الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ستعمل على وحدة شمال إفريقيا (داخل إطارها الطبيعي العربي والإسلامي) بينما كلمة (طبيعي) لم ترد في المبادى الإسلامية ولا في تحديد مفهوم القومية القائم على التاريخ والجغرافيا واللغة والدين والعادات المشار إليه، ومرة أخرى يشير البيان إلى مسألة الانتماء العربي الإسلامي للجزائر في نطاق المغرب العربي، وللمغرب العربي في الإطار العربي الإسلامي، وكلمة (الطبيعي) كلمة مهمة هنا، فهي تعبر عن علاقة لم يفرضها غزو ولا احتلال وإنما فرضها واقع جغرافي وسياسي وثقافي تشكل عبر القرون فانصهر فيه الشعب بجميع مكوناته، فأصبح هو من هو في التاريخ، كما كان البيان واضحا في إصراره على أن الجزائر وحدة لا تتجزأ، وعلى السيادة الكاملة، وعلى ضمان المصالح الفرنسية (بما فيها الثقافية)، وعلى حق الفرنسيين الذين يختارون البقاء في الجزائر تحت مظلة الجنسية الأصلية (الفرنسية) أو الجنسية الجزائرية الجديدة (1).
وقد اختلفت الآراء حول أهمية بيان أول نوفمبر من الناحية الإيديولوجية، فمنها الذي يعطيه قيمة كبيرة لذاته، ومنها الذي يقول بأنه فاتحة للعهد ومعلم في الطريق إلى بيانات وبرامج أخرى تتبلور مع تقدم الثورة نفسها ومع وجود مثقفين قادرين على صياغة مفاهيم حقيقية لثورة في حجم الثورة الجزائرية، يقول فرحات عباس عن البيان (نستطيع أن نقول دون محاباة ولا مغالاة بأن هذا النداء يعتبر عقد ازدياد الجزائر الجديدة) وهي الجزائر التي برزت إلى الوجود في غرة نوفمبر، 1954 (2).
لغة البيان ومضمونه
كتب البيان باللغة الفرنسية من قبل شخص أو أشخاص لهم صلة ضعيفة
(1) النصوص الأساسية لجبهة التحرير الوطني، 1979، ص 9 - 10، وأيضا (أول منشور للجبهة: الوثيقة التاريخية لميلاد ثورتنا) جريدة المجاهد، أول نوفمبر، 1959، عدد خاص.
(2)
ليل الاستعمار، ص 272.
جدا بالثقافة العربية والإسلامية، فلم يكن معروفا عنهم لدى زملائهم أنهم تلقوا أي قدر من ثقافة الزوايا أو الكتاتيب القرآنية، فما بالك بالمعاهد الإسلامية كالزيتونة والقرويين، ولو كان المشرف على بيان أول نوفمبر رجالا من أمثال الأمير عبد القادر أو الحاج محمد المقراني أو الشيخ الحداد أو الصادق بن الحاج
…
لاختلفت صياغته بالتأكيد واتضحت فيه الإيديولوجية الثقافية والانتماء الحضاري، صحيح أن الزمن قد اختلف واختلفت معه العقليات والاهتمامات ولكن الأصل ظل قائما، وبدون أن نذهب بعيدا، فلو أن الذي صاغ البيان هو ابن باديس أو أحد تلاميذه لكان له توجه آخر وقوة لغوية واضحة. إن هذا البيان كان في الواقع نتاج مرحلة سياسية محددة أدت إلى أن يصوغه وطنيون ذوو ثقافة ماركسية علمانية بعيدين كل البعد عن التراث الثقافي لوطنهم مما أبعدهم عن هويتهم - ما عدا الروح الوطنية والولاء للجزائر التاريخية والجغرافية - لأن السياسة الاستعمارية التي دامت قرنا من الزمن قد أبعدتهم عن حقيقة أنفسهم حتى أصبحوا يفكرون بحقيقة