الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ظروف إضراب الطلبة، 1956
تعرض الاتحاد إلى اضطهاد السلطات الفرنسية في فرنسا والجزائر، فصدر قرار بحله ولاحقت الشرطة مسؤوليه فسجنت بعضهم وخرج آخرون خارج الحدود الفرنسية، وانضم بعضهم إلى صفوف الثورة في الجزائر أو إلى وفد جبهة التحرير في الخارج، لذلك قرر الاتحاد الدعوة إلى الإضراب عن الدروس في الجامعات والثانويات في فرنسا والجزائر يوم 19 مايو 1956 وكان ذلك تصعيدا واضحا في الدفع الثوري إذ حرم الفرنسيون من حجة كانوا يستعملونها وهي أن الفئة المثقفة من الجزائريين لم تلتحق بالثورة وأن الثوار ما هم إلا (فلاقة) أو جماعة من المشردين وقطاع الطرق ثاروا بسبب الجوع والبطالة، لقد كان الإضراب في حد ذاته ضربة قوية للإعلام والدبلوماسية الفرنسية في العالم، كما كان نصرا كبيرا للجبهة في صراعها من أجل افتكاك المبادرة ليس من فرنسا وحسب ولكن من منظمات مناوئة أو موازية كالحركة الوطنية التي أسسها مصالي الحاج وجماعة مكافحي الحرية التي أسسها الشيوعيون، وهكذا انضم طلاب الجزائر في المعاهد الفرنسية إلى إخوانهم الثوار - المجاهدين، أو توزعوا على جامعات ومعاهد أوروبا لمواصلة الدراسة.
منذ فبراير 1956 أعلنت البصائر أن وفدا من الطلاب المسلمين بالجامعة صرح بأنهم التقوا بأحد معاوني رئيس الحكومة (الفرنسية) وأنهم صارحوه بأنه لا يمكن وقف الحرب إلا بالاعتراف بالمبدئين الأساسيين وهما (وحدة الأمة الجزائرية وتكوين الدولة الجزائرية)(1).
والغالب أن يكون هذا الوفد الطلابي مبعوثا - إذا ثبتت اتصالاته - من قادة الجبهة في الجزائر، فهل كان رمضان عبان أحد هؤلاء القادة؟ إننا لا نملك دليلا على ذلك، وعلى كل حال فإن الجبهة كانت تمثل مستقبل الجزائر في نظر الطلاب.
(1) البصائر، 355، 24 فبراير، 1956.
لخصت جريدة (المقاومة الجزائرية) الخطوات التي قطعها الاتحاد حتى وصل إلى قرار الإضراب عن الدروس، فتحت عنوان (طلبتنا في ميدان الكفاح) قالت إنه في السادس من فبراير 1956 ضرب الطلبة الفرنسيون رئيس وزرائهم بالطماطم (إشارة إلى الهجوم على جي موليه عند زيارته الأولى للجزائر) وحاولوا اغتيال الأستاذ أندري مندوز في رحاب جامعة الجزائر (لولا وفاء الطلبة الجزائريين للحرية والحوار الذين افتكوه منهم وأحاطوه بسور من صدورهم وسواعدهم)، ومن جهة أخرى فوت الطلبة الجزائريون الفرصة على الطلبة الفرنسيين عندما أعلنوا لائحة في 31 مارس صمموا فيها على عقد اجتماع لهم بفرنسا، وفي هذه اللائحة استنكر الطلبة الاستعمار ودعموا الكفاح الوطني، كما طالبوا باستغلال الجزائر وسيادتها وبتحرير المساجين والتفاوض مع جبهة التحرير، ونتيجة لذلك قامت السلطة الاستعمارية بإلقاء القبض على قادة الطلبة، ولكن طلبة العالم هرعوا لنجدتهم والمطالبة بإطلاق سراحهم.
