الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وكان حسن الحسني قد دخل السجن أيضا خلال الثورة ومع ذلك لم تغب عنه الفكاهة حتى في هذه الظروف العابسة، وقد تحدث الشيخ محمد الصالح بن عتيق في مذكراته عن تمثيل بعض المساجين رواية (تكول، تكول با) التي جرت حوادثها في معتقل (أركول) بضاحية وهران سنة 1957 عند إضراب المعتقلين عن الطعام، فجاءت إدارة السجن وأرغمتهم على تناول الطعام بإدخال قطع الخبز في أفواههم قسرا:(تأكل أو لا تأكل؟)، وقد تقلد بوبقرة شخصية الرائد (دوفير) الذي كان يقوم بدور إرغامهم على تناول الطعام.
ومنها رواية (كردافو = استعدوا) التي تعني أداء التحية العسكرية والتي جرت حوادثها في يونيو 1959 عندما فرضت الإدارة على المساجين أداء التحية للجنود الفرنسيين، فتارة يقال لهم: استعدوا وتارة استريحوا، فحدثت فوضى لدى غير المدربين، وقد مثل بوبقرة هذا الدور مع آخرين، فكان هؤلاء يعزفون الموسيقى على طريقتهم (1).
المسرح الثوري:
والذي يرجع إلى أعداد المجاهد سيلاحظ اهتمامها بالنشاط المسرحي من عرض وتمثيل وموضوع، فكانت تتابع نشاط الفرقة الفنية الجزائرية، وتبدي ملاحظاتها على تنقل أعضاء الفرقة بين البلاد العربية وأوروبا، وقد تحدثت عن مسرحية جديدة عنوانها (الخالدون) على أنها ستمثل يومي 12، 24 أبريل 1960 من قبل الفرقة الفنية الجزائرية على المسرح البلدي في تونس، وتتألف المسرحية من أربعة فصول، وهي من عمل الجزائريين، وأنها تعكس المظاهر المختلفة للمعركة في الجزائر ضد القوات الفرنسية الغازية، وتصور الثوار في علاقتهم بالشعب ومعاناتهم وآمالهم ومشاكلهم، وتنبأت الجريدة للمسرحية بالنجاح لأنها تأتي بعد مسرحية أبناء القصبة.
(1) ابن عتيق، ص 158.
ومن رأيها أن (الخالدون) ستعجب الجمهور الذي أعجب بتمثيل (أبناء القصبة)، وأن (الخالدون) تمثل ما سجله أبطال الكفاح في الجزائر من تضحيات جسام في سبيل بلوغ الهدف المنشود وهو الحرية والسيادة الوطنية (1).
لكن يلاحظ أن الجريدة لم ترجع إلى موضوع (الخالدون)، فهل مثلت فعلا؟ إن الإعلان عنها يمثل صورة لعنوان المسرحية، وتمثل الصورة المسرح البلدي التونسي من الأعلى، وفي الوسط تظهر الفرقة الفنية الجزائرية، وفي الأسفل عنوان (الخالدون)، ثم في الأعلى على اليمين رقم 12 وعلى اليسار رقم 24، وهما التاريخان اللذان ستمثل خلالها المسرحية وفي نهاية الإعلان وبخط صغير عبارة: إخراج مصطفى كاتب وتأليف عبد الحليم رايس.
لكن عناية إعلام الثورة بالمسرح لم يتوقف عند: الخالدون وأبناء القصبة
…
فقد أصدر حسين بوزاهر كتابا/ مسرحية في باريس بعنوان (أصوات من القصبة)، وهو في الواقع يتألف من مسرحيتين، وبوزاهر هذا قدمته المجاهد على أنه شاب مناضل في صفوف جبهة التحرير، وقد اعتبر المؤلف المسرح سلاحا، وعملا نضاليا - حسبما نقله عن اليونانيين - ولكن الشاعر لا يعوض الشعب، والشعب يحب أن يسمع صوته في الشاعر، وهو ما جاء به هذا الكتاب، ويروي صاحبه أنه في 13 مارس اعتقل الفرنسيون حوالي مائة من القرويين بالقرب من جزيرة يسر ورموا بهم في كهف ثم قتلوهم خنقا، ولكن الفرنسيين لا يمكنهم القبض على الشمس
…
إن الجريدة قدمت عرضا وافيا للمسرحيتين على لسان الممثلين، وتنتهي المسرحية بلحن وطني عظيم يردده الممثلون والمشاهدون معا (2).
إذا كانت أبناء القصية التي مثلت سنة 1959 قد (قدمت بأمانة وحيوية
(1) المجاهد / بالفرنسية 62، 31 مارس، 1962، وكذلك المجاهد / العربية 65، 7 أبريل، 1960.
(2)
انظر المجاهد / بالفرنسية، 77، 29، يناير، 1961.
صورا من المرحلة الأولى للثورة) عند انتشارها في المدن بعد أن تغلبت على قوى الشر في الأرياف، فإن مسرحية (دم الأحرار) قد عكست مرحلة أخرى من الثورة، ونقلتها إلى الريف حيث تجري حوادثها، ولكن موضوعها ليس هو الريف فهي ترجع إلى ما بعد مارس 1959 إذ تشير إلى خط (شال) حيث تجري أحداث الرواية، لذلك فموضوعها ليس هو الشعب الذي يفترض فيه أنه أصبح كله إلى جانب الثورة، لكنه هو المجند الجزائري، ذلك أن الاستعمار يحاول أن يستعمل المجندين ضد الثورة، بينما الثورة تحاول تجنيدهم وكسبهم إلى جانبها، وهنا يصبح الصراع صراع المجند مع نفسه، صراعا ذاتيا، وقد نجح الممثلون في تجسيد هذا الموقف، وكانت الرواية محبوكة، ولها عقدة قوية وتتمتع بنفس المفاجأة التي مثلتها مسرحية أبناء القصبة، إن (دم الأحرار) هنا ليس دم التضحية الذي يسيل عند الكفاح، ولكنه دم الأجداد الذين هزموا، وظلوا يتطلعون إلى يوم الانتقام والثورة.
وقد تابع الجمهور - حسب الجريدة - مسرحية (دم الأحرار) بشغف متأثرا بمناظر التعذيب، وقامت الفرقة الفنية الجزائرية بتمثيل المسرحية فأحسنت التمثيل، وهنأت الجريدة الفرقة، ولا سيما مصطفى كاتب الذي أبدع في دوره، كما قالت، كما أجاد المؤلف موضوعه الدقيق وحوادثه المثيرة.
وقد مثلت دم الأحرار يومي 29، و 31 ديسمبر 1961 على المسرح البلدي التونسي أيضا، فبعد أبناء القصبة سنة 1959، والخالدون سنة 1960، جائت دم الأحرار لتنتهي بها سنة 1961، في محاولة مسرحية جديدة مستوحاة من معركة التضحية والوطنية (1).
ويبدو أن السلطات الاستعمارية قد كشفت النشاط الفني الشعبي للتغطية على ما يقوم به
(1) المجاهد، 112، 8 يناير، 1962، والمجاهد / بالفرنسية 89، 16 يناير، 1962، انظر أيضا تاريخ الصحافة في الجزائر للزبير سيف الإسلام، الجزائر، 1982، ج 2؟