المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الثقافة في برنامج طرابلس - تاريخ الجزائر الثقافي - جـ ١٠

[أبو القاسم سعد الله]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء العاشر

- ‌المقدمة

- ‌الفصل الأولعشية الثورة

- ‌‌‌الحالة الاقتصاديةوالإدارية والسياسية

- ‌الحالة الاقتصادية

- ‌الحالة الإدارية والسياسية

- ‌جبهة الدفاع عن الحرية ومسألة الاتحاد

- ‌انشقاق في حزب الشعب

- ‌جمعية العلماء المسلمين الجزائريين

- ‌الحالة الاجتماعية

- ‌الكشافة الإسلامية

- ‌جمعيات رياضية وطلابية

- ‌جمعيات جزائرية في تونس

- ‌جمعيات أخرى

- ‌الشؤون الإسلامية

- ‌رجال الدين والمساجد

- ‌الزوايا والتعليم والمحافظة على السند

- ‌الأوقاف

- ‌القضاء

- ‌الحالة الثقافية

- ‌التعليم

- ‌تباشير نهضة تعليمية

- ‌التعليم العربي الرسمي

- ‌التعليم العربي الحر

- ‌معلمو جمعية العلماء

- ‌بعثات جمعية العلماء

- ‌اللغة العربية

- ‌من قضايا الثقافة والأدب

- ‌الأدب وجبهة الدفاع عن الحرية

- ‌الفصل الثانيالثقافة في نصوص الثورة

- ‌الثقافة في بيان أول نوفمبر

- ‌برنامج أول نوفمبر

- ‌لغة البيان ومضمونه

- ‌الثقافة في مؤتمر الصومام

- ‌الثقافة والحكومة المؤقتة

- ‌الثقافة في تقرير لجنة صبيح

- ‌الثقافة في اتفاقيات إيفيان

- ‌العلاقة الثقافية بين ما جاء في تقرير صبيح واتفاقيات إيفيان

- ‌الثقافة في نصوص الطلبة

- ‌للثورة إيديولوجيتها الخاصة

- ‌الثقافة في الإعلام الرسمي

- ‌الثقافة في برنامج طرابلس

- ‌الفصل الثالثالهوية الثقافية والأدباء بالفرنسية

- ‌النظام التربوي والإسلام وتعليم التاريخ

- ‌أبعاد الهوية الثقافية

- ‌تراشق المثقفين

- ‌ابن نبي عن رمضان عبان

- ‌ابن نبي عن فانون

- ‌مصطفى الأشرف

- ‌هجرس وابن زين

- ‌حالة فرانز فانون

- ‌اضطهاد المثقفين

- ‌الجرح المتعفن

- ‌أدباء اللغة الفرنسية

- ‌مقدمات

- ‌محمد ديب

- ‌كاتب ياسين

- ‌مولود معمري

- ‌مولود فرعون

- ‌مالك حداد

- ‌آسيا جبار

- ‌شعراء بغير العربية

- ‌جريدة المجاهد والقومية العربية

- ‌الفصل الرابعالإعلام في الثورة

- ‌الصحافة

- ‌صحف جمعية العلماء

- ‌صحف حزب الشعب

- ‌صحافة الحزب الشيوعي وحزب البيان

- ‌صحف أخرى

- ‌مجلة هنا الجزائر

- ‌جريدة الباتريوت (الوطني)

- ‌جريدة الجزائر العربية

- ‌الصحافة المدرسية

- ‌الصحافة أثناء الثورة

- ‌صحافة جبهة التحرير

- ‌رأي زهير إيحدادن

- ‌جريدة المجاهد

- ‌النشرات الداخلية

- ‌أصوات الجزائر

- ‌صوت الجزائر الحرة المجاهدة

- ‌صوت الجزائر من الإذاعات العربية

- ‌محتوى صوت الجزائر (صوت الجمهورية الجزائرية)

- ‌تطورات جديدة

- ‌فضل الإذاعات العربية

- ‌الإعلام الفرنسي أثناء الثورة

- ‌تطور الإذاعة الفرنسية في الجزائر

- ‌التلفزيون

- ‌التلفزيون بين لاكوست وسوستيل

- ‌التلفزيون والسينما:

