الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اجتماع المكتب التنفيذي للجنة الثقافية لمؤتمر دول الدار البيضاء، وهو الاجتماع الذي انعقد في القاهرة وحضره عن الجزائر أحمد توفيق المدني بصفته المندوب الدائم لدى الجامعة العربية، وعبد القادر بن قاسي، وأرزقي صالحي، وقد قدم توفيق المدني تقريرا مفصلا من خمس صفحات عما جرى في الاجتماع الذي انعقد بين 20 و 23 مارس 1962، أي فترة توقيع اتفاقيات إيفيان، ولذلك تحدث التقرير عن تهنئة الوفود العربية والافريقية لوفد الجزائر بنجاح المفاوضات المفضية إلى الاستقلال، ومن التوصيات التي حملها الوفد تقديم الحكومة المؤقتة خلال أيام مذكرة عن الطلبة الجزائريين والحاجة المالية لدراستهم لسنة 1962 - 1963، وكانت مهمة اللجنة المذكورة هي تنسيق البرامج والنظر في المعادلات، والتعاون الثقافي والعلمي والفني والإداري بين الدول الموقعة على اتفاقيات اجتماع دول الدار البيضاء (1).
وهكذا نرى أن المؤتمرات والندوات وأمثالها كانت وسائل إعلامية فعالة استفادت منها جبهة التحرير لتبليغ صوت الثورة، وهذه الأنشطة كانت لا تقل فعالية عن الصحف والإذاعة والنشرات والفرق الفنية والمسرحية والرياضة التي احتضنت الثورة أيضا وحملت أفكارها إلى الجماهير في العالم العربي والدولي.
الفريق الوطني لكرة القدم
عقب تأليف الحكومة المؤقتة تكون فريق رياضي وطني لكرة القدم، وقد وجد في تأليفه وتدريبه وتنقلاته عناء كبيرا، وسبب للحكومة عناء أيضا ولكن فصل اللاعبين الجزائريين عن الفرق الفرنسية وإنشاء فريق يلعب تحت العلم الوطني الجزائري في الملاعب الدولية كان انتصارا كبيرا للثورة على المستوى الإعلامي ثم على المستوى المالي أيضا.
جاء في تقرير مرقون بالفرنسية ومكتوب في فاتح سنة 1959 أن الفريق
(1) الارشيف الوطني، علبة 38.
الرياضي الجزائري واجه مشاكل منذ تكوينه في تونس، أبرزها موقف (الفيفا) من أعضائه ومسألة شراء الأعضاء من الفرق التي يلعبون فيها، مذكرا بأن معاقبة الفريق المغربي على لعبه مع الفريق الجزائري ما تزال ماثلة للعيان، ولذلك أرسلت الخارجية الجزائرية جمال دردور ليفاوض عن الفريق الجزائري مع الفرق الفرنسية، وقد تقدم دردور قي مفاوضاته ولكن أسبابا عائلية جعلته يعود إلى تونس قبل إتمام الصفقة.
كما أن تبعية الفريق كانت محل شد وجذب بين الوزارات، فالداخلية قالت إن تبعية الفريق الرياضي ترجع إليها مثل الفرقة المسرحية التي كانت بصدد التكوين والتي اعتبرتها الوزارة من اختصاصها، ولاحظ التقرير أن (الفيفا) تستعمل حق (الفيتو) إذا أراد الفريق الجزائري اللعب مع فرق أخرى، لذلك أصبح أعضاء الفريق يعانون الإحباط والبطالة حتى لقد فكر بعضهم في التخلي عن الجبهة وفريقها، وقد لاحظ التقرير أن شراء أعضاء الفريق أصبح أمرا محتما وأن هذه العملية تكلف حوالي مائة مليون فرنك كحد أقصى، وهو مبلغ يمكن استعادته بسهولة قياسا على مقابلة المغرب التي جلبت حوالي اثني عشر مليونا (1).
كما أن الجهة التي من حقها إيرادات الفريق الرياضي كانت محل خلاف. فوزارة المالية الجزائرية اقترحت ضرورة صب إيرادات الفريق الرياضي في حسابها في البنك العربي المحلي لاستعمال المال بالعملة المحلية، وقد بررت ذلك بأن نقل النقود من بلد إلى آخر يشكل مغامرة، كما أن تحويل النقود من عملة إلى أخرى يترتب عليه خسازة فروق العملة، ومن الملاحظ أن رسالة وزارة المالية قد سلمت إلى الشيخ محمد الغسيري لكي يوزعها على المكاتب العربية، هذه الرسالة أو المذكرة كانت صادرة من وزير المالية أحمد فرنسيس. وفي أدناها ذكر أنها مترجمة من العربية وموجهة إلى رئيس الوزراء والداخلية
(1) الأرشيف الوطني، علبة 21 - 50 من تقرير بدون توقيع تاريخه 5 يناير سنة 1959.
