الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ترأس الإبراهيمي عدة مؤتمرات وشارك في بعضها سواء في باكستان أو في غيرها، من ذلك رئاسته المؤتمر الإسلامي أوائل ديسمبر 1953، وفي يناير 1954 كان في عمان (الأردن) حيث كان من أعضاء لجنة المؤتمر الأخير، وهي لجنة تضم رجالا من أمثال سعيد رمضان أحد زعماء الإخوان وصاحب مجلة (المسلمون)، والشيخ القليببي التونسي وسيد قطب، والورتلاني، وبعض السعوديين، وقابلوا الملك حسين، وكان الإبراهيمي هو الذي تكلم أمامه باسمهم، رغم أننا نعلم من مصادر أخرى أن الإبراهيمي كان لاذع النقد للفرع الهاشمي بالأردن، كما تجول الإبراهيمي والورتلاني في الكويت ودمشق وبغداد، وعنوان هذه الجولة هو (تفقد البعثات الطلابية الجزائرية والعمل لصالح الدعوة الإسلامية)(1).
أما خلال الثورة فقد تجول الإبراهيمي في عواصم عربية وإسلامية عديدة داعيا للقضية الجزائرية، ولكننا لا نجد جولاته مسجلة ما عدا بعض الخطب والبرقيات والرسائل، وهي مذكورة في الجزء الخامس من آثاره، ولو أنه سجل انطباعاته ودون مشاهداته ونشاطه لحصلنا من ذلك على رحلة ضخمة ذات فوائد جمة، ويجب أن نقول إن مقالاته في البصائر تحت عنوان (من نفحات المشرق) تحمل بذورا طيبة من نوع الرحلة المنشود (2).
رحلة الشيخ التبسي
الشيخ العربي التبسي هو النائب الأول للشيخ الإبراهيمي في جمعية العلماء، وأحد الأعضاء الخطباء والفقهاء العاملين فيها بكل تفان وصدق، وكان قد درس وتخرج من الأزهر سنة 1927 تقريبا، وأدى فريضة الحج عشية الثورة
(1) للإبراهيمي عدة زيارات وأنشطة سابقة في باريس، بدأها عضوا في وفد المؤتمر الإسلامي الجزائري سنة 1936، وانتهى منها في فاتح 1952، وكلها على ما نعلم. غير مدونة بقلمه في شكل رحلة، البصائر 255، 22 يناير 1954، مقال افتتاحي.
(2)
انظر نشاط الوفد الخارجي لجبهة التحرير الوطني في فصل آخر.
ومكث في المشرق عدة أسابيع وتجول في مدنه وبعض عواصمه، ولكنه لم يسجل رحلة، حسب علمنا، وقد شارك خلال انتقاله إلى مصر فالحجاز في أنشطة هامة دونها بعض الطلبة، ولو دونها بنفسه لكانت ربما ذات قيمة خاصة، سيما ونحن نعلم أنه عاش في مصر سابقا وله مجال واسع للمقارنة بين ما عرفه في العشرينات وبين ما وجده بعد نحو ثلاثة عقود.
وعلى كل حال فإنه أثناء غياب الإبراهيمي كان التبسي هو الذي يدير شؤون جمعية العلماء في الجزائر وفي أوقات حرجة، وقد اندلعت الثورة وهو الرئيس الفعلي للجمعية، فكان عليه أن يسيرها وسط زعاع وهزات عنيفة، انتهت باستشهاده سنة 1957.
سافر الشيخ التبسي إلى مصر بالجو في 8 يوليو 1954، فوجد في استقباله بالقاهرة الشيخين الإبراهيمي والورتلاني والسيد أحمد بيوض (ممثل حزب البيان) والشاذلي المكي (ممثل حزب الشعب)، وجمعا من أعضاء الجالية الجزائرية والبعثة الطلابية وبعض علماء الأزهر، وربما بعض أعضاء الإخوان المسلمين أيضا، وللأسف لا يوجد وصف مفصل عن تنقلاته ومقابلاته ومشاهداته ما عدا ما كتبه السيد البشير كاشة الذي لخص نشاط الشيخ في المدينة المنورة (1).
كان البشير كاشة من طلاب البعثة الجزائرية، فرصد نشاط الشيخ التبسي في المدينة المنورة، فقال إنه اجتمع مع الشيخ عبد العزيز بن باز (أحد القضاة عندئذ وقد أصبح مفتي المملكة) والأمير سعود الفيصل، وكان السيد أحمد بوشمال (أحد أعيان قسنطينة) مرافقا للشيخ التبسي في أداء فريضة الحج، قضى الشيخ تسعة أيام بالمدينة مقيما في فندق التيسير، وبعد زيارة الأماكن الإسلامية، استقبله الملك سعود في قصره بجدة، وفي مكة تعرف على شخصية بارزة من الإخوان المسلمين وهو سعيد رمضان الذي طلب منه المشاركة في المكتب
(1) البصائر عدد 281، أما التاريخ فهو مبتور.
الدائم للمؤتمر الإسلامي العالمي الذي انعقد حديثا بالقدس فقبل الشيخ الدعوة - حب الراوي - وفي الحفل السنوي الذي أقامه الإخوان المسلمون حضر الشيخ التبسي، وتكلم علماء مصريون وسعوديون، وفي مناسبة أخرى نظمها الإخوان أيضا تكلم الشيخ التبسي، وبعد الانتهاء من مناسك الحج غادر الشيخ مكة متوجها إلى لبنان للقاء الشيخ الإبراهيمي فكانت جملة أيامه في الأماكن المقدسة شهرا (1).
عاد الشيخ التبسي إلى الجزائر وجاءت الوفود المهنئة إلى مركز الجمعية بالعاصمة، وقد تحدث عن رحلته الناجحة معربا عن رأيه أن الحكومات العربية سائرة في طريق النمو في الحجاز والشام ومصر، وأهم ما روته البصائر بهذه المناسبة هو حديثه عن الشيخين الإبراهيمي والورتلاني، فقد قال عن الأول إنه في الجزائر معروف بالأدب ورجاحة الفكر
…
أما في المشرق فقد وجد من يفهمه، وهو في طليعة رجال العلم والدين والاجتماع .. فهو (أي الإبراهيمي) مستشار المراجع الإسلامية والعربية، أما الورتلاني فقد قال عنه كلاما غامضا وهو أنه منشغل بحل مشاكل الشعوب الإسلامية، فأنت لا تدري هل هذا الكلام يعني المدح أو القدح، وقد نوه التبسي بدور كل منهما وبجهودهما في رعاية البعثات الطلابية، فهما نعم السفيران للجزائر.
وأذكر بهذا الصدد أن الشيخ التبسي قد راسلني برسالتين على الأقل أوائل سنة 1956 عندما كنت في القاهرة، انتقد فيهما زميله ورئيسه الشيخ الإبراهيمي على تصرفاته مع البعثات الطلابية وعلى تفضيله البقاء في المشرق على الرجوع إلى الجزائر في ذلك الظرف العصيب.
ونحن نعرف أن الشيخ التبسي قد استقبل في مصر من قبل رجال الدولة وكان محل رعاية أهل الفكر والسياسة والدين، ولكن الأيام برهنت على أنه كان متفائلا كثيرا في رأيه، فالحكومات العربية لم تكن رشيدة كما وصفها ولا
(1) البصائر عدد 285.