- ‌تنظيم المكاتب الإعلامية للجبهة

- ‌إنشاء وكالة الأنباء الجزائرية

- ‌الندوات والمؤتمرات والمحاضرات

- ‌الفريق الوطني لكرة القدم

- ‌أعمال الوفد الخارجي للجبهة

- ‌المسؤول السياسي

- ‌الفصل الخامسالتعليم والتنظيمات الطلابية

- ‌التعليم: إحصاءات متنوعة

- ‌التعليم الحر

- ‌التعليم في إحصاءات جبهة التحرير

- ‌ملاحظات على التعليم والجبهة

- ‌التعليم والسكان

- ‌إحصاءات مجلة جون أفريك

- ‌إحصاءات أخرى

- ‌التعليم العسكري

- ‌أنشطة الطلبة في تونس والمغرب

- ‌الطلبة في المشرق العربي

- ‌من نشاط الطلبة في المشرق العربي

- ‌رابطة طلبة المغرب العربي

- ‌رابطة الطلبة الجزائريين في القاهرة

- ‌من نشاط الطلبة في القاهرة

- ‌ رابطة الطلبة الجزائريين في المشرق العربي

- ‌نشأة الاتحاد العام للطلبة المسلمين الجزائريين (لوجيما)

- ‌اضطهاد طلبة الاتحاد

- ‌ظروف إضراب الطلبة، 1956

- ‌تقرير عن طلبة المشرق العربي، 1959

- ‌المؤتمر الرابع للاتحاد

- ‌المنح والاتحاد والجبهة

- ‌دور الاتحاد في الخارج

- ‌مذكرة الاتحاد إلى هيئة الأمم

- ‌التعليم الابتدائي:

- ‌التعليم الثانوي:

- ‌التعليم العالي:

- ‌التعليم العربي:

- ‌الفصل السادسالمسرح والموسيقى والغناء

- ‌المسرح عشية الثورة

- ‌المسرح أثناء الثورة: باش تارزي

- ‌مجلة مصرية تكتب عن المسرح الجزائري

- ‌من شهرزاد إلى أبناء القصبة

- ‌من نشاط الفرقة الوطنية الفنية

- ‌استمرار النشاط المسرحي

- ‌المسرح الثوري:

- ‌الحاجز الأخير

- ‌مصرع الطغاة

- ‌الموسيقى والغناء

- ‌آراء في الموسيقى

- ‌رأي باربيس في الموسيقى

- ‌رأي عمر راسم في الموسيقى

- ‌تعليق على الموسيقى والغناء

- ‌الأخوان فخارجي

- ‌بعض الموسيقيين والمغنين

- ‌الفصل السابع‌‌السينماوالرسم والمكتبات والخطاطة والمتاحف

- ‌السينما

- ‌الرسم والمعارض الفنية

- ‌محمد راسم

- ‌عمر راسم

- ‌رسامون آخرون

- ‌فنانون أوروبيون

- ‌معارض أخرى

- ‌رسوم الطاسيلي

- ‌المكتبات

- ‌المكتبة الجامعية

- ‌مكتبات جهوية

- ‌الخطاطة

- ‌محمد سعيد شريفي

- ‌عبد الحميد اسكندر

- ‌سعدي حكار

- ‌المتاحف

- ‌المتحف الوطني للفنون الجميلة

- ‌الفصل الثامنأنواع النثر

- ‌المصادر

- ‌المقالة

- ‌مسألة الفصحى والعامية والفرنسية

- ‌بعض كتاب المقالة

- ‌الشيخ الإبراهيمي

- ‌أحمد رضا حوحو

- ‌عثمان سعدي

- ‌عبد الله شريط وآخرونه

- ‌الخطابة

- ‌الترجمة

- ‌القصة والرواية

- ‌حوحو ونماذجه البشرية

- ‌عبد الله ركيبي

- ‌ نفوس ثائرة

- ‌الركيبي عن تطور القصة

- ‌تجارب في القصة

- ‌زهور ونيسي ورصيفها النائم

- ‌الحبيب بناسي

- ‌عثمان سعدي وابن عيسى

- ‌أبو العيد دودو

- ‌الطاهر وطار

- ‌صور من البطولة في الجزائر

- ‌عبد الحميد بن هدوقة

- ‌قصاصون آخرون

- ‌اضطهاد أدباء العربية

- ‌الفصل التاسعالشعر

- ‌المصادر

- ‌حالة الشعر والشعراء عشية الثورة

- ‌الأناشيد الوطنية

- ‌ألحان الفتوة

- ‌الشبوكي ونشيد جزائرنا

- ‌أناشيد مفدي زكرياء (ابن تومرت)

