الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
للثوار والجماهير، والثاني اعتبار الثورة امتدادا للتاريخ العربي الإسلامي وأنها جزء من معركة متصلة الحلقات، فالهدف ليس هو فقط التحرير الوطني بل هو أيضا تحقيق انتصار الإسلام.
موقف الطرق الصوفية
يتساءل الدارسون لتاريخ الثورة عن موقف رجال الطرق الصوفية، والعلماء منها، سواء في أولها كرد فعل منهم، أو بعد تمكنها واتضاح برنامجها ومعرفة قادتها، ونحن إلى الآن لم ندرس هذا الموضوع دراسة علمية تاريخية ولم نجد من سلط عليه الأضواء الكافية، ولكننا وجدنا بعض المواقف المتحمسة أو المحسوبة على الاتجاه الإيجابي.
فبعد مرور سنتين على الثورة نشرت البصائر أن ثلاث زوايا وجهت إلى رئيس الحكومة الفرنسية برقية تطلب الاعتراف بالجنسية الجزائرية، وهذه الزوايا هي: الزاوية السحنونية في بني وغليس وشيخها هو محمد السعيد الشريف أمقران، وزاوية تومليكين في تغزيرت وشيخها محمد الطاهر آيت عيسى، وزاوية سيدي منصور في أزفون وشيخها محمد الشريف الضاوي، وجميع هذه الزوايا ترجع إلى الطريقة الرحمانية، وكلها أيضا في القبائل، وقالت الجريدة إن هؤلاء الشيوخ طالبوا رئيس الحكومة (جي موليه) بوجوب استعمال الرحمة والمساواة والتسامح مع سائر (المتساكنين) قائلين إن سياسة الاندماج لا يقبلها المسلمون لأن لهم دينهم وتاريمخهم وذاتيتهم
…
أما الحل فيكمن في الاعتراف بالجنسية الجزائرية لمصلحة الجميع، وفي نظرهم أن هذا لا يتنافى مع الصداقة بين الجزائر وفرنسا.
والملاحظ أن هذه البرقية أرسلت بعد اشتداد الثورة، وبعد إعلان جمعية العلماء عن موقفها في يناير من نفس العام ببيان صادر عن مجلسها الإداري، وكذلك حزب البيان، والنواب، وبعد أن طلبت الجبهة من الجميع اتخاذ مواقف
صريحة وواضحة، أثناء التحضير لعقد مؤتمر الصومام (1).
وصاحب الزاوية السحنونية هو محمد السعيد الشريف السحنوني، كما قلنا، وهو من زعماء الطريقة الرحمانية، ووالد أخينا علي مقران السحنوني، وقد اشتهرت هذه الزاوية بالعلم والكفاح في حوض الصومام، وجد العائلة هو السعيد أمقران الذي قاوم الاحتلال أثناء ثورة 1871 واستشهد في بني يراثن (نات يراثن)، ومن هذه العائلة محمد وعلي السحنوني الذي شارك في الثورة المقرانية وحكم عليه بالنفي من الجزائر، ثم هرب إلى الحجاز (المدينة المنورة) وفيها تزوج وتوفي (2).
أما الشيخ محمد الشريف السحنوني المعاصر لثورة نوفمبر فقد فكر عند اشتداد الضغط عليه، في الهجرة بعائلته إلى الحجاز، وتعرض للتعذيب والإهانة والتشريد ولم يجتمع شمله بأسرته إلا بعد الاستقلال، فدخل السجن عدة مرات، آخرها سنة 1958 حين القوا عليه القبض في منزله بسطيف، وتعرضت زاويته في (تغراست) لهجوم عسكري خرب الزاوية وما فيها، وكان عدد طلابها حوالي خمسين (50) طالبا فساقوهم إلى السجن حيث عذبوا وأهينوا.
تخرج محمد الشريف من الزيتونة، وانتصب للتدريس في زاويتيه (السحنونية والوغليسية)، ولم يكن وحده في ذلك، فقد انضم إلى هيئة تدريس الزاويتين عدد من الأساتذة، وجاءهم من تونس الشيخ محمد الحبيب والشيخ الفرشيشي للمساعدة على التدريس، وقد بلغ عدد طلاب الزاويتين خمسمائة وخمسين طالبا (550) وكان فيهما أبناء الجزائر والمغرب وجيبوتي وليبيا.
وجمع الشيخ محمد الشريف مكتبة غنية بالمطبوعات والمخطوطات بحيث بلغت المخطوطات حوالي ثلاثمائة (300) كان قد اقتنى معظمها من تونس من مكتبات الشيوخ المتوفين والتي تباع عادة في المزاد، كما اشترى
(1) البصائر 357، ومارس 1956.
(2)
انظر عنه كتابنا التاريخ الثقافي، والحركة الوطنية.
