الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عليه المعجبون والمهتمون بهذا الاكتشاف النادر (1).
لقد كانت المعارض وسيلة للفنانين لعرض إنتاجهم والتعريف بأعمالهم، عرض محمد راسم إنتاجه في مختلف أنحاء العالم، كما عرض أزواو معمري وحسن بن عبورة، فالفنان أزواو مثلا اقتنت المتاحف الكبرى بعض لوحاته مثل متحف كليفلان في أمريكا، ومتحف لوكسبورغ في فرنسا، كما وضع رسومات لمؤلفات العديد من الكتاب، وكذلك فعل عمر راسم، كما عرفنا، والواقع أن معظم الفنانين الذين ذكرناهم عرضوا أعمالهم في معارض أوروبية وجزائرية وعربية، سواء بطريقة فردية أو جماعية، فكان لمساهماتهم أصداء واسعة على المستوى المحلي والعالمي، ونالوا عليها الجوائز والمنح، وأتيح لهم أن يبدعوا بطريقة غير مسبوقة (2).
المكتبات
عندما نتحدث عن الخمسينات من القرن العشرين يتبادر إلى الذهن عهد نهضة علمية ذات دوافع كثيرة من أهمها التحرر من الاستعمار، فقد أقبل العالم على غزو الفضاء وتطور التسلح النووي وبدأ عصر الاتصال السريع والتكنولوجيا، وتحررت بحلول الستينات كثير من المستعمرات واحتلت مكانها في الأمم المتحدة، وبدأت حدة الحرب الباردة تخف نظرا لميلاد قوة ثالثة أحدثت شيئا من التوازن هي كتلة عدم الانحياز، وكنا نتوقع أن تدخل الجزائر هذا العصر الجديد بأبنائها وعلومها ورصيدها النضالي، ولكن الذي كان ينقصها هو التحرر الكامل من الاستعمار والتخلص من التبعية، والقضاء على الأمية، فماذا حصل؟
لقد انشغلت الجزائر عن نفسها بقضايا هامشية وأدخلوها في دوامة من
(1) مولود الطياب، هنا الجزائر 54، مارس - أبريل، 1957، ص 7.
(2)
هنا الجزائر 29، نوفمبر 1954.
سوء الظن وفقدان الثقة بالنفس وأدخلوها دائرة العنف حش فقدت السيطرة على مقاليدها وأسلمت زمام أمورها لغيرها، وخسرت ما ربحته من رصيد معنوي أيام الثورة.
ومن علامات هذه الظاهرة المرضية إصابة الجزائر في هويتها الثقافية، فقد جعلوها لعبة في أيدي العابثين، فأصبح أبناؤها يتنابزون بالألفاظ النابية في سبيل لغة الغير وثقافة الغير وتاريخ الغير، ونسي الجزائريون أن لهم وحدة يجب الالتفاف حولها، ولهم هوية مات أجدادهم من أجلها ولهم ثقافة عربية إسلامية هي التي حمتهم من الذوبان في الغير وحافظت على وجودهم كأمة بعد أن تعرضوا لأقسى امتحان في التاريخ وهو التخلي عن شخصيتهم والاندماج في أمة ليسوا منها في شيء.
وكانت الكتب والمكتبات هي الضمانة لتاريخهم وكيانهم، ولكنها كانت في يد المستعمرين يفعلون بها ما يريدون ويوفرون منها لأنفسهم ما يشاؤون بينما يحرمون منها أصحاب الأرض، كانت في الجزائر مكتبة عمومية (وطنية) ومكتبة جامعية ومكتبات ولائية وأخرى بلدية، بالإضافة إلى مكتبات عسكرية حيث ينشط القطاع العسكري الفرنسي، وكلها مكتبات في الواقع تخدم المصالح الفرنسية، كما تخدم الاستشراق في أوسع معانيه، أما المسؤولون عنها فكلهم فرنسيون، وقد يكون من بينهم عون جزائري في درجة ثانوية تقضي المصلحة وجوده كالترجمة وقراءة الخطوط والعناوين العربية.