والخارجية، مع نسخة للاحتفاظ بها في الأرشيف (1).
وهناك رسالة أخرى بخصوص الفريق الرياضي أيضا وهي صادرة هذه المرة من وزارة الخارجية إلى وزارة الداخلية لتخبرها أن مستشار سفارة الصين بالقاهرة أبدى استعداد بلاده لاستقبال الفريق الجزائري الرياضي في الصين لمدة شهر، وأن المستشار يرغب في مقابلة الداخلية لمناقشة سفر الفريق إلى الصين، ورسالة الخارجية موقعة من بوقادوم (2).
ولا ندري كيف تمت المفاوضابت بين الطرفين حول السفر إلى الصين. أما الذي حصل فعلا فهو سفر الفريق إلى الصين وإجراؤه عدة مقابلات مع فرقها، لقد غادر الفريق تونس يوم 8 أكتوبر 1959 متوجها إلى الصين الشعبية بدعوة من الفريق الرياضي الصيني، وبعد توقف في طرابلس حيث أجرى مقابلة كروية مع الفريق الليبي، واصل سفره إلى بيكين عبر القاهرة وموسكو، وقد وصل إلى الصين يوم الخامس عشر من أكتوبر، وقام بعدة مقابلات نجح في بعضها وخسر في أخرى، حسب جريدة المجاهد، وفي هذه الأثناء شارك الفريق في (طريق الصداقة الصيني - الجزائري)، وفي الخامس من نوفمبر سافر أعضاء الفريق إلى الفيتنام الشمالية حيث أجرى عدة مقابلات وأقام في البلاد إلى 25 نوفمبر (3).
وفي ربيع 1959 قام الفريق الرياضي المؤلف الآن من 21 عضوا تحت مسؤولية الدراجي زغلاش، بسلسلة من المقابلات الكروية في سبع دول من أوروبا الشرقية هي: بلغاريا، رومانيا، روسيا (الاتحاد السوفياتي)، بولندا، ألمانيا الشرقية، تشيكوسلوفاكيا، المجر، وفي مراسلة من الأمين العام للفيدرالية التي تضم الديموقراطيات الشعبية جدول عملي للفريق بحيث يقيم في
(1) الأرشف الوطني علبة 20 - 50، والرسالة بتاريخ 15 فبراير 1959.
(2)
الأرشف الوطني علبة 21 - 50، والرسالة صادرة من القاهرة بتاريخ 20 أبريل 1959.
(3)
المجاهد - بالفرنسية - 5 يناير، 1960.
كل بلد مدة محددة تصل في الغالب إلى عشرة أيام تبدأ من نهاية أبريل وتنتهي في 25 يوليو، وكان بإمكان الفريق أن يلعب مقابلتين أو ثلاثة خلال المدة المحددة له في كل بلد، كما يمكنه الاتصال بمنظمات الشباب والعمال من أجل الدعاية لنضال الشعب الجزائري، وقد نصت المراسلة على أن الفريق سيتوجه بعد الجولات الرياضية المذكورة إلى فيينا للمشاركة في المهرجان السابع الدولي للشباب.
قامت الفيدرالية بإرسال التذاكر إلى عبد السلام بلعيد في القاهرة، وقد جاء في المراسلة أن البلد المضيف للفريق سيتولى تذاكر السفر والإقامة والغذاء وكذلك مصروف الجيب، إضافة إلى تأشيرة دخول، ووعدت الرسالة أيضا بتوفير مساعدة مادية للشعب الجزائري (1).
وكان على الفريق أن يمر بالقاهرة ليسافر منها إلى أوروبا الشرقية - ولكي يحصل على تأشيرة لدخول القاهرة استنجدت الخارجية الجزائرية بالسيد فتحي الديب لتسهيل مهمة الفريق الذي كان ينتظر التأشيرة في ليبيا، ويبدو أن التأشيرة المنتظرة كانت للعبور فقط، وجاء في مراسلة الخارجية الجزائرية أن هناك مدة ضرورية لمثل هذه الحالة وأن الفريق قد اتفق مع عدة أندية في أوروبا الشرقية (2).
لقد تكون الفريق في ربيع سنة 1958 (قبل تكوين الحكومة المؤقتة) حين انسحب حوالي ثلاثين جزائريا من النوادي الرياضية الفرنسية فسببوا بذلك إرباكا لتلك النوادي التي كانت تستعد لمباريات دولية هامة في صيف ذلك العام، وكان صدى هذا الانسحاب كبيرا في عالم الرياضيين والسياسيين، وكانت
(1) الأرشيف الوطني، علبة 21 - 50، وتاريخ الرسالة هو 23 أبريل 1959، وهي موقعة من كريستيان إيشار Christian Eshard .
(2)
الأرشيف الوطني، علبة 21 - 50، والرسالة مكتوبة بالعربية من بوقادوم ومؤرخة في 28 أبريل 1958.
