك رسوما تمثل الحروب والحياة الدينية والفنية، وقد بلغت بعض الرسوم درجة عالية من الكمال والإتقان الفني، أما ما أقدمت عليه البعثة من كشف ما عثرت عليه للجمهور والعلماء فهو جزء فقط من خطتها الشاملة، فقد نظمت البعثة معرضا لبعض الرسوم المنقولة، وهو معرض مفتوح أقيم في قاعة (بورد) وتردد
(1) الميلي، مرجع سابق، ص 32 - 33.