بالإضافة إلى ذلك كان هناك مكتبات لبيع الكتب المستوردة أو المطبوعة في عين المكان أو في فرنسا، مثلا هناك مكتبة النهضة الجزائرية بالعاصمة التي كانت متخصمة في بيع كتب المشرق على العموم، ولكنها تبيع أيضا الكتب الفرنسية، وهناك دار الكتب التي تشبه الأولى في أهميتها، وهي تبيع مختلف أنواع الكتب ومنها الكتب الجزائرية، فهي في الحقيقة دار طبع وبيع وتوزيع، وهناك مكتبة الشباب بقسنطينة، إضافة إلى المكتبة الجزائرية التي لها أصل في
العاصمة وفرع في قسنطينة، وكان على رأس مكتبة النهضة السيد ميموني، وعلى رأس المكتبة الجزائرية السيد شريفي، ولا ننسى هنا مكتبة رودوسي التي استمرت في نشاطها والتي تخصصت، كما ذكرنا في التاريخ الثقافي، في طبع المصاحف وبعض كتب التراث، وكانت هذه المكتبات تساهم في توريد ونشر وبيع الكتب، كما كانت تساهم في ترقية الحياة الثقافية عموما.
في يناير 1955 كتب السيد عبد المجيد الشافعي كلمة غمز فيها من قناة أصحاب المكتبات فاتهمهم بأنهم لا يرحبون إلا بكتب الشرق ويهملون كتب الجزائريين، وقال إنهم لا يشجعون نشر كتب أمثاله من الشباب، ويرى الشافعي أن جلب الكتب من المشرق جناية على الثقافة العربية في الجزائر، فأخذه صاحب مكتبة النهضة على لسان زملائه، على (غروره) وصحح له قوله إنهم يستوردون الكتب من (الخارج) لأن الاستيراد من البلاد العربية ليس خارجا، وتساءل كيف يمكن مواكبة الثقافة، العالمية بكتاب مثل (خواطر مجموعة) للشافعي، وإن الوطن العربي واحد، وإن رأي الشافعي يعبر عن وجهة نظر محلية ضيقة، وقال إن أي دار للنشر لا تنشر أي شى بل لا بد لها أن تختار، وإن عليه أن يفرق بين مهمة المكتبة ومهمة دار النشر.
لقد جعل الشافعي عنوان كلمته (مناهضة المكتبة الجزائرية لحركتنا الإنتاجية) قائلا إن الأديب تنهك قواه المطبعة وإذا أخذ كتابه إلى دار النشر تثبطه، وبذلك يزهد في التأليف والإنتاج وتصبح المكتبة مساهمة في محاربة الكتاب، واستعدى الشافعي القراء على أصحاب المكتبات لأنهم يجلبون الكتب التافهة من الخارج ويهملون الإنتاج الوطني، فالقراء هم الذين شجعوا بذلك صاحب المكتبة على دفن التراث، وليس صاحب المكتبة سوى تاجر قبل كل شيء وليس له غيرة على الكتاب والثقافة (1).
كانت الصحف إلى وقت اختفاء معظمها سنة 1956 تنشر الإعلانات عن
(1) البصائر 302، 21 يناير 1955 وكذلك 304، فبراير 1955.
صدور بعض الكتب، كما كانت تعرف ببعضها عند صدوره، ففي المنار والبصائر وهنا الجزائر مثلا كمية من العناوين الصادرة حديثا أو التي ستصدر، أو الكتب المشرقية الموردة إلى الجزائر، فكتب أحمد رضا حوحو، ومحمد الصالح الصديق وعبد الرحمن الجيلالي وسليمان الصيد ومحمد علي دبوز ومحمد الصالح رمضان وعبد الرحمن الحفاف والشريف الساحلي، وغيرهم وجدت طريقها إلى الإعلان للقراء، كما قام بعضهم (محمد منيع) بمراجعة (كتاب البربر لعثمان الكعاك) وكتاب صرخة القلب للحبيب بناسي، وأعلنت البصائر عن ورود موسوعة لسان العرب، وتاريخ ابن خلدون للبيع في مكتبة النهضة بالعاصمة، وأما هنا الجزائر فقد خصصت بابا شهريا تراجع فيه الكتب الصادرة حديثا باللغتين، وقام محمد منيع أيضا بعرض كتاب (ثورة الخيام) لمؤلف اسمه عبد الحق (؟)، وحمزة بوكوشة بعرض (ألحان الفتوة) لمحمد الصالح رمضان وغيره من (ثمرات المطابع)، حسب التعبير المستعمل عندئذ.
