الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الجزائر التي كانت تنطلق من العواصم العربية وأتاحت لهم تسجيل ألحانهم وأغانيهم وأناشيدهم على اسطوانات لترويجها.
وفي الجزائر استمرت عدة أجواق في أداء دورها الموسيقي منها جوق الحاج العربي بن صاري الذي كان يقدم حفلات في التلفزيون، وتحدثت الصحافة عن جوق شعبي كان يديره الشاب محمد الطاهر (؟) قال عنه أحد الكتاب إنه (أطربهم بألحانه الواردة وبموسيقاه العصرية التي نستطيع أن نفاخر بها أية موسيقى شرقية)(1).
وظهر جوق بقيادة الصادق البجائي، وآخر بقيادة عبد الكريم دالي، وكاد يصبح لكل مطرب معروف جوق يحمل اسمه، مثل محمد العنقاء ومحمد فخارجي وأحمد خليفي، كما ظهرت فرقة باسم (حفلة الوالعين) كان يشترك فيها هواة الفن والغناء والطرب أمثال رابح درياسة الذي كان يؤلف لها الأغاني أيضا، وازداد اسم عبد الرحمن عزيز شهرة فألف أيضا فرقة للفن العصري، ويمكننا أن نواصل ذكر الفرق والأجواق التي كان عمرها يطول أو يقصر، وقد ترتفع بالفن وقد تهبط به (2).
آراء في الموسيقى
نشير في البداية إلى رأي غريب يعود بالطالع في الموسيقى إلى عهد بعيد. عهد بني هلال، وقد جاء رأيه في مراسلة من مجهول بعث بها من تقرت أحد المتذوقين أو المطلعين على تطور الموسيقى، فقد لاحظ هذا المراسل أن الموسيقى والشعر الملحون في تلمسان وقسنطينة، وأن أصل الغناء الحوزي والعروبي
…
أو ما أسماه بالصياح أو الطالع في الموسيقى إنما هو مصري الأصل ورد إلى الجزائر مع بني هلال عبر تونس، ولكن هذا المراسل ربما لم
(1) هنا الجزائر 75، أبريل 1959، مع صورة، وكذلك نفس المرجع 87، مايو 1960.
(2)
هنا الجزائر 72، يناير 1959.
يعرف أن بني هلال ليسوا مصريين وإنما عبروا مصر فقط (1).
كان الفنان التونسي قدور الصرارفي يتعاون في الجزائر مع فرقة الفن العربي بقيادة محيي الدين باش تارزي، وقد أدلى بتصريح إلى جريدة (تونس سوار) قارن فيه الوضع الفني في الجزائر بالوضع الفني في تونس، بعد أن قضى في الجزائر ثلاث سنوات، فنوه بالنهضة الفنية فيها وبتأثيرها على النهضة الفنية في شمال إفريقيا، وصنف الفن الجزائري ثلاثة أصناف أو أقسام:
1 -
الكلاسيكي الذي تقدره - كما قال - إذاعة الجزائر تقديرا خاصا لكي يبلغ درجة عالية، وهو يقصد به الأندلسي أو الموسيقى العربية القديمة.
2 -
المحلي (الشعبي؟)، وهو في نظره الصنف الوحيد الذي يحرز على تقدير جميع الطبقات، ويمثل الطابع الوطني الجزائري سواء كان يعتمد الأسلوب القديم أو الحديث، وهو في نظره يسير نحو التطور، ولا ندري كيف وصل الصرارفي إلى هذا القرار، مع أن الشعبي خاص بالعاصمة، بل بفئة ربما بفئة واحدة من أهل العاصمة وليس له طابع (وطني) يرضى جميع الطبقات والأذواق عبر القطر الجزائري.
3 -
العصري، وله مكانته أيضا في المجتمع، ولا تعني كلمة العصري أن أصحابه يعتمدون الموسيقى الغربية أو المقلدة، وأفضل أنواعه عنده هو الممزوج بالطابع الوطني.
ولم يخبرنا الصرارفي عن قادة كل صنف وموضوعاته، فهل كل هذه الأصناف من النوع (المحلي) أو الجهوي؟ والملاحظ أن الصرارفي قد أشاد بدور الإذاعة الجزائرية (الفرنسية) في تشجيع الفن والارتفاع به إلى المستوى الذي يحصنه من السرقات أو الاقتباس والتقليد، وهو يفضل برامج إذاعة الجزائر على برامج إذاعة تونس، لأن إذاعة الجزائر تتعاون مع فرقة المسرح
(1) هنا الجزائر 71، ص 14.
العربي التي يديرها باش تارزي (عميد النهضة الفنية)، حسب تعبيره (1).