الخطوة الأخرى التي اتخذها الاتحاد (لوجيما) هي توزيعهم منشورا في الجزائر العاصمة (مايو 1956) تساءلوا فيه: لأي شيء تصلح هذه الشهادات التي تمنح لنا في الوقت الذي يكافح فيه شعبنا ببطولة؟) كان ذلك كافيا لقدح النار في الهشيم وإدانة الاستعمار وتعبئة الطلبة لأمر قادم، فقد شككوا في قيمة الشهادات التي يعملون من أجلها واعتبروها وسيلة لهدف مزيف، فهم مستهدفون للتمويه والتزوير، وأعلنوا أن هناك أولويات توجب عليهم تحمل المسؤولية، بل أعلنوا التمسك (بالإضراب العاجل عن الدروس والامتحانات لمدة غير محدودة) وطلبوا من زملائهم إخلاء مقاعد الدراسة في الجامعة والالتحاق بجيش التحرير وجبهة التحرير، ليكونوا جنودا وأطباء في صفوف الثورة، وأضافت جريدة المقاومة: لقد ناقش البعض حكمة هذا القرار، هل الجزائر في حاجة إلى طلابها وجنودها، كل في ميدانه، أو أن شعار الكل للمعركة) هو الذي له الأولوية.
وهنا نذكر أن النقاش قد احتد بين الطلبة في المشرق أيضا: هل هم معنيون بالإضراب أيضا؟ كان بعضهم قد نادى بوقف الدروس في المشرق تضامنا مع زملائهم وتمشيا مع الشعار المذكور (الكل للمعركة)، ولكن تعليمات الجبهة أوضحت أن الإضراب غير شامل، وأن من أراد التطوع فله ذلك ولكن وقف الدراسة في معاهد المشرق غير وارد (1).
وقد أكدت جريدة المجاهد، من جهتها، بيان الطلبة في الدعوة إلى الإضراب والالتحاق بالجيش والجبهة، فقد تضمن العدد الأول منها النداء الذي وجهه الاتحاد (لوجيما) إلى الإضراب مبررا ذلك بأسماء عدد من الطلبة المعتقلين أو الشهداء ومنهم محمد الونيس الطالب - حسب المجاهد - بمعهد الدروس الإسلامية والذي مات مجاهدا، وزدور بلقاسم الذي سبق ذكره، والطبيب ابن زرجب، والأديب رضا حوحو، والتنكيل بالطبيب التجاني هدام بقسنطينة، والطبيبين با أحمد وطبال بتلمسان، والقبض على آخرين من أعضاء الاتحاد، واختطاف وذبح رفيقهم الطالب فرحات حجاج في ضاحية بن عكنون، وفي هذا المجال وتجديدا للتعبئة النفسية أشارت المجاهد إلى إضراب الطلبة يوم العشرين يناير 1956، وكررت العبارات المثيرة السابقة وهي أن الشهادات لن تفيد الطلبة بينما شعبهم يئن تحت براثن الاستعمار، فهم رجال الغد، وماذا سيفعلون بالشهادات إذا قضى الاستعمار على الشعب؟ إن هناك أمورا مستعجلة تنتظرهم وهي أن يكونوا مع المكافحين، وعليهم الآن القيام بالإضراب عن الدراسة والامتحانات لأجل غير مسمى، ودعت إلى هجر المقاعد في الجامعات والتوجه إلى الجبال والالتحاق بجيش التحرير قائلة:(أيها الطلبة والمثقفون الجزائريون) إن العالم ينظر إلينا والوطن ينادينا، فإلى حياة العز والبطولة والمجد)، تلك هي دعوة الاتحاد الصريحة إلى الإضراب والهدف منه ومبرراته (2).
(1) المقاومة الجزائرية، 3، 8 ديسبر 1956.
(2)
المجاهد 1، 1956، ص 19 - 20، وقد صدرت في شكل نشرة.
دام الإضراب بالنسبة للجامعيين حوالي سبعة عشر شهرا، وكان قراره قد اتخذ لأسباب سياسية ونفسية وعسكرية، كما لاحظنا، وقد حقق الآن أهدافه، وكانت له نتائج هامة منها الصدمة الاجتماعية والسياسية للطالب والأسرة الجزائرية عامة، ومنها انضمام عدد من الطلبة ذوي الكفاءات العلمية والسياسية والطبية إلى الثورة، والالتحاق بالدراسة في جامعات ومعاهد غير فرنسية مما أدى إلى تنوع الدراسات وتعدد الأفكار عند الطلبة والخروج من الاحتكار العلمي واللغوي الفرنسي، لقد كان على الجبهة (جبهة التحرير الوطني) أن تواجه مشكلة بضع مئات من الجزائريين خارج الوطن، وكذلك معالجة عودة الطلبة الجزائريين إلى الجامعات الفرنسية بعد حل الإضراب.
