الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولبنان، وإنه تعرف على الأوساط الفنية والتقى بالمطربين والمطربات وأخذ معهم الصور، كما التقى بالمخرجين والممثلين، كما حضر حفلات عديدة وشاهد مسرحيات وأقلاما، وعقد مع أشهر الفرق اتفاقات، وهذه العقود كانت فيما يبدو الهدف من الرحلة، بل حدد معهم تواريخ وجداول، واختار الروايات التي شاهدها في مصر لتمثل في الجزائر أيضا، وبذلك يكون قد قام بخدمة جليلة للمسرح الجزائري (1).
مجلة مصرية تكتب عن المسرح الجزائري
.
وبمناسبة زيارة باش تارزي لمصر كتبت (مجلة الفن المصرية) عنه وأسمته (والد المسرح الجزائري)، وقد تحدثت عن موهبته الفنية ونشاطه وحبه للفن والمسرح، وقارنت بين ما يقدمه المسرح الجزائري والمسرح المصري من روايات لجمهورهما، والمعلومات التي ساقتها المجلة ربما تكون معلومات نادرة عن باش تارزي لأنه قد يكون خصها بها، ومهما كان الأمر فإن المجلة كتبت مقدمة عن أوليات الرجل وموهبته وصوته العذب وبدايته بترتيل القرآن الكريم في شبابه بالجامع الكبير بالعاصمة، ثم عن تعلمه الموسيقى وهو شاب وتدربه على الغناء طبقا للأصول الفنية على أستاذ أوروبي (كذا)، ثم أخذ يلحن أغنيات من تأليفه، فهو - حسب المجلة - شاعر مطبوع، وقد سجلت له شركات الاسطوانات بين 1920 - 1929، أكثر من خمسمائة (500) أسطوانة.
وأضافت المجلة المصرية أن الشاب باش تارزي هوى التمثيل فجأة. ونجح فيه مما جعله ينشئ فرقة خاصة به، ثم أصبح مديرا إداريا للأوبرا في الجزائر ووهران، كما عين مديرا للفرقة البلدية الجزائرية التي كانت تضم 72 فردا من أشهر الممثلين والمطربين، وقد طاف هؤلاء الجزائر وشمال إفريقيا لتقديم حفلاتهم، ولا شك أن هذه الأرقام والصفات وإن كان فيها الكثير من
(1) هنا الجزائر 35، مايو 1955، ص 12 - 13 مع صورة لباش تارزي إلى جانب نجيب الريحاني في مصر.
الصحة فإن فيها أيضا الكثير من المبالغة، لأن الفن المسرحي وغيره من الفنون لم يكن من أولويات أهل الجزائر.
واعترفت المجلة أن باش تارزي كان يحسن استقبال الفرق المصرية الزائرة للجزائر ويحب الفن المصري وأهله، وفي رأيها أن باش تارزي أصبح منذ 1920 صديقا للفنانين المصريين، مثل فرقة جورج أبيض التي زارت الجزائر في تلك الفترة، رفقة فاطمة رشدي وبديعة مصابني ونجيب الريحاني وبابا عز الدين، ولا تنسى له هذه الفرق ترحيبه بها، على أن باش تارزي جاء هذه المرة إلى مصر ضيفا، وتعاقد مع يوسف وهبي لزيارة الجزائر (في يونيو 1955)، والمعروف أن يوسف وهبي كان قد زار الجزائر على رأس فرقته القومية سنة 1954 فوجد ترحيبا كبيرا وأحرز نجاحا عظيما فنيا وسياسيا وإعلاميا من مختلف التيارات الجزائرية، واحتفت به جمعية العلماء وتبادلوا معه الخطب والمشاعر كما احتفى به شيخ بلدية الجزائر الفرنسي جاك شوفالييه.
