الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فرنسا فيها ضد الشعب الجزائري، ولم تكتف المجاهد بهذا الخبر بل وجهت نص المذكرة (إلى الطلاب العرب) ودعتهم إلى أن يقوموا من جانبهم بما قام به اتحاد طلبة الجزائر من مراسلة اتحادات الطلاب في البلدان المنضوية تحت لواء الحلف الأطلسي (1).
المنح والاتحاد والجبهة
وفي نطاق هذا الاستعداد كانت الجهة ترسل فعلا بعثات طلابية دراسية وعسكرية إلى مختلف البلدان والجامعات، وليس بالضرورة لتلقي المبادى الشيوعية أو الماركسية، صحيح أن بعض البعثات توجهت في معظمها (عدا البلاد العربية) إلى ما كان يعرف بالدول الاشتراكية، وكانت هذه الدول تقوم (بأدلجة) الطلبة الجزائريين (وبعضهم انسحب من هذه البلدان هروبا من هذه الوجبات الإيديولوجية الدسمة)، وقد توجه آخرون إلى دول غربية، ومنها أمريكا، زعيمة العالم الحر عندئذ والتي لا مجال فيها للشيوعية أو الماركسية، ولكن التخويف من هذا البعبع كان قائما في الإعلام الغربي ضد الثورة الجزائرية، من الشارع إلى هيئة الأمم المتحدة والحلف الأطلسي، وهي دعاية مكشوفة سرعان ما سقط عنها القناع وتبين للناس جميعا أن الثورة كانت للتحرر من الاستعمار وليس لإقامة صرح لماركس أو لينين أو لليبرالية المتوحشة.
كانت الجبهة ثم الحكومة المؤقتة تتلقى المنح وهي تعطيها للطلبة ليوزعوها على المستحقين، وأحيانا كانت تقع بين الطرفين مجادلة حول من يستحقها من الطلبة، وكانت هناك خشية من أن تتحول المنح إلى ابتزاز من قبل بعض الدول والمنظمات ويؤدي ذلك إلى فشل مهمة الطلبة العلمية وإلى استعمالهم لأغراض أخرى لا ترضى عنها الثورة، كما أن اتحاد الطلبة (لوجيما)، كان يحابي أحيانا أعضاءه المقربين أو أصحاب نفوذ لغوي أو ثقافي معين ضد المصلحة العامة، لذلك حاولت المخابرات الجزائرية والوزارة المعنية السيطرة
(1) المجاهد، 10 أكتوبر، 1960.
على الاتحاد ووضعه تحت مراقبتها ابتداء ربما من سنة 1959.
اشتكى السيد شريف ساحلي من سوء تصرف مسؤولي الاتحاد (لوجيما) في تعاملهم مع السويد والبلدان الاسكندنافية عموما، وموقفهم من عادات وتقاليد البلاد ولغتها، وذكر آيت شعلال (رئيس الاتحاد) بالاسم، وكونه طلب منه الاتصال بممثل الأمم المتمحدة الذي وعده بمنح، وقبل أن يتلقى الجواب كتب شعلال رسالة تدل على عدم صبره، واستغرب كون المسألة لا تسير على ما يرام، وقال الساحلي إن الاتحاد يعتقد أن لديه (لدى الساحلي) كيسا من المنح لا ينتظر إلا أن يوضع تحت تصرفه، وقد اقترح الساحلي على ممثلي الاتحاد الاتصال بالاتحاد الطلابي السويدي في قضايا المنح (1).
كما أن السيد محمد يعلى ممثل الجبهة في برلين وجد الألمان هناك غير مرتاحين لسلوك الطلبة (لوجيما)، ومع ذلك فإن المنح لم تنقطع عنهم، وقد طلب محمد يعلى من الخارجية الجزائرية التدخل عن طريق البعثة الألمانية في القاهرة، وقامت السلطات الألمانية بمعاقبة الطلبة لضبطهم وذلك في شهر سبتمبر 1959، ومن رأي السلطات الألمانية أن (لوجيما) ليس لها الحق في دعوة الطلبة ولا في الاتصال بأية حكومة (2).
