الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من النماذج التي نشير إليها أن السلطات الفرنسية قد احتجزت العدد 350 من جريدة البصائر الذي كان فيه خطاب الشيخ العربي التبسي نائب رئيس جمعية العلماء، وفي نفس هذا العدد كلمة عنوانها (هل الهدنة ممكنة)، كان ذلك بتاريخ 20 يناير 1956، والواقع أن هذا العدد من البصائر كان فيه أيضا البلاغ الرسمي الصادر عن الاجتماع العام لجمعية العلماء وكيف تناولته الدوائر السياسية والصحافة الفرنسية النافذة، ولا شك أن الذين حضروا اجتماع المجلس الإداري قد سمعوا خطبة الشيخ العربي التبسي الذي نعتقد أنه ألقاه ارتجالا وليس من الورق، كما هي عادته.
الترجمة
كانت الجزائر تتوفر على عدد لا بأس به من المترجمين، من الفرنسية إلى العربية، خلال الخمسينات، ويبدو أن الاتجاه الآخر من الترجمة كان ضعيفا، أي من العربية إلى الفرنسية شفويا وحتى كتابيا بغير اللغة الأدبية أو الفصحى باعتبارها لغة حضارة أولا ولغة اتصال ثانيا، وأنتج الإستشراق الفرنسي والكنيسة رجالا على درجة هامة من المعرفة والثقافة باللغة العربية، فنقلوا منها مصادر عديدة ونشروا بها أعمالا تشهد لهم بالباع الطويل، ونعني بذلك النقل من العربية إلى الفرنسية (1).
وهناك أسماء جزائرية تركت بصماتها على الترجمة الأدبية، من أبرز أصحابها الطاهر بوشوشي، والمولود الطياب والعربي أولخيار (بالولاية العامة) والهاشمي العربي، وإسماعيل العربي، والحاج حمدان (وهو مترجم شرعي) وسعد الدين بن أبي شنب.
(1) انظر الدراسات العربية في الجزائر لهنري ماصي وقد ترجمه إسماعيل العربي ثم ظهرت ترجمة أخرى له قام بها محمد يحياتن ونشرها المجلس الأعلى للغة العربية، الجزائر، 2005.
ويمكننا أن نعمم فنقول إن معظم الموظفين في ميدان التدريس والقضاء والإدارة التعليمية ونحوها كانوا يتعاطون الترجمة بشكل أو بآخر، لأنهم قبل كل شيء قد تخرجوا من المدرسة الفرنسية - الإسلامية التي كانت تعلم اللغة الفرنسية لفترة طويلة ومؤكدة، ولكن هناك من تخرج من هذه المدارس وهو لا يكاد يترجم ولا يكتب بالعربية رغم أنه يفهمها، ولدينا مثال على ذلك مالك بن نبي الذي تخرج من مدرسة قسنطينة (الفرنسية - الإسلامية) وهو لا يكتب بالعربية إلا قليلا ولم تتحسن لغته العربية وترقى إلى درجة اللغة الأدبية المكتوبة إلا بعد إقامته في المشرق إذ استطاع أن يكتب بعض كتبه لاحقا بالعربية مباشرة، دون مترجم، وكان أحمد رضا حوحو استثناء لأنه رغم دراسته في مدرسة فرنسية بسكيكدة فإنه تعاطى الترجمة في الحجاز ثم كان يترجم من الفرنسية إلى العربية بعد رجوعه إلى الجزائر، ولا شك أن رجلا مثل محمود بوزوزو رئيس تحرير جريدة المنار، كان يعرف العربية والفرنسية بشكل متميز، ومهما كان الأمر فإن مجلة هنا الجزائر قد ضمت مجموعة طيبة من المترجمين الجزائريين، في الميدان الأدبي.
منذ نوفمبر 1956 نشرت هنا الجزائر مقالة بعنوان (الترجمة من أكبر الوسائل لدعم التفاهم بين الشعوب)، ولكن كاتب المقالة أخفى اسمه، ونحن نرجح أنه هو الطاهر بوشوشي نفسه، ومما جاء في المقالة أن جماعة المترجمين الدولية، وهي تضم اثنتي عشرة دولة، تستعين بمنظمة اليونسكو التابعة للأمم المتحدة وتعقد أن الترجمة قد أسهمت عبر العصور في نقل الأفكار، وأعلنت الجماعة المذكورة أنها أنشأت مجلة باسم (بابل)، وهو رمز له دلالته الحضارية، وجاء في المقالة أيضا ذكر لعدد من الأعمال التي ترجمت من الآداب الروسية والإسلامية (العربية) واليونانية (1).
ومن المقالات التي ترجمت إلى العربية لحاجة في نفس الموعزين بذلك
(1) هنا الجزائر 50، نوفمبر 1956.