- ‌الشعر الثوري

- ‌محمد الشبوكي

- ‌مفدي زكرياء (ابن تومرت)

- ‌مواضيع أخرى لمفدي زكرياء

- ‌محمد الصالح باوية

- ‌عبد السلام حبيب

- ‌أبو القاسم خمار

- ‌محمد العيد آل خليفة

- ‌صالح الخرفي

- ‌عبد الرحمن الزناقي

- ‌الربيع بوشامة

- ‌عبد الكريم العقون

- ‌عبد الرحمن العقون (بلعقون)

- ‌أحمد معاش الباتني

- ‌صالح خباشة

- ‌الشعر الرومانسي

- ‌الطاهر بوشوشي

- ‌الشعر والربيع والحزن

- ‌محمد الأخضر السائحي

- ‌الشعر المحايد

- ‌الشعر الشعبي

- ‌الشعر الإخواني والاجتماعي والإصلاحي

- ‌شعراء آخرون

- ‌الحفناوي هالي

- ‌أبو بكر بن رحمون

- ‌أحمد سحنون

- ‌جلول البدوي

- ‌محمد الأمين العمودي

- ‌محمد الهادي السنوسي

- ‌محمد الأخضر عبد القادر السائحي

- ‌الفصل العاشركتب وكتابات

- ‌الدراسات التاريخية

- ‌كتابات ابن نبي عن التاريخ

- ‌كتابات الأشرف عن التاريخ

- ‌تاريخ الجزائر

- ‌تاريخ الجزائر العام

- ‌الأمير عبد القادر رائد الكفاح الجزائري

- ‌هذه هي الجزائر

- ‌محاضرات عن تاريخ الجزائر

- ‌الرحلات

- ‌رحلة الشيخ الغسيري

- ‌رحلة الشيخ الإبراهيمي

- ‌رحلة الشيخ التبسي

- ‌رحلة الباهي فضلاء

- ‌رحلة الشيخ العباس

- ‌رحلة المختار اسكندر

- ‌رحلة محمد الصالح رمضان

- ‌الدراسات الفلسفية

- ‌مالك بن نبي

- ‌أصول الحضارة العالمية

- ‌من وحي الثورة الجزائرية

- ‌كتب فرانز فانون

- ‌السنة الخامسة للثورة

- ‌الكادحون في الأرض

- ‌الدراسات الإسلامية والاجتماعية والسياسية والفانونية

- ‌الشؤون الإسلامية

- ‌ التاريخ الإسلامي

- ‌موقف الطرق الصوفية

- ‌الأوقاف الإسلامية

- ‌عن القضاء الإسلامي

- ‌القضاء والثورة

- ‌العدل عند جبهة التحرير الوطني

- ‌الثورة الجزائرية والقانون

- ‌دراسة الصادق مزهود

- ‌مقاصد القرآن

- ‌آيات وأحاديث

- ‌تفسير الشيخ بيوض

- ‌في طريق الهجرة

- ‌رسائل من السجن

- ‌ليل الاستعمار

- ‌صحراؤنا

- ‌الجزائر: الأمة والمجتمع

- ‌الطب والصحة العامة

- ‌انظروا أسلحتنا! انظروا أطباءنا

- ‌عن تاريخ الطب

- ‌وثائق عن الطب في الأرشيف

- ‌الفهارس العامة

- ‌ فهرس الأشخاص

- ‌ فهرس الأماكن

- ‌ فهرس الكتب والمجلات والجرائد

- ‌ فهرس الجمعيات والروابط

- ‌محتوى الكتاب

الفصل: ‌الثقافة في برنامج طرابلس

وختم نائب الرئيس مكتوبين بالفرنسية (1).