يبدو أن الحساسية بين الخارجية وبين اتحاد الطلبة (لوجيما) ظلت قائمة وتسببت في توترات عديدة، ومن الأمثلة الكثيرة على ذلك، بالإضافة إلى ما ذكرناه، الرسالة التي بعث بها السيد بوقادوم كاتب عام الخارجية الجزائرية إلى وزير الثقافة عن الوفد الطلابي الذي زار أمريكا الجنوبية وقابل المسؤولين هناك
(1) الأرشيف الوطني، علبة 21 - 50، التقرير من صفحتين، تاريخه استكهولم، مايو، 1959، والتقرير موجه إلى الخارجية الجزائرية من الشريف ساحلي ممثل الحكومة لدى الدول الإسكندينافية.
(2)
رسالة من الخارجية الجزائرية، القاهرة، 9 يناير 1960 إلى الوزير المكلف بالشؤون الثقافية بطرابلس، الأرشيف الوطني، العلبة 21 - 50، (ديسمبر 1959 - ديسمبر 1960) ورقم المراسلة 454 / CAB .
(خارج النطاق الجامعي والثقافي)، وصرح هذا الوفد الطلابي تصريحات سياسية خارجة عن مسؤوليته بل هي من صميم عمل الوزارة، وهناك اثنان من الاتحاد معنيان بهذه الزيارة، ومن البلدان المزارة كوبا وفنزويلا
…
تقول الخارجية للثقافة إنها لا تمانع في قيام الاتحاد بالنشاط السياسي، ولكن بالتنسيق والتعاون مع الخارجية، والغريب في الأمر أن الخارجية اشتكت من أنها لم تعلم عن نشاط الاتحاد (لوجيما) إلا من خلال البعثات الدبلوماسية الأجنبية مما سبب لها حرجا، ونضيف هنا ملاحظة وهي أن ممثل الجزائر في نيويورك قدم لوفد الاتحاد أقصى المساعدات الممكنة أثناء زيارة الوفد (غير المتوقعة) ورحب بهما (عضوي الوفد) أجمل ترحيب، لذلك طلبت الخارجية من الثقافة وقف هذا الموضوع الذي يثير الأسف، واللجوء إلى التنسيق مع الخارجية والحصول على تعاون أفضل من ممثلي الاتحاد (1).
كان الاتحاد يشارك الاتحادات الطلابية العالمية نشاطها في أوروبا وأمريكا، وكانت القضية الجزائرية والدعوة إليها والدفاع عنها والحصول على منح للطلبة الجزائريين وتكوين فروعهم هي في الظاهر، المجالات التي ينشط فيها الاتحاد أو ممثلوه، وكانت هذه الأنشطة تتعارض أو تتقاطع أحيانا مع أنشطة وزارة الخارجية، وقبلها كانت وفود جبهة التحرير التي بقيت هي الأساس بالنسبة للبلدان التي لم تعترف بالحكومة واعترفت بالجبهة، من ذلك حضور وفد الاتحاد (لوجيما) لندوة طلابية عالمية (وهي الندوة التي نظمها اتحاد الطلبة العالمي (غربي أوروبا وأمريكا)، وقد انعقدت الندوة في لندن في 17 و 18 أبريل 1958، وهي ندوة فوق العادة من أجل مساندة اتحاد الطلبة الجزائريين والوقوف ضد قرار حله من قبل السلطات الفرنسية.
وقد أصدرت الندوة لائحتين:
(1) بوقادم، 27 يونيو، 1959، والتقرير من صفحتين، الأرشيف الوطني، العلبة 21 - 50 رقم، 193 / CAB.
الأولى: جاء فيها (1)(أن تعليم الشعب الجزائري قد تعطل مما جعل المرء يعتقد أن هناك تمييزا عنصريا تمارسه السلطات الفرنسية، (2) أن اللغة العربية، وهي اللغة الوطنية للشعب الجزائري تعتبرها فرنسا رسميا لغة أجنبية لا تدرس في المدارس العمومية.
أما اللائحة الثانية فقد نصت على (1) أن حالة الطلبة الجزائريين قد ازدادت سوءا بعد المؤتمر العالمي السابع للطلبة (2) أن طلبة (لوجيما) قد تعرضوا للقمع والحرمان من أبسط الحريات والحقوق، ويدل على ذلك توقيف محمد خميستي الكاتب العام للاتحاد، وكذلك أحكام الإعدام الصادرة ضد طالب عبد الرحمن وجميلة بوحيرد وجميلة بوعزة.