الغير، بل أصبحوا لا يرون في الوطنية إلا في إطار المبادى العلمانية التي تلقوها من ثقافة المحتل أو قرأوها في الصحافة المعاصرة، أو اكتسبوها من ممارسة النشاط السياسي على أرض الواقع، وهي التاريخ والجغرافيا واللغة والدين والعادات، وكلها تعبيرات مجردة غير مرتبطة بالتراث الثقافي الصميم. وحتى بعد أن تقدمت الثورة لم تنضج عند قادتها فكرة الانتماء الحضاري ولا العمق الثقافي، فلم يتداركوا في كتاباتهم ما فات محررو البيان، فقد كتب كريم بلقاسم وفرحات عباس وابن المهيدي وغيرهم في (المجاهد) عن التحضير للثورة واتخاذ القرارات الأولى وما حصل في الاجتماعات ومسار الثورة في الداخل والخارج
…
ومع ذلك لا نجدهم يذكرون البعد الفلسفي أو الروحي أو الإسلامي أو العقائدي للثورة، فهم يكتفون برد أحداثها وحصول الاجتماعات حولها والقرارات التي اتخذت بشأنها ومسارها ومناضليها (البسطاء)، انظر مثلا
كلمة كريم بلقاسم في العدد الخاص من المجاهد، أول نوفمبر 1959، وهي كلمة مفيدة لأنها تلقي الضوء على طريقة التحضير للثورة من وجهة نظره. قلنا إن البيان كتب بالفرنسية ومر على بعض المناضلين ليعطوا فيه الرأي بالتنقيح والتعديل، ثم أعطي إلى من صاغه صياغة مقروءة صحفيا وأدبيا ثم سحب في مكان سري في عدة من النسخ لا ندري عددها ثم وزع في داخل البلاد، أما على المستوى الخارجي فقد حمل منه محمد بوضياف نسخة بخط اليد حسب البعض (ومرقونة ومسحوبة حسب البعض الآخر)، وسافر بالنسخة إلى فرنسا فسويسرا، وكانت الخطة هي أن يواصل سفره إلى القاهرة ولكن السفر تعطل دون أن نعرف التفاصيل؟ ومع ذلك وصلت النسخة إلى القاهرة دون أن نعرف التفاصيل أيضا، فترجم البيان إلى العربية وأذيع في الوقت المناسب من إذاعة صوت العرب، أي عند التأكد من وقوع الأحداث في الجزائر، ثم نشرته الصحف المصرية كاملا أو مختصرا، ولا شك أن بعض النسخ من البيان قد وصلت إلى فرنسا عن طريق بوضياف، هذه رواية السيد أحمد سعيد مدير إذاعة صوت العرب عندئذ، كما رواها لي بالقاهرة، مارس 2004. أما محمد يزيد فيروي أن فريقا آخر (غير مصالح صوت العرب) قام بترجمة البيان إلى العربية في القاهرة دون أن يخبرنا محمد يزيد عن كيف وصلت نسخة من البيان بالفرنسية، وهذا الفريق يتكون من بعض الساسة التونسيين والمراكشيين الذين كانوا في القاهرة، وهم الرشيد إدريس (كتب خطأ: الرئيس) و (الحبيب؟) بولعراس وإبراهيم طوبال (وكلهم من تونس)، وعبد الكريم غلاب وعبد المجيد بن جلون وابن امليح (وكلهم من مراكش)، قال يزيد ذلك أثناء حديثه عن وفود المغرب العربي في القاهرة عشية الثورة أو غداة اندلاعها، فقال عن محمد خيضر إنه قد وصل حديثا إلى القاهرة وأن الشاذلي المكي قد تكتل مع الشيخ الإبراهيمي بشأن تمثيل الجزائر، وأشاد يزيد بالاعتراف الذي حصل عليه ممثلو الجبهة من حزب الاستقلال المراكشي وحزب الدستور التونسي كممثلين للجزائر الثائرة ولم يعترفوا بالآخرين (يعني الشاذلي المكي والشيخ