محاضرة القاضي ابن حورة وعنوانها (هل أهل شمال إفريقيا مشارقة؟)، ورغم أن كاتبها الأصلي مسلم ومن رجال القضاء فيما يبدو وكان ربما بإمكانه أن يترجم محاضرته بنفسه فقد قام شخص اسمه محمد الحاكم (؟) بترجمتها، وقد تفلسف ابن حورة بعض التفلسف واستنجد بالتاريخ وبنظرية (غوتييه) المعروف بمعاداته للحضارة العربية الإسلامية وانتصاره للرومان والفرنسيين، يقول ابن حورة إن الإسلام مادة وروح، وأن الإسلام قديم وجديد (شاب وشيخ)، وأن المدنية الرومانية قد انقرضت من شمال إفريقيا، بينما المدنية العربية بقي منها شيء (كذا) وأن الحضارة الرومانية مع ذلك تركت عظماء بينما الحضارة العربية لم تترك عظماء عدا ابن خلدون، (هذا هو رأي غوتييه، ولكنه يشكك حتى في قدرة ابن خلدون، وهو ربما ما لم يدركه ابن حورة).
وقد كرر ابن حورة نظرية الجغرافي الفرنسي (غوتييه) في الاعتماد على الطابع الروحي للحضارة وليس الطابع المادي فقط، واستدل هذا الفيلسوف الجديد (ابن حورة) بنظرية طه حسين في كتابه (مستقبل الثقافة في مصر) من كون المصريين أوربيين في توجههم رغم أنهم يعيشون في المشرق، أي أنهم ليسوا مشارقة بل هم أوروبيون وضعتهم الجغرافيا في المشرق، كما استدل ابن حورة بكون الإسلام يعلو على القوميات، والمقصود بالذات هو أن أهل شمال إفريقيا أوروبيون وإن كانوا يعيشون في إفريقيا على بقايا الحضارة العربية الإسلامية، تمهيدا للاندماج في الفرنسيين وطعنا في ظهر الحركة الوطنية ودعاة الاستقلال (1).
ولا شك أن فكرة ابن حورة هذه تتماشى مع تيار فرنسي يقول بأن أهل شمال إفريقيا (البرر؟) أوربيو الأصل، دون الإلتفات إلى كون مؤرخي اليونان والعرب لا يعتبرونهم كذلك، ومهما كان الأمر فإن هذه الأفكار انطلقت مع الثورة لإضعاف قوتها وشل أهدافها وخدمة فكرة الاندماج التي أصبحت
(1) هنا الجزائر، يونيو، 1955.
مرفوضة حتى عند الفرنسيين أنفسهم، وإذا كان أهالي شمال إفريقيا غير مشارقة كما انتهى ابن حورة وبعض النخبة الاندماجية - فلماذا لم يعاملهم الفرنسيون على أنهم أوربيون أو على أنهم رومان؟ والذي يهمنا من هذا النص ليس هو الأفكار التي حملها، ولكن الترجمة التي نقلته من لغة فرنسية إلى لغة عربية. ومن لغة الفرنسيين الأوربية إلى لغة الأهالي الشرقية.
برع الطاهر بوشوشي الذي كان يوقع اسمه (ابن جلا) في الترجمة من الفرنسية إلى العربية، وأيضا من العربية إلى الفرنسية، ولنذكر الآن بعض العناوين التي ترجمها:
- بحيرة لامارتين في الأدب العربي، ترجمة لحياة هذا الشاعر الفرنسي، هنا الجزائر 30، ديسمبر 1954.
- حياة وأفكار جان جاك روسو، في حلقتين من الفرنسية إلى العربية، هنا الجزائر 70 - 71، ديسمبر 1958.
- نشر أعمالا يبدو أنه نقلها من الفرنسية مثل: (قبر الرومية،) هنا الجزائر 21، فبراير 1954.
- ترجم أغنية/ قصيدة الجندول لعلي محمود طه، فقد قام بترجمتها إلى الفرنسية ونشرها وأشاد بها، وهي تنسجم مع هواه في الشعر الرومانسي، وعلق على حياة وشعر علي محمود طه قائلا إنه تلميذ شوقي، وأن أغنية الجندول من أجمل أشعاره، وأتى على ديوانه الملاح التائه، وشبه الشاعر المصري بالشاعر الفرنسي موسوي والشاعر الإنجليزي شيلي، هنا الجزائر 20، يناير 1954.
ومن المترجمين نور الدين عبد القادر الذي أسهم في الترجمة لعدد من الأدباء والمفكرين الفرنسيين أمثال المستشرق إتيان كاترمير (هنا الجزائر، يونيو 1954)، وسيلفستر دي ساسي مع التركيز على حياته وآثاره وتأثيره، هنا الجزائر، أبريل 1954، وادمون فانيان، وغير هؤلاء.