أما المكتبة الوطنية والمكتبة الجامعية وغيرهما من المكتبات الولائية والبلدية، فإننا لم نجد تقارير تتحدث عن تطورها وغناها خلال مرحلة الثورة، ولعل ذلك راجع إلى عدم استقرار الموظفين فيها نتيجة الأحداث، أو إلى الرحيل المفاجى للمسؤولين عليها، وأخذ ما يمكن أخذه إلى فرنسا بعد التيقن من حصول الجزائر على استقلالها عند الاستفتاء، والتدمير المنظم الذي قامت به منظمة الجيش السري منذ 1961، ومهما كان الأمر فإننا لم نعثر على قوائم المقتنيات الجديدة من كتب ودوريات ومخطوطات، ولم نجد أسماء الموظفين الذين تداولوا على هذه المؤسسات خلال الخمسينات أو على الأقل بعد رحيل غبريال إسكير آخر المحافظين البارزين للمكتبة العمومية.
وعلى كل حال فعند الاستقلال كانت المكتبة الوطنية تحتوي على ما يلي:
- القسم العربي: يحتوي على حوالي ثلاثة آلاف كتاب (3000) مطبوع باللغة العربية، دخلت إلى المكتبة بالشراء والهدايا من البلدان العربية والهند وأوروبا.
- المخطوطات الشرقية: تبلغ أكثر من ثلاثمائة (300) مخطوط باللغات العربية والتركية والفارسية، وهي مجموعة قيل إنها غنية بصورها وقدمها، إذ يرجع بعضها إلى القرون 12، و 13، و 14 الميلادية.
- مجموعة الدوريات: وهي تبلغ حوالي 1400 جريدة يومية وأسبوعية ومجلات، ترد إلى المكتبة عن طريق الاشتراك والهدايا أو بعنوان الإيداع القانوني.
- المجموعة الموسيقية والشريطية (ديسكوتيك)، وهي تمكن المهتمين من الاستماع إلى التسجيلات الموسيقية التي يحتوي عليها 2400 شريط، وهي تضم أشرطة للموسيقى الكلاسيكية والحديثة والأوبرا والمسرح والقطع الأدبية، كما أنها وسيلة لتعلم اللغات (1).
أما بناء المكتبة التي أصبحت وطنية قرب فندق الأوراسي فيرجع إلى سنة 1954، فبعد حديث طويل ومناقشات حول المكان والتكاليف والأبعاد وقعت الموافقة على مشروع بناء مكتبة جديدة ووضع الحجر الأول يوم عشرين أبريل
1954، بحضور شخصيات رسمية، منهم جوليان كان J.Cain مدير المكتبات بفرنسا ممثلا لوزير التربية، والحاكم العام للجزائر وهو ليونارد Leonard، إن بناية المكتبة الجديدة التي تتربع على ربوة الثغريين في إطار عام ضخم يطل على ساحة الفوروم (إفريقيا حاليا) وعلى مقر الولاية العامة (قصر الحكومة حاليا)، وعلى مرسى المدينة في شكله المتدرج كان من مغريات هذا المشروع، كما تقع خلف بناية المكتبة حدائق الثغريين والمباني الرياضية، إن هذا الحي كان مخططا له أن يكون امتدادا لجامعة الجزائر، فقد كانت الأعمال تجري فيه لبناء كلية الحقوق ومعهد الدراسات النووية، ومعهد الدراسات الصحراوية، ودار المهندس
…
وما يزال بعض هذه المعاهد موجودا في هذا الحي، مثل معهد الدراسات النووية.
(1) الثورة الثقافية في عامها الأول، وزارة التربية، 1963، الجزائر، ص 23 - 29.
تبلغ المكتبة 122 م طولا على 17 م ارتفاعا، وهي تشمل: مكتبة شمال إفريقيا التي تحتوي على كل ما يهم هذه المنطقة ويهم الإسلام، وهي مكتبة للتوثيق العام، بطريقة موسوعية، وتمثل التفكير الفرنسي في إفريقيا، كما أنها تمثل مركز الإيداع القانوني، ومكتبة الإعارة وخدمات المطالعة، وألحقت بها المكتبة الموسيقية والشريطية والأشرطة (الميكروفيلم) والنسخ والمعارض، أما الرصيد العربي فيحتوي على حوالي 3000 مخطوط، كما ذكرنا، وهي مخطوطات ذات قيمة عالية لندرتها وقدمها، ومنها كتاب الموطأ للإمام مالك، وصحيح البخاري في الحديث، وهناك نماذج كتبت لأبي يوسف يعقوب الموحدي، وفقه اللغة للجوهري ونسخة من القرآن الكريم مكتوبة سنة 768 (1367) بالفارسية، كما يوجد في المكتبة قسم للكتب الفارسية (1).