ومنذ سنة 1956، أي بعد مؤتمر الصومام أرسل رمضان عبان، باسم لجنة التنسيق والتنفيذ، رسالة إلى (الإخوان في تونس) مؤرخة في 21 نوفمبر تقول إن اللجنة اتصلت من سي إبراهيم مزهودي برسالة مكتوبة بالعربية، وطلب منهم (وهم علي محساس، وإبراهيم مزهودي نفسه، ومصطفى بن عودة، ومولود قائد المعروف رشيد) أن يكتبوا مستقبلا رسائلهم وتقاريرهم بالفرنسية تفاديا لطلب ترجمة أسرارنا إلى مترجم) (2).

إن المبرر الذي استند عليه رمضان عبان غير مقنع طبعا، لأن نفس المبرر ينطبق أيضا على اللغة الفرنسية بالنسبة لمن لا يعرفها وأيضا على اللغات الأخرى التي قد ترد بها المراسلات، ثم إنه مبرر يتجاهل تماما مسألة الهوية الثقافية الوطنية، بالعكس فقد كان المقاومون القدماء يموهون على العدو بالكتابة بلغتهم العربية التي لا يعرفها الفرنسيون إلا عن طريق الترجمة (3).

‌الثقافة في برنامج طرابلس

برنامج طرابلس يشار به إلى آخر وثيقة أصدرتها الثورة الجزائرية قبل أن يدخل قادتها إلى بلادهم بعد سنين من العيش خارجها، والوثيقة صادرة عن الدورة الرابعة للمجلس الوطني للثورة الجزائرية (البرلمان)، وهو أعلى مؤسسة مخولة للثورة الذي انعقد في طرابلس بليبيا، وكان جدول الأعمال في هذه الدورة يتألف من نقطتين أساسيتين:

- صياغة برنامج أو منهج عمل فكري (إيديولوجي) تسير عليه الجزائر المستقلة.

- انتخاب هيئة أو مكتب سياسي على رأس جبهة التحرير الوطني التي ستصبح

(1) الأرشيف الوطني، علبة 21 - 50.

(2)

رسالة مزهودي تاريخها 16 نوفمبر، ورسالة عبان موقعة فقط باسم - رمضان - وهو اسم رمضان عبان، أنظر مبروك بلحسين، بريد الجزائر - القاهرة 1954 - 1956، ص 206.

(3)

فيما يتعلق بالترجمة انظر الأجزاء السابقة من تاريخ الجزائر الثقافي.

ص: 113

هي الحزب السياسي الوحيد الذي بيده السلطة في الجزائر.

قبل الاجتماع ببضعة أشهر كانت الحكومة المؤقتة قد عهدت إلى لجنة من المثقفين الخبراء بوضع برنامج يقدم إلى مجلس الثورة عند اجتماعه المتوقع في طرابلس، كانت هذه اللجنة تتألف في أغلبها من عناصر معروفة باتجاهها الاشتراكي الماركسي والعلماني المفتوح ولكنها عناصر مناضلة ساهمت في الثورة في المجالات المحددة لها من الإعلام إلى الديبلوماسية إلى الاتصالات

والأعضاء هم: مصطفى الأشرف ومحمد حربي ومحمد الصديق بن يحيى ورضا مالك، كان الأشرف كاتبا اجتماعيا ومؤرخا للحركة الوطنية وكان من المخطوفين في الطائرة المغربية مع بعض قادة الثورة سنة 1956، وسبق لحربي أن عمل في جهاز الحكومة المؤقة بالقاهرة، وشارك محمد بن يحيى في نفس الجهاز وفي المفاوضات مع الفرنسيين آخرها كانت إيفيان، وكان رضا مالك مسؤولا على جريدة المجاهد بنسختيها العربية والفرنسية في تونس، أما الميلي فكان من مدرسة جمعية العلماء، وكان عندئذ مسؤولا على تحرير الطبعة العربية من المجاهد، وجميعهم تقريبا مارسوا الديبلوماسية قبل اجتماعهم في اللجنة، ومن تشكيلة اللجنة نتوقع ماذا سيصدر عنها من أفكار بشأن تفسيرها للثقافة الجزائرية ورصد مستقبلها.