المجاهد تطلق على الفريق اسم (فريق جيش التحرير لكرة القدم)، وقد نشرت صورة لمن وصل من أعضائه إلى تونس، وقالت إن الفريق يعتزم القيام بدورات أخوية و (التعرف والتصادق مع شباب العرب الأشقاء)، وكان عنوان مقالة المجاهد هو (فريق الجيش لكرة القدم يزور الأقطار الشقيقة، وبلفتة إعلامية ذكية أخبرت أن اللاعبين قدموا من أرض الوطن، وما داموا سيتطلقون من تونس إلى ليبيا فإن الجالية الليبية والغارة الليبية في تونس قد أقامت للفريق حفلات تكريمية، وكان يصحب الفريق مدربه السعيد صالح والمسؤول الإداري أحمد معاش، وأضافت المجاهد أن (كل لاعب كان مجاهدا في جيش التحرير الوطني).
وفي رسالة موقعة من الدكتور الأمين دباغين مسؤول الشؤون الخارجية في قاعدة تونس أن عدد الأعضاء الذين التحقوا بتونس حتى تاريخ 12 يوليو 1958 هم أحد عشر لاعبا فقط بينما يلزم بين أربعة وخمسة احتياطيين، لذلك اقترحوا إرسال رسالة إلى اتحادية فرنسا لتجنيد لاعبين أكفاء وتوجيههم إلى تونس في أقرب وقت، وحثت الرسالة على الكفاءة والسرعة في تكوين الفريق لأنه سيلعب قريبا مباراة دولية، وبرفقة هذه الرسالة توجد مذكرة مرسلة إلى اتحادية فرنسا تضمن أسماء الفريق الموجود في تونس (1).
وصفت المجاهد ما حل بالملاعب عندما لعب الفريق الرياضي الجزائري في البلاد العربية، وركزت على ما حدث في بغداد خاصة، فقالت إن الشخصيات السامية كانت تجلس في الصفوف الأمامية حيث تصف الكراسي الشرفية في مختلف الملاعب العربية، وكل مباراة كانت تحول إلى مظاهرة، كما حدث في بغداد حين خرج الجمهور يهتف بحياة الجزائر وثورتها.
كان الفريق الوطني يدخل الملعب في ظل العلم الوطني، وهو يردد نشيد (جزائرنا يا بلاد الجدود)، وقد حدث في بغداد أن دخل الجمهور الملعب قبل
(1) الأرشيف الوطني، علبة 3.
انتهاء المباراة وحملوا أفراد الفريق على الأكتاف، ولاحظت المجاهد أنه في كل المباريات كان الجمهور عادة يهتف للفريق المحلي أما بالنسبة للفريق الجزائري فإن الجمهور كان يهتف للفريق الضيف، وقد أجرى الفريق عدة مباريات في ليبيا وتونس والمغرب ومصر وسوريا والعراق، وأذكر أنني حضرت شيخصيا إحداها في القاهرة، والتقيت عندئذ بالشاعر أحمد معاش الذي كان مسؤولا إداريا على الفريق، وكان الفريق يقيم في فندق (ناسيونال) وسط القاهرة (1).
وعلقت المجاهد على مدى أثر اختفاء أشهر اللاعبين الجزائريين على النوادي الفرنسية، فقالت إنها عانت صدمة عنيفة خصوصا وأنها كانت تستعد لمباراة عالمية يوم 16 أبريل من نفس العام، كما قالت إن خروج ثلاثة وثلاثين لاعبا من فرنسا وقرارهم عدم اللعب في النوادي الفرنسية كان له وقع الصاعقة (2).
لقد اهتمت الثورة بالرياضة لا باعتبارها فنا من فنون الحرب فقط ولكن باعتبارها وسيلة من وسائل الإعلام زمن الحرب أيضا، ولذلك جندت فريقا كاملا من الرياضيين، كان هذا الفريق يرفع شعارات جبهة وجيش التحرير ويحمل العلم الوطني وينشد الأناشيد في الملاعب ويصرح للصحافة الدولية تصريحات معادية للاستعمار ولصالح استقلال الجزائر أسوة بكل الشعوب، كما كان الفريق قد سبب إحراجا للفرق الفرنسية التي كانت تعتمد على العناصر الجزائرية في اللعب في صنوفها، ومن جهة أخرى كان الفريق مصدرا من مصادر الدخل المالي للحكومة المؤقتة، كما سبقت الإشارة. يروي الشيخ محمد الصالح بن عتيق في مذكراته أنهم في السجون كانوا يتعلمون كل ما يفيد من بعضعهم البعض، بما في ذلك كرة القدم والمصارعة اليابانية، فهذا عبد الرحمن يبرير وهو من سكان العاصمة، كان يعلمهم في
(1) المجاهد، 15 مارس 1959.
(2)
المجاهد، 15 أبرل 1958.