أما الهاشمي العربي فهو بالرغم من أنه من أبرز المترجمين في هذه الفترة فإننا لم نجد له في هنا الجزائر سوى القليل، وهو لا يعدو عملين أولهما (آخر درس) وهي قصة مترجمة عن الفرنسية بقلم ألفونس دوديه، هنا الجزائر، أوت 1958. وثانيهما (ليلة في أورشاليم) وهي مسرحية جرت حوادثها ليلة ميلاد المسيح عليه السلام، هنا الجزائر، يناير 1955.
وتوجد أعمال مترجمة أخرى بعضها يذكر المترجم إلى جانبها مثل (تأسيس مدينة غرداية) وهي بحث ترجمه أبو الحسن (؟) عن المستعرب الفرنسي إيميل ديرمنغام، هنا الجزائر، مارس 1954.
وهناك أعمال قدمها أحمد شقار الثعالبي ولها صلة بالأدب الغربي، كالخداع والحب عند شيلر الألماني، وقصة الفنجان العاشق، وهي تمثيلية إذاعية ذات شخوص من المسلمين والنصارى، هنا الجزائر، يونيو 1956، وهناك مقالة عن مدينة الزهراء لمحمد بكوشة، هنا الجزائر، أوت 1957.
كما ترجمت بعض قصص مالك واري بدون اسم المترجم، مثل عيشوش الجلابية أو دهاء امرأة.
ولمالك واري بعض القصص المتخيلة مترجمة إلى العربية أيضا.
وفي عدد سابق من هنا الجزائر (عدد 70) ترجم السيد محمود الجيلالي قصة (عديمو الصبر) أو (المستعجلون) إلى العربية، وهي قصة أذيعت من إذاعة الجزائر (الفرنسية) وشارك في ذلك عدد من الأدباء الذين مثلوا الأسماء الواردة في النص، والقصة تتحدث عن الفتيان والفتيات المستعجلات للأخذ بالثقافة الفرنسية الذين كانوا يعيشون حيرة ثقافية، كما تناولت مشكلة الفتاة المسلمة أمام الفتاة المسيحية (الغربية)، أي صراع الثقافات والتقاليد في مجتمع متخلف.
وهكذا نلاحظ أن مجلة هنا الجزائر قد خدمت حركة الترجمة، ولكن في نطاق خدمة اللغة الفرنسية، أي نقل الأدب والفكر والآراء الفرنسية إلى
الجزائريين، أما نقل الثقافة العربية إلى الفرنسيين فيكاد يكون غائبا، وقد لاحظنا أيضا أن أعمالا جادة كتبت بالفرنسية، ومع ذلك لم تنقل إلى العربية مثل دراسات سفير البودالي عن الموسيقى العربية والموسيقى الأندلسية، وبعض الدراسات الأخرى التي حفل بها القسم الفرنسي من المجلة، والملاحظة الأخيرة هي أن بعض الدراسات تناولت تأثير الأدب الفرنسي في الفكر والأدب العربي، وقد عالج هذا الموضوع كل من سعد الدين بن أبي شنب وأحمد بن
ذياب، وتعتبر مقالات ابن أبي شنب عميقة في بابها، ولكنها تحمل طابع الدعاية أحيانا، أي التعريف بأثر الأدب الفرنسي خارج بيئته.
أما وسائل الإعلام الأخرى فقد استخدمت الترجمة أيضا ولكن في نطاق ضيق، ولا سيما في نطاق الأدب، فالبصائر مثلا نشرت بعض المترجمات في العلوم والآراء السياسية، ولكنها كانت مقلة في ذلك، وكذلك فعلت جريدة المنار.
بينما اهتمت جريدة المجاهد بالأدب والدراسات المترجمة في مرحلة متأخرة من عمرها، فقدمت لقرائها أعمالا لأدباء فيتناميين، وبعض الأعمال لفرانز فانون، وقطعا شعرية لبعض الجزائريين، ونماذج لمثقفين فرنسيين، وربما لبعض اليساريين الآخرين أيضا، أما مترجماتها الأخرى فكانت لا تخرج عن الأخبار والوثائق الإعلامية.
وقد ترجم مولود الطياب أعمالا عديدة في شكل تعريف بالكتب كما فعل مع مؤلف إدريس الشرايبي المغربي، كما ترجم قصة (الفيلسوف ودماغه) لهيلين برملان (1).
ومن الواجب أن نشير هنا إلى دخول أبي العيد دودو وحنفي بن عيسى ساحة الترجمة إلى العربية ابتداء من مرحلة الثورة، الأول من الألمانية والثاني من الفرنسية، وقد نشر حنفي بن عيسى في بعض المجلات الشرقية، منها
(1) هنا الجزائر، مارس 1958.