لماذا أضرب الطلبة؟ وهل حققوا الهدف منه؟ لقد أثار قرار الإضراب جدالا متوترا بين المسؤولين الجزائريين، فمنهم من رآه خطوة إيجابية في الاتجاه الصحيح ومنهم من اعترض عليه ورآه خطوة في الاتجاه الخاطى وأن الخاسر فيه هو الجزائر وثورتها على المدى البعيد، تقول المجاهد إن الطلبة ليسوا ضد التعليم في الجامعات الفرنسية في حد ذاتها، وليسوا ضد العلم والمعرفة، لقد قام الطلبة المسؤولون على الإضراب بإطلاع الطلبة الفرنسيين على ما ارتكبه جيشهم في الجزائر من موبقات وأعمال وحشية تذكر بما فعله (الجستابو) الألماني مع الفرنسيين، كما أفهموهم العقيدة الوطنية والمقاومة من أجلها التي يقوم بها الشعب الجزائري، وهو ما يعرفه الفرنسيون أثناء مقاومتهم للنازية والاحتلال الألماني، كما عقد الطلبة الجزائريون خلال الإضراب ندوات ونظموا محاضرات للتعريف بالثورة، وجمعوا لها التبرعات في العلم الجزائري مما جعل الشرطة تعتقل بعضهم بدعوى أنهم رفعوا علم (الفلاقة).
وفي هذه الأثناء ظهرت في فرنسا جماعات تندد بالمقارنة بين المقاومة الجزائرية والمقاومة الفرنسية، وتيقن الطلبة أنه لا مكان لهم في فرنسا وفي جامعاتها بالخصوص، وأن عليهم أن يضعوا أنفسهم تحت تصرف جبهة التحرير
وأن يقرروا الإضراب غير المحدود، ولا شك أن هذا تبرير واه لاستمرار الإضراب لأن بعض الطلبة استمروا في الدراسة، ولأن السلطات الفرنسية كان يهمها سياسا أن يرجع الطلبة للدراسة، ولكن التحاق العديد من الطلبة بالثورة مباشرة كان أمرا مرغربا فيه من قيادة الثورة نفسها كما قلنا، وكان من أهداف الإضراب زعزعة العلاقة بين الطالب وحالة الجمود التي كان فيها، فكان لابد من تسييسه وإحداث صدمة لديه يستيقظ على صوت الوطن والوطنية.
دخل الطالب صفوف الثورة إما كجندي في الجبال وإما مسؤول سياسي وإما مدرس أو ممرض، وإما دبلوماسي يجوب بلدان العالم للتعريف بقضية بلاده، وهكذا أصبحت القضية معروفة بعد أن قام الطالب بدوره المذكور في الداخل والخارج، وأصبت القضية الجزائرية معروفة على مستوى عالمي، ومنها الكتابات الصحفية عنها في الجرائد الكبرى، وأصبح انتصار الجزائر في حربها على الاستعمار هو انتصار للملايين المضطهدة في العالم والطامحة إلى الحرية والعدالة والديمقراطية، فقد حقق الكفاح بالإضراب أهدافه في النهاية وحان وقت بناء الأساس للمستقبل على العلم والاختصاص ومن ثمة جاء القرار بحل الإضراب في 14 أكتوبر 1957 وعودة الطلبة الجامعيين للدراسة، أما طلبة الثانويات فقد سمح لهم باستئناف الدراسة قبل هذا التاريخ (1).
شارك الطلبة في تدويل القضية الوطنية، وكان للاتحاد موقف واضح من الإيديولوجيات المتصارعة في العالم عندئذ، فقد كان كل منها يريد الاستحواذ على الثورة ونسبتها إليه، فكان شعار الاتحاد أن من هو معنا فهو صديقنا وأن الثورة في حاجة إلى مساندة الجميع، وكانت تعليمات الثورة عدم انضمام الطلبة إلى أي حزب أو تنظيم خارج تنظيم الثورة سواء كان التنظيم جزائريا أو أجنبيا.
(1) المجاهد 11، فاتح نوفمبر 1957، وكذلك المقاومة الجزائرية، 4، 24 ديسمبر، 1956، وتذكر المقاومة أن عددا من الطلبة قد استشهدوا من بينهم عمارة والونيس، وكلاهما من القادة.