وبعد عدة أسابيع خرجت اللجنة بمسودة الوثيقة التي أصبحت تسمى (بعد الموافقة عليها من المجلس) ببرنامج طرابلس، وتكاد المصادر تجمع على أن البرنامج لم يكن محل نقاش في المجلس بل تمت الموافقة عليه بسرعة وبالإجماع، أما النقطة التي أثارت الجدل والخلافات الحادة بل والانشقاق فهي تشكيل المكتب السياسي، فهذه المسألة هي التي فجرت الاجتماع وأفاضت الكأس لأن الرفقاء انفضوا دون اتفاق نهائي مما جعلهم يدخلون الجزائر مشتتين لا موحدين، وهكذا بقي البرنامج موحدا والقيادة ممزقة، وهذا فصل من تاريخ الجزائر لا يعنينا هنا.

إنما الذي يعنينا هو المحتوى الثقافي للبرنامج وسرعة الموافقة عليه: هل

ص: 114

كان ذلك دليلا على صحة محتواه أو عدم الاهتمام به أصلا؟ يبدو أن ذلك يشمل الاثنين معا، أولا نلاحظ أن أعضاء اللجنة قد توزعوا المهام فمنهم من كتب الديباجة وتناول الخط التاريخي والفلسفي للمشروع، ومنهم من كتب له الرؤية الاقتصادية، ومنهم من كتب عن الرؤية المستقبلية للثقافة، ثانيا نلاحظ أنه ليس كل أعضاء المجلس كانوا قادرين على فهم ومناقشة وثيقة عميقة الفكر تتحدث عن التجارب المعاصرة في الاقتصاد والفكر وتحيل على مراجع أوروبية قديمة وحديثة، ثالثا ليس كل الأعضاء كانوا مهتمين بالمسقبل بقدر اهتمامهم بالحاضر، كيف سيدخلون الجزائر وما موقعهم في التركيبة السياسية الجديدة، ولذلك فإن الموافقة السريعة على البرنامج ليس دليلا على التوافق والرضا، فمعظم الحاضرين لم يعطوا البرنامج الاهتمام الجدير به، وهكذا بقي البرنامج لا يلزم بالأساس حتى الذين وضعوه.

تحدث البرنامج على التوجه الثقافي للجزائر المستقلة ولكن مرجعيته كانت أوروبية لا عربية إسلامية، فإذا ذكرت الحضارة الإسلامية فإن محرري البرنامج يسارعون إلى وضع النعوت والتحديدات لها حتى لا تفهم على إطلاقها أو أنهم يتبنونها لتسيير الجزائر المستقلة، أما الذي ركز عليه البرنامج بالتعريف والتحليل فهو الميزات الثلاث للثقافة الجزائرية الجديدة وهي الوطنية والعلمية والثورية، وقد تكرر وصف العلمية أكثر من مرة مما يفهم منه أن الاشتراكية المبشر بها هي اشتراكية علمية، أي الماركسية رغم أن محرري الوثيقة لا يكتبونها صراحة، ولعل هذا ما جعل ابن خدة يصف أصحاب هذه الاشتراكية بحسن النية، وهو الذي رأى أن الاشتراكية المتفق عليها في طرابلس والتي تبناها مؤتمر الجزائر (سنة 1964) قد تحولت في ميثاق سنة 1976 إلى اشتراكية علمية، أي ماركسية - لينينية، وهي في نظره تختلف تماما عن الإسلام لأنها نظرية مادية محض وتدعو صراحة إلى صراع الطبقات (1).

(1) ابن خدة، مرجع سابقا، ص 162.

ص: 115

تقول ديباجة برنامج طرابلس في شيء من الادعاء والزهو الفكري إنه من الضروري خلق فكر سياسي واجتماعي تغذيه مبادى علمية لتحميه من ترهات الفكر، والغالب أن المقصود بهذه الترهات هو الخرافات المنسوبة عادة إلى الفكر الإسلامي في العصور الوسطى، وتلح الديباجة أيضا على أنه من الأهمية بمكان إحداث تصور جديد للثقافة الجزائرية وهو أن تكون وطنية وثورية وعلمية: فهي وطينة باعتبارها تمثل (مرحلة أولى في إعطاء اللغة العربية المعبرة الحقيقية عن القيم الثقافية لبلادنا كرامتها ونجاعتها كلغة حضارة،) فهذه اللغة هي التي ستعيد بناء التراث الوطني وتقييمه والتعريف بإنسانيته المزدوجة القديمة والحديثة لإدخالها في الحياة الفكرية وتربية الشعور الوطني، وهي التي ستحارب الهيمنة الثقافية والتأثير الغربي (الفرنسي) اللذين ساهما في تلقين الكثير من الجزائريين احتقار لغتهم وقيمهم الوطنية.

