الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
موضوع هذا الفصل يقوم على هذا الأساس، فالعلاقة التي سنتكلم عليها فيه هي علاقة بين المثقفين الجزائريين والمثقفين الفرنسيين، بين المثقفين الأصليين المفعمين بمعتقدات الشعب ولغته وروحه وبين المثقفين العلمانيين الذين تخلوا عن المعتقدات وتجردوا من الروح واللغة فأصبحوا كغيرهم ممن لا وطن لعقيدتهم ولا روح لأفكارهم ولا لغة لتعبيراتهم.
إن الجزائري ولو تجرد من الهموم كلها فإنه لا يستطيع أن يتجرد من هم أهله وأسرته وعقيدته، لذلك لا نستغرب أن يقول النقاد إن كتاب الجزائر بالفرنسية، رغم اتفاق اللغة مع الآخر فإنهم لم يستطيعوا أن يتجردوا من تقاليدهم ومعتقداتهم التي ربما يثورون عليها ولكنهم لا يستطيعون التخلص منها، ولذلك كانوا في حالة توتر دائم.
مصطفى الأشرف
وقبل أن نتناول حياة وأعمال بعض هؤلاء المثقفين وأنصارهم من الفرنسيين، نذكر بعض الخطوط العامة عن كتاب وشعراء ظهروا أيام الثورة وتبنوا قضية الشعب بكل وضوح، من هؤلاء مصطفى الأشرف الذي كتب عدة بحوث استمدها من الوثائق الوطنية التاريخية وجعلها مرتكزا لنظرية اجتماعية تساعد الشعب على التحرر وتخرج المستعمر الذي اعتقد أنه دفن الهوية الجزائرية واستراح، كان الأشرف قد بدأ يشارك ببحوثه الاجتماعية قبل الثورة، فنشر في مجلة (المباحث) التونسية مقالتين على الأقل سنة 1945، ومع اندلاع الثورة كتب عدة بحوث دسمة وموثقة في مجلة (الأزمنة الحديثة les temps (modernes التي كان يشرف عليها الفيلسوف جان بول سارتر، كما كتب مسرحية بعنوان (الباب الأخير)، وهي المسرحية التي نشرت ترجمتها بالعربية مجلة الفكر التونسية سنة 1955 ولا ندري هل ظهرت أيضا بالفرنسية في إحدى الدوريات (1).
(1) عن هذه المسرحية انظر فصل المسرح، وكذلك كتابنا دراسات في الآدب الجزائري =
كذلك نشر الأشرف بحثين هامين في نفس المجلة (الأزمنة الحديثة)، الأول عن الوطنية والأرض في الجزائر، أكتوبر 1955، والثاني عن البطولة في الثورة الجزائرية، نوفمبر 1959، ويبدو أن مجلة (الفكر) قد نشرتهما بترجمة قام بها عبد الله شريط (1)، وله بحث آخر أشارت إليه المجاهد ونشره أيضا في (الأزمنة الحديثة)، سبتمبر 1956، نقل فيه عن كتاب (المرآة) لحمدان خوجة رأيه ضد الاحتلال وموقف المثقفين منه، وكشف فيه الأشرف عن رأي حمدان خوجة عن النفاق والازدواجية في المواقف الفرنسية: فكيف يحتل الفرنسيون الجزائر بينما يساندون استقلال اليونان وبلجيكا وبولندا، ويدعمون في هذه البلدان كيانات قومية مستقلة، أما الجزائر فالفرنسيون قاموا بإلغاء قوميتها واحتلوا أراضيها، وقد نقل الأشرف عن خوجة أيضا أن الجزائريين لا يمكن التغلب عليهم إلا بإحدى وسيلتين: إبادتهم (أو إجلاؤهم)، أو جلاء القوات الفرنسية عن بلادهم، ورأى خوجة، وهو أيضا رأي الأشرف بعد قرن وربع، أنه لا حل للقضية إلا بجلاء قوات الاحتلال إذا كانت فرنسا تريد إدخال الحضارة إلى الجزائر، وفي ذلك نفي لادعاء الفرنسيين أنهم في الجزائر لنشر رسالة حضارية (2).
= الحديث، ط 4، 2005، وكان تعريفنا بالمسرحية قد نشر أولا في مجلة الآداب البيروتية، ومجلة العالم العربي القاهرية، وعن أوليات الأشرف في تونس انظر الجابري، النشاط العلمي
…
مرجع سابق.
(1)
بعد الاتصال الهاتفي الشخصي بعبد الله شريط يوم 28 يناير 2006 أكد لنا أنه ترجم أعمالا لمصطفى الأشرف من مجلة (الأزمنة الحديثة) ولكنه لا يتذكر ما هي الأعمال التي ترجمها له.
(2)
المجاهد، 45، 29 يونيو، 1959، عن رأي الأشرف في نشاط حمدان خوجة وأحمد بوضربة انظر مصطفى الأشرف، الجزائر: الأمة والمجتمع، ترجمة حنفي بن عيسى، الجزائر، 1983، ص 201 وما بعدها، عن محتوى كتاب الأشرف انظر فصل كتب وكتابات.