الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
على أغلبها وضمت أوقافها إلى أملاك الدولة، وهكذا لم يبق في العاصمة مثلا سوى ستة مساجد بينما اختفى الباقي (وكان عددها الإجمالي عند الاحتلال يفوق المائة)، وكانت هناك رقابة دائمة على كل المساجد خوفا من أن تكون بؤرة لأفكار وطنية معادية للسلطة الفرنسية (1).
وفي كل ولاية (وهي ثلاث) كان هناك مفت معين من قبل مصلحة الشؤون الأهلية في الإدارة الفرنسية، كما كان الشيخ إبراهيم بيوض في بني ميزاب هو صاحب السلطة الروحية المعترف بها رسميا رغم أنه كان غير معين من الفرنسيين وإنما انتخبته المجالس المحلية.
الزوايا والتعليم والمحافظة على السند
الزوايا مؤسسات دينية وتعليمية معترف بها، فهي بيوت للعبادة والعلم واستقبال الغرباء، وكثير منها كان يقوم بالتعليم وإقراء القرآن، ومعظم الزوايا التي كانت تقوم بهذا الدور كانت في الأرياف والمناطق النائية، وهي التي كانت تقدم الغذاء الروحي للشعب أمام الجفاف الذي عانت منه التربية والتعليم طبقا للثقافة العربية الإسلامية، وهي التي حافظت على مصادر التراث الوطني كالمخطوطات، وكانت تستقبل أفواج التلاميذ الذين لم يجدوا مكانا لهم في المدارس الأهلية (فرنكو - ميزولمان) أو الذين لم يرغب آباؤهم في إرسالهم إلى هذه المدارس، أما الغذاء الروحي المحض فقد كانت الزوايا تقوم به باستقبال (المقدمين) والمريدين وإنشاد الأذكار وإقامة الحضرة و (الزردات)(الولائم) التي هي تجمعات للتعارف والإعلام والتجنيد والتمويل، كما كانت الزوايا تقوم
(1) عن المساجد الباقية إلى وقت الثورة في العاصمة انظر مقالة السيد زهير في مجلة هنا الجزائر، عدد 35، مايو، 1955 وهي مقالة بالعربية والفرنسية استعرض فيها سيرة وصور المساجد الستة الباقية، أما عن مساجد قسنطينة فانظر كتاب المهدي بن شغيب: أم الحواضر في الماضي والحاضر، عن تفصيل الشؤون الإسلامية زمن الثورة، انظر لاحقا.
بدور اجتماعي هام وهو الإصلاح بين الناس والمحافظة على الاستقرار الذي هو شيء أساسي للسلم الاجتماعي والإنتاج الاقتصادي، وقد صدق من أسماها (حراس الظل) لأنها حافظت على الهوية والثقافة الوطنية دون ضجيج ولا ادعاء (1).
حقيقة أن الفرنسيين حاولوا توظيف الزاوية لتحقيق مآرب سياسية خاصة بهم، ولكن الزاوية كانت أيضا تستفيد منهم المحافظة على دورها الاجتماعي والعلمي والاقتصادي، وقد بقيت الزوايا مؤسسات فاعلة طيلة عهد الثورة ولعب بعضها دورا إيجابيا لصالح الثورة رجعت به إلى سالف عهدها في المقاومة، ولذلك عانت التخريب والاضطهاد، واضطر بعض زعمائها إلى الاغتراب وانضم مريدوها إلى الثورة وأبلوا فيها البلاء الحسن (2).
كان لبعض الزوايا دور بارز في الحفاظ على سند القراءات، والمقصود بالسند هنا سلسلة الرواة المتصلة بالحفظ والتواتر إلى القارى الأول وكيفية النطق بالحروف والآيات، أي تجويد القرآن الكريم بقراءة مخصوصة، (انظر لاحقا) فقد حافظت زوايا القبائل وزاوية الهامل وزاوية طولقة وبعض الزوايا في غرب البلاد على التعليم القرآني والعلوم الدينية واللغوية والتاريخ، وهناك زوايا لها سجلات ومدونات واكتسبت شهرة واسعة بين الناس تسير بها الركبان دون سجلات ولا مدونات.
وقد قام محمد السعيد أبوزار بدراسة مفيدة عن أحوال الزوايا في القبائل، وهي زوايا معظمها ترجع إلى الطريقة الرحمانية التي اشتهرت بالعلم والمقاومة، فدرس أحوال زاوية سيدي منصور وزاوية عبد الرحمن اليلولي وغيرهما، كما درس السند الذي اشتهرت به القبائل في القراءات وقواعد تجويد القرآن الكريم.
(1) الصادق هجرس في الثقافة والاستقلال والثورة في الجزائر، باريس/ الجزائر، 1980 ص 17.
(2)
حول دور الزوايا أنظر لاحقا.
يقول الشيخ أبوزار إن على طالب العلم أن يصحب معه قلما ودواة ودفترا يسجل فيه شهادات شيوخه له بالحضور في الدرس الذي تلقاه مع زملائه عن شيوخهم مع ذكر اسم كل منهم، والمراد بالسند هنا هو سد تجويد القرآن أو فن الرواية، وهو من أهم العلوم التي عني بها علماء القراءات، وأكمل سند عثر عليه الشيخ أبوزار هو سند الشيخ أبي القاسم البوجليلي.
فقد ذكر الشيخ البوجليلي نفسه في كتابه (التبصرة في القراءات العشر) أن سند قراءته يبدأ بافتتاحه قراءة القرآن على والده ثم على الشيخ العربي بن الجودي الأخداشي اليتورغي بزاوية سيدي عبد الرحمن اليلولي سنة 1261 هجرية، ثم على الشيخ الطاهر الجنادي، وقد أخذ الجنادي روايته على الشيخ ابن صالح الوزقاني كما أخذ اليراتني عن الشيخ محمد بن يحيى اليراتني بالزاوية اليلولية، وعن محمد بن علي ابن مالك التقابي المتوفى سنة 1282، وقد أخذ اليراتني عن الشيخ محمد بن سبع، وهو عن الشيخ عبد الله بن خراط المتوفى سنة 1265، وأخذ ابن خراط وابن يذير اليعلاوي وابن تريغت عن ابن قري عن محمد بن عنتر من أولاد علي حرزون، عرش أولاد علي حرزون، عرش أولاد بترون.
ونسخ ابن عنتر بيده تسعا وتسعين نسخة من المصحف الشريف ولكنه لم يكمل المائة، ووزعها على مختلف الأماكن، وتميزت نساخته للقرآن بجمال الخط ودقة النقل وصحة الرسم، واجتهد أن تكون النسخة الأخيرة هي المرجع، ولكنه توفي قبل إتمامها، وأخذ هو عن شيخه عبد الرحمن اليلولي، وتوفي سنة 1105 ودفن ابن عنتر بجوار شييخه اليلولي، وأخذ اليلولي عن شيخه سيدي محمد السعدي دفين غابة مزانة بين دلس وتيقزرت، وهو عن شيخه عبد الرحمن ابن القاضي الفاسي شارح درر ابن بري، وهو عن شيخه عبد الواحد بن عاشر، شارح منظومة مورد الظمآن في رسم القرآن (1).
(1) هنا الجزائر 53، فبراير، 1953.