الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقد ساق فضلاء مسيرة مجلة (الفلاح) فقال إنه جاء في عددها الثاني الصادر في 15 نوفمبر 1953 ما يلي: الفلاح مجلة مدرسية قديمة ظهرت في 25 يونيو 1947 تحت اسم الشبيبة الإسلامية، وفي السنة الثانية ظهرت بعنوان (أطفال العرب)، وفي الثالثة ظهرت باسم (الأحداث)، ثم اختفت سنتين، واستيقظت بشرشال تحت اسم (المدرسة)، ودامت سنة كاملة، ثم ظهرت في وهران باسم (الفلاح)، وقد نوه بمجلة الفلاح بعض المفتشين والشعراء، فكتب إليها الشيخ إبراهيم مزهودي مفتش مدارس جمعية العلماء في زيارته العملية لوهران منوها فيها بمعلمي مدرسة الفلاح، كما أتحفها الشيخ سعيد الزموشي معتمد جمعية العلماء بوهران بقوله:
أفلحت يا دار الفلاح
…
بمجلة للعلم والإصلاح
عربت ألسنة ويراعة
…
ببيان محمد ورباح
ورغمت أنف المستبد
…
بحكمة وبغير سلاح
فأكرم بالمدير ونخبة
…
مختارة للعلا والكفاح.
ولكن الفلاح (المجلة والمدرسة) أغلقت سنة 1956، وكذلك المدارس الأخرى بمنطقة وهران، وسجن معلموها ومديروها (1).
الصحافة أثناء الثورة
بعد توقيف صحف المركزيين من حركة الانتصار لم يبق من الصحف الوطنية إلا البصائر التي بقيبت تصدر إلى أبريل سنة 1956 كما سيأتي، ورغم أنها أسبوعية فإنها بقيت تمد الرأي العام بأخبار الثورة بافتتاحياتها السائرة في خط الثورة وبفتحها بابا جديدا أطلقت عليه عنوان (يوميات الأزمة الجزائرية)، وهي تقصد بالأزمة الثورة، ولكن التحايل الإعلامي كان ضروريا لأنها لو استعملت كلمة الثورة أو ما شابهها لأوقفتها السلطة الاستعمارية فورا، كما
(1) نفس المصدر: أوراق فضلاء.
أن الباب الذي كان يحرره أحمد توفيق المدني باسم (منبر السياسة، العالمية) كان يتحدث عما يجري من ردود أفعال نتيجة الوضع في الجزائر.
وبقطع النظر عن المضايقات التي تعرضت لها البصائر وافتتاحياتها الوطنية الواضحة فإن علاقتها بالإدارة الفرنسية، بعد البلاغ الإداري لجمعية العلماء الذي نشرته في 13 يناير 1956 لم تعد كما كانت، فقد تحول التوتر إلى استفزاز وتحول الاستفزاز إلى قمع، ولنذكر هنا أن البلاغ كان صريحا في دعم الثورة والخروج إلى السياسة من الباب الواسع بالنسبة لجمعية تقول لوائحها إنها لا تشتغل بالسياسة وإنما تشتغل بنشر التعليم الحر وترشد الناس إلى شؤون دينهم.
لقد صدر البلاغ بعد الاجتماع العام للجمعية، وتناول (الحالة الحاضرة في القطر الجزائري وموقف الجمعية منها) وكان الاجتماع قد انعقد في مدينة الجزائر بمركز الجمعية يوم السبت 23 جمادى الأولى 1375 و 7 يناير 1956، وتضمن نقاطا عديدة أهمها: تهنئة تونس والمغرب باستقلالهما، والتنديد بما كان يجري في الجزائر من فظائع، وإلقاء المسؤولية على النظام الاستعماري عما عاشه الجزائريون منذ 130 من عنصرية وتفقير وتجهيل وحرمان ومحاربة للإسلام والتعليم العربي القرآني ومحق الجنسية وفرض سياسة الاندماج.
كما احتج المجلس على ما يرتكب في مختلف جهات الوطن من موبقات باسم القضاء على الثورة وعلى مدارس جمعية العلماء، وهو يتعاطف مع أحرار الأمة الذين سجنوا أو ألقي بهم في المحتشدات، ويثمن مواقف أحرار العالم وجميع الصحف النزيهة والحكومات الحرة التي أيدت نضال الجزائر، ويعلن أن كل سياسة تقوم على ترقيع الماضي وإجراء (إصلاحات) إنما هي عبث وتيئيس يؤدي إلى الانفجار.
وبهذه اللغة أعلن المجلس بكل صراحة أنه لا يمكن حل القضية الجزائرية إلا بالاعتراف العلني والصريح بكيان الأمة الجزائرية الحر وجنسيتها وحكومتها القومية ومجلسها التشريعي، ويؤكد أنه لا يمكن وضع حد لحالة الحرب
الحاضرة والإقدام على بناء نظام حر جديد إلا بالتفاهم الصريح مع سائر الممثلن الحقيقيين للشعب الجزائري الذين أظهرهم الكفاح.
وقد وقع على هذا البلاغ القوي الشيخ العربي التبسي النائب الأول لرئيس جمعية العلماء (الغائب في القاهرة)، كما وقعه أحمد توفيق المدني (كاتب عام الجمعية)، والغالب أن صياغة البلاغ كانت بقلم الأستاذ المدني (1).
ويبدو أن السلطة الفرنسية لم تستطع صبرا على لهجة هذا البلاغ فبادرت بحجز العدد التالي من البصائر وافتكته من الباعة فلم يصل إلى قراء الجريدة في عدد من جهات البلاد، ولكن الجريدة صمدت ووعدت بقول الحقيقة مهما كلفها ذلك من عنت (2).
أما آخر عدد صدر من البصائر فهو بتاريخ السادس من أبريل سنة 1956. وهو العدد 361 الذي تضمن افتتاحية تحدثت عن دخولها السنة التاسعة، ومما جاء فيها: (والبصائر في سنتها هذه التاسعة تدخل في مرحلة جديدة من مراحل النضال .. سائرة إلى الأمام في خوض هذه المعركة الحاسمة التي يخوضها الشعب الجزائري المكافح لكسر قيوده وأغلاله واسترداد حريته واستقلاله، ولن تحيد البصائر عن طريقها ولن ترجع قيد شعرة عما عاهدت الله عليه حتى تفوز بإحدى الحسنيين، حسنى السيادة أو حسنى الشهادة)، فهذه لهجة من أشهر السلاح في وجه الاستعمار وعزم علي اللاعودة بدون رأس عدوه، ومن الصدف أن آخر قصيدة نشرتها لي البصائر كانت في هذا العدد الأخير (361) وهي قصيدة (الطين)، ومهما كان الأمر فإنه بعد توقف البصائر تفرقت هيئة تحريرها إما باللجوء إلى الخارج وإما بالاعتقال في الداخل، وانصهر الجميع في بوتقة الثورة تحت راية جبهة التحرير الوطني.
(1) البصائر، 13 يناير، 1956.
(2)
البصائر 27 يناير، 1956.