رأينا في محتوى أحد أعداد (هنا الجزائر) مقالة بعنوان (الموسيقى بين الأداء والتسجيل) فأغرانا الموضوع بالقراءة لنعرف مدى تقدم فن الموسيقى، ولكننا للأسف وجدنا المقالة مقتطعة وليس لها اسم لكاتب، ولم ننجح في الاطلاع على المقالة المفقودة (2).
لكن الكاتب الذي درس الموسيقى الأندلسية دراسة وافية من موقع المختص والمثقف هو سفير البودالي الذي زود مجلة هنا الجزائر وغيرها بمقالات قيمة عن هذا الفن، وقد تعرفنا عليه سنة 1967 حين سافرنا معا على نفس الطائرة إلى قسنطينة لنسهم في النشاط الثقافي في هذه المدينة، وقد لاحظنا عليه التواضع وحب التأمل وقلة الكلام، وكان فيما بدا لي عميق الثقافة، وسنتتبع هنا بعض نشاطه وآثاره، من ذلك ما كتبه عن الموسيقى العربية في مجلة (الوثائق الجزائرية) الصادرة بالفرنسية عن الولاية العامة (3).
بعد وقوع زلزال الأصنام سنة 1954، توجهت الفرقة الفنية الجزائرية إلى فرنسا بقيادة مديرها باش تارزي لتحيي حفلة تجمع خلالها التبرعات للمنكوبين، قدمت الفرقة حفلات شارك فيها جيش من الفنانين قوامه تسعون فنانا، ركب هؤلاء ثلاث طائرات عسكرية حملتهم إلى العاصمة الفرنسية التي وصلوها بعد أربع ساعات، وبعد الاحتفاء بهم في المطار (لوبورجي) توجهوا إلى مسجد باريس حيث تناولوا الغداء، ثم توجهوا إلى الفندق الذي سكنوه مجانا مشاركة من أصحابه في التبرع، كان ذلك في أول نوفمبر 1954، ويالها من مصادفة! فقد ثارت الجزائر في غياب فنانيها.
(1) هنا الجزائر 39، أكتوبر 1955.
(2)
هنا الجزائر 75، أبريل 1959، ص 53.
(3)
هنا الجزائر 89، يوليو 1960، كما أخذتها من الوثاتق الجزائرية (Documents Algériens)، السلسلة الثفافية، من الفنون، 36، 20 جوان 1949.
وفي الثاني من الشهر انتقلوا إلى دار الأوبرا ليشرعوا في التدريبات، وكان قد رافقهم الطاهر بوشوشي رئيس تحرير مجلة هنا الجزائر، ذهب بعضهم إلى نادي الأدباء والكتاب ولعل بوشوشي والبودالي كانا منهم فكلاهما من الأدباء البارزين، ومن الذين حضروا الحفل الرئيسي بدار الأوبرا رئيس الجمهورية ووزير الداخلية (ميتران) وغيرهما، وقد رفع الستار على منظر من ألف ليلة وليلة يتصدره هارون الرشيد في مجلس أنس وشراب .. وهو محاط بالجواري والشعراء والمطربين
…
ذلك هو الشرق وتلك هي الجزائر الشرقية في عرف الفرنسيين، وفي هذه اللحظة تقدم سفير البودالي، بصفته مديرا للقسم العربي في الإذاعة الجزائرية (الفرنسية) وألقى كلمة شكر فيها لجنة الاحتفال، وأشاد بالفن الجزائري في ظل البنادق المشرعة
…
وبعد ذلك بدأ التمثيل.
كانت هناك ترجمة مرافقة تساعد المتفرجين على فهم ما يجري، وكان البودالي نفسه يقوم بشرح مختصر باللغة الفرنسية، وقد مثل مصطفى كاتب دور الخليفة هارون الرشيد، ومن بطانته الفكاهي محمد التوري، وقامت بعض الفتيات بدور الجواري المغنيات، أما المنشدون فكان منهم عبد الرحمن عزيز ومحمد فؤاد ومحمد بن يحيى، وكان الجوق الفني يتكون من 32 عازفا بإدارة مصطفى اسكندراني، وفي لحظة سريعة مفاجئة دخل بوعلام تيتيش وفرقته وهي تضرب الطبل وتصدح بالزرنة، فاستقبلتهم الجواري بالزغاريد.
لقد كان منظرا مؤثرا هذا الذي يجري على مسرح الأوبرا بباريس، وكان إعجاب الحاضرين واضحا من التصفيق وتتبع تفاصيل الحدث والموسيقى والمكونات الأخرى لهذه اللوحة الفنية، وختمت الفنانة هاجر المشهد برقصة الموت (؟)، وكان مصطفى بديع هو صاحب هذا السيناريو الذي يدل على موهبة بارعه، بينما قام البودالي بتفسير السيناريو للجمهور، أما الإخراج فقد قام به الحبيب رضا بمساعدة مصطفى بديع، هذا هو محتوى القسم العربي من الحفل الذي جاء، فيما يبدو، في غير زمنه.