لذلك استنكرت الندوة الخارقة للعادة قرار حل الاتحاد واعتبرته غير شرعي مع إبداء عطفها على طلبة الجزائر والتضامن معهم، وأكدت على سوء أحوال طلبة الجزائر وطلبت من لجنة حقوق الإنسان ومجلس الأمن الانتباه للقضية، كما أن الندوة طلبت من الاتحادات الوطنية تخصيص منح مالية لمساعدة الطلبة الجزائريين على دراستهم وتأسيس صندوق لإسعاف الطلبة الجزائريين الذين لجأوا إلى تونس والمغرب، وقد تعهدت لجنة التنسيق بين الاتحادات الغربية بنشر كتاب أبيض عن المشروع وإبلاغ السلطات الفرنسية بالقرارات
…
(1).
وفي السنة الموالية توجه وفد من اتحاد الطلبة (لوجيما) إلى أمريكا الشمالية ثم الجنوبية لحضور أنشطة الاتحادات الأخرى والدعاية للقضية الجزائرية، وجاء في رسالة من وزارة الثقافة إلى وزارة الخارجية أن الوفد الشبابي الجزائري كان يتألف من ثلاثة هم: بوديسة الصافي ممثلا لاتحاد العمال ومسعود آيت شعلال رئيس اتحاد الطلبة، ومحفوظ عوفي رئيس فرع لوزان لاتحاد الطلبة، وقد توجه الوفد - بناء على الرسالة - إلى الولايات المتحدة حيث
(1) المجاهد، 23، 7 مايو 1958.
ألف وفدا واحدا مع وفد المغرب ووفد تونس، على أن تدوم الزيارة من 15 أكتوبر إلى 5 ديسمبر 1959، وكانت الدعوة قد وجهتها اللجنة الأمريكية الوطنية والمجلس العالمي للشباب، أما الهدف من المشاركة فهو دراسة وضع اتحاد الطلبة (لوجيما) مع الشباب الأمريكي وربط العلاقة معه، وبناء على الرسالة فإن آيت شعلال كان سيتوجه أولا إلى كندا لتمثيل الاتحاد في مؤتمر اتحاد الطلبة الكنديين الذي دعاه للحضور.
وكانت رسالة وزارة الثقافة موقعة من أحمد توفيق المدني وهي باللغة الفرنسية، ومما جاء فيها أيضا أن الخارجية ستجد ضمن الرسالة التعليمات المعطاة إلى السيد آيت شعلال حول جولته (غير أن نص هذه التعليمات مفقود من الأرشيف)(1).
لقد أثمرت جهود اتحاد الطلبة مع الروابط، والاتحادات العالمية والوطنية فحصل (لوجيما) على منح دراسية في كل من أمريكا وكندا وغيرهما، فنحن نجد تقريرا من خمس صفحات وضعه واضعه (من الاتحاد نفسه؟) بعد جولة في كندا وأمريكا، ويشير التقرير إلى خطة التوجيهات الصادرة في نوفمبر 1958، ومنها أن السيد محمد سحنون هو المندوب الطلابي عندئذ، وأن هناك صعوبات تتعلق بتوفير شروط القبول في الجامعات بكل من أمريكا وكندا، ومنها استكمال الأوراق، ومكان الميلاد، وتحويل الملفات من الجامعة الأصلية (إذا رفضت الجامعة الأصلية تحويل الملف؟)، وهل تكفي شهادة مدرسية؟ ثم مسألة التذاكر والتكفل بالطلبة اللاجئين ومسألة منح الملابس والكتب وإحضار الفاتورات، وقد طلب صاحب التقرير - فيما يخص أمريكا - ضرورة مراجعة التعليمات الخاصة، ومحاولة التوصل إلى مشروع كامل، ودراسة العلاقة مع مؤسسة (فورد)، أما فيما يتعلق بالمنح الأوروبية فاقترح توسيعها لتشمل أوروبا الغربية
(1) الأرشيف الوطني، علبة 21 - 50، تاريخ الرسالة 11 أكتوبر 1959، لكن ليس لها مكان.
بما فيها البلاد الاسكندنافية، بالإضافة إلى المشكل الصحي والتعويضات، وهو تقرير له أهمية خاصة (1).