بعضها من المشرق أثناء رحلاته، وكان يتردد على المكتبات المعروفة عندئذ مثل مكتبة رودوسي في الجزائر، والثميني والعسلي والأمين في تونس. وبالإضافة إلى ذلك هناك الدوريات التي كان الشيخ يجتهد في اقتنائها والاشتراك فيها، هذه المكتبة الغنية كان مصيرها مصير الزاوية، فقد نهبت وأتلفت ولم ينقذ منها إلا النادر، فغضب الاستعمار على صاحب الزاوية يطال الزاوية ومكتبتها أيضا (1).
ومن جهة أخرى نعرف أن الطريقة التجانية تدخلت بطريقة غير معلنة لإنقاذ حياة الشاعر محمد العيد آل خليفة الذي ألقت عليه السلطات الفرنسية القبض، وكان على وشك تنفيذ القتل فيه، مع آخرين، وبفضل تدخلها تغير الموقف وفرض الفرنسيون على الشاعر الإقامة الجبرية في بسكرة طيلة عهد الثورة، ولكننا إلى الآن لا نملك دليلا قاطعا على تدخل الطريقة التجانية.
إذا سألت اليوم قادة الطرق الصوفية وأتباعها المتحمسين ورجال الزوايا عن موقف طريقتهم أو زاويتهم من الثورة فإنهم لا يترددون في وضع محورة براقة أمامك من التضحية والفداء والقيام بالأعمال السرية والعلنية لصالح الثورة والتعرض من أجل ذلك لأخطار لا تعد ولا تحصى، وهم في ذلك لا يختلفون كثيرا عن إخوانهم المنتمين إلى الأحزاب السياسية حماسة وولاء، وفي غمرة هذا السيل من (الأعمال) الباهرة ينسون علاقتهم السابقة واللاحقة بالسلطات الفرنسية عن رضى ومصلحة أو عن كره وتقية، وأمام ذلك لا يستطيع المؤرخ أن يصل إلى الحقيقة عن دور الطرق الصوفية والزوايا من الثورة، ومن ثمة نكتفي هنا بإيراد بعض الأقوال التي نشك منذ البداية في أصالتها إلا إذا دعمتها الوثائق (رسائل، بيانات، تصريحات، محاضر، مذكرات معاصرة للأحداث
…
)، والواقع أن هذا المنهج يجب أن يطبق على كل الشخصيات والمؤسسات والتنظيمات التي كان وجودها يكتسي طابعا عاما وله صلة بالجماهير من جهة
(1) محمد الصالح الصديق، البصائر 24 - 31 أكتوبر، 2005.
وبالإدرة من جهة أخرى.
كنت أطالع عملا قدمه صاحبه إلى ندوة عقدت هذه السنة (2005) عن دور الزوايا والطرق الصوفية في الثورة، فوجدت صاحب الكلمة، يذكر أسماء أشخاص وتضحيات كثيرة منسوبة إلى بعض رجال الطرق الصوفية، بل إنه جعل عدة رؤساء تولوا حكم الجزائر من أتباع هذه الطرق، (ابن بلة وابن جديد وبوتفليقة، وغيرهم كمصالي وآيت احمد)، قد انتموا إلى طرق صوفية كالهبرية أو الرحمانية أو الدرقاوية، وقد فهمنا من البحث أن الثورة صادفت مشيخة محمد عبد اللطيف للطريقة الهبرية، ففي عهده قدمت الطريقة عددا من المجاهدين تطول قائمتهم، وربما يقال إن مشاركة المريدين في الثورة لم تعد ذات قيمة في حد ذاتها لأن الثورة جندت الجميع، وقد انضموا للثورة كمواطنين لا كمريدين، وإنما نحن نبحث في هذا المقام عما فعلت وقالت وكتبت مشيخة الطرق نفسها كحث الناس على الجهاد أو إعلان مطالبها للسلطات الفرنسية وليس تبني أعمال الآخرين ولو كانوا من المريدين.
ومهما كان الأمر فقد نسب صاحب الكلمة أعمالا للشخ محمد عبد اللطيف شخصيا مثل جمع السلاح وتحضير الاستفتاء (؟) سنة 1962 وفرز أسماء المرشحين لتولي المهام الجديدة في الجزائر المستقلة، ولا شك أن ذلك - إذا صح - كان بعد وقف إطلاق النار.
كما جاء الكاتب على ذكر الشيخ محمد المدني، من زاوية سيدي عبد الباقي المنتشرة في وهران وغيليزان، وبناء عليه فإن الشيخ المدني تعرض للتعذيب بعد إلقاء القبض عليه سنة 1956، وكان قد انضم إلى منظمة فدائية بوهران، ولم يطلق سراحه إلا سنة 1960، كما طال السجن عددا من أقارب الشيخ المدني (وهو أيضا من الطريقة الهبرية) كانوا من المجاهدين في المنظمة الخاصة (1).
(1) كلمة السيد الحبيب بن عدة، التي أعدها تمت إشراف الشيخ محمد عبد اللطيف بلقايد =