وبالإضافة إلى المخطوطات هناك الكتب المشتراة بالعربية، وهناك اشتراك في المجلات العربية والجرائد، وهكذا فإنه يمكن للمثقفين الجزائريين أن يجدوا في المكتبة الوطنية ما يتطلعون إليه حول الإسلام والفلسفة والأدب والتاريخ الإسلامي.
وهناك الرصيد الفرنسي، وهو الأكثر غنى في المكتبة، فهو يضم كتبا في التاريخ وحضارة شمال إفريقيا، ومخطوطات تتعلق بتاريخ الجزائر بعد 1830، كما أن هناك مشتريات حديثة لمخطوطات خاصة سمحت بالحصول على معلومات ثمينة تتعلق بتاريخ الجزائر في القرنين 17 و 18، وكذلك أعمالا أخرى مثل الدفاتر والرحلات، كرحلة الأب دي فوكو.
أما المطبوعات فشملت الكتب التي ترجع إلى القرون 17، 18، 19 الخاصة بالأسرى المسيحيين وتاريخ الجزائر قبل 1830، كما شملت كتبا نادرة ترجع إلى ما بعد هذا العهد، مثل مجموعة طابلو Tableau، ووضع المؤسسات الفرنسية في الجزائر من 1838 إلى 1868، والاكتشاف العلمي للجزائر الذي
(1) مستلة من نشرة المكتبات الفرنسية، رقم 10، ص 693، 696.
يقع في اثنين وثلاثين (32) مجلدا، من 1844 إلى 1854، وكذلك حوليات الاستعمار في الجزائر من 1852 إلى 1855، ومجموعة جرائد المونيتور والأخبار. وفيما يتعلق بالفترة المعاصرة فإن مقتنيات المكتبة لا تتوقف عند الجزائر بل تمتد إلى شمال إفريقيا وإلى القارة الإفريقية، ولكن القسم الجزائري هو الأكثر غنى بفضل الإيداع القانوني، كما أن قسم شمال إفريقيا قد توسع بمكتبة ستيفان غزال الغنية بالوثائق والكتب الأثرية، بالإضافة إلى مكتبة المكتشف (دي برازا)(1).
كانت المكتبة تضم كتبا للثقافة العامة، وكتبا أخرى في مختلف الاختصاصات، ومنها الكتب الأدبية والكتب العلمية، ويتردد عليها الأساتذة والطلبة، وهي تلبي حاجتهم في مختلف التخصصات، وفي كل سنة هناك ميزانية مخصصة لشراء كتب نادرة أو نفيسة، كما أن هناك مجلات ترتبط بالاختصاص، وأسبوعيات ويوميات عامة، إضافة إلى الصحف الإقليمية، والمكتبة مفتوحة للإعارة العامة من رصيد خاص بذلك، وهناك مشروع تمت المصادقة عليه نهاية سنة 1955 بإنشاء مكتبة مركزية للإعارة في مدينة الجزائر، وهو مشروع المطالعة العامة الذي يغطي حوالي 300 مركز عبر القطر كله، والمكتبة تتعامل أيضا مع المكتبات البلدية ومكتبات النوادي الريفية ومكتبات المدارس ومكتبات المستشفيات، والإعارة مجانية، كما استحدثت مكتبات صغيرة في مراكز صحراوية بلغت خمسا وعشرين مكتبة (في الأغواط، والبيض، وغرداية
…
).
لقد بلغ رصيد المكتبة المخصص للإعارة 45000 كتاب، وهي تحتوي على الروايات والتراجم والدراسات الأدبية والتاريخ والجغرافيا والرحلات والطب الشعبي والفنون الجميلة وكتب خاصة بالمراهقين وأخرى بالأطفال.
(1) المسرح نفسه، أكتوبر 1958، ص 697.