يبدو أن الولايات المتحدة بدأت بإعطاء منح للطلبة الجزائريين بطريق غير مباشر منذ 1958، ونعني بذلك أن المنح كانت تسلمها مؤسسة (فورد) أو مؤسسة (روكفلر)، أو اتحاد الطلبة الأمريكي قبل أن تقدمها الحكومة الأمريكية نفسها، ففي برقية أرسلها السيد عبد القادر شندرلي (ممثل جبهة التحرير في نيويورك) إلى السيد بوقادوم (أمين عام الخارجية في القاهرة) أن مؤسسة روكفلر قد عرضت منحتين لجزائريين يتعلمان الإنجليزية ومؤهلين لمواصلة التعليم العالي على غرار ما فعلت مؤسسة فورد، وقد قام بوقادوم بتوجيه البرقية إلى وزير الثقافة بالقاهرة، في 17 سبتمبر 1959 وعليها عبارة (مستعجل) لأن مقابلة المترشحين ستكون إما في مدريد وإما في الرباط، ويبدو أن مؤسسة فورد كانت هي السباقة إلى تقديم المنح الدراسية للجزائريين (2).
وقبل هذا أرسل مندوب الجزائر في نيويورك (شندرلي) إلى الخارجية بالقاهرة أنه بالتعاون مع جمال يعلى ممثل اتحاد الطلبة (لوجيما) في أمريكا استطاعا الحصول على منحتين جديدتين (كذا) من الجمعية الوطنية لطلبة أمريكا (USNSA) تحت غطاء مشروع يسمى (قادة الطلبة الأجانب)، وقد حصل على المنحتين المذكورتين كل من عبروس عبد النور وسعيد آيت شعلال (أخو مسعود)، وقد تقدم الطالبان المذكوران إلى السيد جمال يعلى مرسولين من الاتحاد (لوجيما)، وذكر شندرلي الخارجية بأن هناك طالبين جزائريين آخرين يدرسان في أمريكا هما: نور الدين جودي الذي كان يدرس الأدب وحسن إدريس الذي كان يقوم بدورة طبية متخصصة في الجزاحة (3).
(1) الأرشيف الوطني، العلبة 21 - 50، بدون تاريخ.
(2)
الأرشيف الوطني، علبة، 21 - 50.
(3)
الأرشيف الوطني، علبة 3، الورقة بدون توقيع وفي أعلاها (مكتب نيويورك)، أما تاريخها فهو 21 يوليو، 1958.
ولكن قائمة أسماء فرع أمريكا لاتحاد الطلبة (سنة 1958 - 1959) تثبت وجود عشرة طلاب كانوا أعضاء في الفرع برئاسة محمد سحنون، فيما يبدو، لوجوده على رأس الأعضاء العشرة، وليس من بينهم جودي ولا إدريس المذكوران سابقا.
والملاحظ أن كل فروع الاتحاد وعددها 18، لم يذكر معها إلا رئيسها ما عدا فرع أمريكا، فالرئيس والأعضاء مذكورون وهم: محمد سحنون، عبروس عبد النور، وسعيد آيت شعلال، ولد رويس بشير، ابن عمار محمد، أركان محمد، فيضي الشريف، بنو عمر رشيد، براح غلام، بستاني رشيد (1).
وبعد أن كانت كندا من أواخر المانحين للطلبة الجزائريين دخلت هي أيضا الميدان وأعلن مسؤول اتحاد طلابها أن الجامعات الكندية ستستقبل الشباب الجزائري للدراسة، بل أعلن أن الاتحاد سيفتتح اكتتابا خلال يناير 1960 لفائدة الطلبة الجزائريين الذين استأنفوا دراستهم في الجامعات الأجنبية (ومنها كندا؟).
ومن جهة أخرى صرح مسعود آيت شعلال الذي كان قد زار كندا (أنظر سابقا) باعتباره رئيس اتحاد الطلبة (لوجيما) أن عدد الطلبة الجزائريين الذين يقيمون في مختلف الدول الأجنبية ينيف على خمسة آلاف طالب (وهو عدد ضخم لا نجد من تحدث عنه فيما مضى) من بينهم خمسمائة في الجامعات الأوروبية، وأضاف شعلال أنه من الضروري تكاثر عدد الطلبة الجزائريين في الجامعات الأجنبية واستعدادهم لتولي المسؤوليات بعد استقلال الجزائر التي ستكون في حاجة إلى كثير من المدرسين والأطباء والاختصاصين في جميع المرافق (2).
وما دمنا نتكلم عن المنح فقد وجدنا في وثائق الحكومة المؤقتة أن بولندا
(1) أنظر الأرشيف الوطني علبة 21 - 50.
(2)
المجاهد 59، 11 يناير 1960.