شمل حديث المجلة مع باش تارزي سؤاله عن المنحة السنوية التي تمنحها الدولة (الفرنسية) للفرقة الجزائرية على يدي بلديتي العاصمة ووهران، فقدرها بخمسة وعشرين مليونا من الفرنكات 25 ألف جنيه)، إضافة إلى تمكين الفرقة من المسارح مجانا طيلة أيام التمثيل، أما عن منح البلديات الأخرى فهي قليلة، وهي تتمثل في تخليها لهم عن المسارح مجانا عندما يذهبون للتمثيل عندها، ويبلغ عدد المسارح في الجزائر كلها 42 (اثتين وأربعين) مسرحا، كل منها يضارع (دار الأوبرا) المصرية، ربما في الحجم والأثاث.
أما موسم التمثيل فيمتد عبر سبعة أشهر، والتمثيل ليس يوميا ولكنه يتم في يوم واحد في كل بلدة أي بمعدل حفلتين في اليوم الواحد، مثلا في مدينة الجزائر يقدمون حفلتين كل يوم اثنين، وفي وهران حفلتين كل يوم جمعة، وإذا كانت الروايات جديدة فإن القاعة تغص بالجمهور أيام التمثيل، والمسرحية لا تعاد إلا بعد عام، وقال باش تارزي للمجلة المصرية إن عدد المؤلفين في
الجزائر يقاربون المائة، وفيهم الجيدون، وهذا قول يخالف الواقع لأن الشكوى كانت دائما منصبة على عدم توفر النصوص، أما بالنسبة للروايات الناجحة فقد ذكر منها روايات يوسف وهبي مثل أولاد الشوارع، وأولاد الفقراء، ورجل الساعة، والخيانة العظمى، ثم روايات مسرح الريحاني، وأخبرها أن اللهجة المصرية ليست عائقا لأن الجمهور الجزائري يفهمها، بل يفضلها على الفصحى، والفضل في رواج اللهجة المصرية يرجع إلى السينما المصرية.
بالنسبة لهذا القطاع (السينما) فإن أحب الأفلام المصرية لدى الجزائريين هي الأفلام الغنائية، حسب قوله، خصوصا أفلام فريد الأطرش وعبد الوهاب، أما ما أسمته المجلة الرقم الجديد (عبد الحليم حافظ) فستصل إيرادات أفلامه في الجزائر إلى أرقام قياسية، وكان باش تارزي صريحا مع المجلة حين لاحظ لها أن الجزائريين ينتقدون الأفلام المصرية على ما فيها من الرقص الخليع لأنهم ينظرون إلى مصر على أنها حافظة التراث العربي الإسلامي.
وفي الجزائر يتقاضى الممثل المسرحي شهريا ما يعادل مائة وعشرين (120) جنيها مصريا عدا عمله في الإذاعة والتلفزيون، وقد لاحظت المجلة أن الجزائر هي أول قطر عربي دخله التلفزيون، ويبدو أن المجلة قد تأثرت بما رواه لها باش تارزي عن رعاية السلطات الفرنسية للمسرح العربي في الجزائر فطلبت من المسؤولين المصريين أن يقرءوا هذا الحديث الصريح مع باش تارزي وأن يأخذوا منه العبرة، ولا سيما فيما يتعلق بعدد المسارح والمنح (1).
ورغم ما في هذا الحديث من مبالغة أحيانا فإنه مفيد في إعطائنا صورة مفصلة عن وضع المسرح وعلاقته بالمسؤولين الفرنسيين ورسالته ودور الممثلين وعددهم والمؤلفات وعلاقة الفن الجزائري بالفن العربي، وقد قدم لنا الحديث أيضا صورة دقيقة عن الذوق العام بالنسبة للسينما وسمو الذوق الجزائري.
(1) هنا الجزائر 35، مايو 1955، والملاحظ أن نفس الحديث مترجم أيضا إلى الفرنسية في القسم الفرنسي في مجلة هنا الجزائر، مع صورة لباش تارزي.