أما بصفتها ثورية فستعمل الثقافة على تحرير شعب يعمل على التخلص من مخلفات الإقطاع والخرافات والعادات الفكرية والتقليدية، إنها ليست ثقافة فئة تسد أبوابها عن التقدم وليست ترفا فكريا، بل هي ثقافة تساعد على تطوير الوعي الثوري في الجماهير.

وأما بصفتها ثقافة علمية فيجب أن يظهر في وسائلها وأبعادها، ومعنى العلمية هنا هو أنها (ثقافة عقلية ذات تجهيزات تقنية)، فهي تشجع على روح البحث المنهجي وتسير على هداه في جميع المستويات، بما في ذلك المستوى اللغوي، لأن (اللغة العربية، باعتبارها وسيلة ثقافية علمية وعصرية، قد تخلفت، ويجب ترقيتها حتى تقوم بدورها في المستقبل بأساليب علمية ومهذبة جدا)، وهذا الشرط لتأهيل اللغة العربية قد استمر استعماله إلى الوقت الحاضر، فكلما دعا الداعي إلى استعمال اللغة العربية واجهه أنصار هذا الرأي بهذا الشرط التعجيزي رغم أنهم يدركون أن من شروط ترقية اللغة علميا استعمالها في الميدان.

ص: 116

ومن جهة أخرى ألح البرنامج على نشر التعليم بين الجميع حتى تشيع روح العمل ويرتفع الإنتاج

وخاطب الطليعة الثورية بأن عليها إعطاء المثل للشعب، ومن ثمة يجب التنديد بشدة بنزعة جحود المجهود الفكري وعدم تقدير الكفاءات، والتنديد كذلك بالدعوة إلى معاداة المثقفين التي تظهر من وقت إلى آخر.

وقد استدرك البرنامج، كما كان متوقعا، فحذر مما أسماه أخلاقيات البرجوازية الصغيرة ومن توظيف الإسلام لأغراض ديماغوجية، معترفا بالانتماء حقا للحضارة الإسلامية التي أثرت في تاريخ البشرية، لكننا سنسيء إلى هذه الحضارة في نظر واضعي البرنامج، إذا نحن اعتقدنا أن النهوض بها يخضع لصيغ ذاتية بسيطة في السلوك العام وفي ممارسة الشعائر الدينية، ويبدو أن أصحاب البرنامج لم يفرقوا في هذا الصدد بين الإسلام كعقيدة وممارسات ذاتية وبين الحضارة الإسلامية كإنتاج جماعي وإبداع فكري مشترك (1).

ومما يلاحظ أن البرنامج كرر أيضا عبارات الطليعة والطليعة الثورية، وأعطى لها حجما كبيرا في سياق العمل لبناء الجزائر الجديدة، فهي التي ستقود البلاد (عن طريق حزب طليعي) وتضع العقائد وتمهد الطريق أمام العامة، وهي التي ستعلم الفلاحين، وهي التي ستعطي المثل لرفع المستوى الثقافي للمواطن، وتطور الإسلام (كذا) وتخرجه من المفاهيم البالية، وتندد باستعمال الإسلام لأغراض ديماغوجية، موضحة أن الحضارة الإسلامية في الماضي كانت نتاج فكر وعمل، أي ثقافة واقتصاد، وكان في هذه الحضارة استعمال لمنهج البحث العلمي وانفتاح عقلي على الثقافات الأجنبية وعالمية العصر (وهو شعور مبكر بالعولمة)، وكان بينها وبين الحضارات الأخرى تبادل خصب.

وقد ندد البرنامج بالحنين إلى الماضي المرادف في نظر محرريه للعجز والبلبلة، والمقصود هنا في أغلب الظن هم دعاة التمسك بالتراث والمحافظة

(1) نصوص أساسية لجبهة التحرير الوطني، مرجع سابق، ص 41.

ص: 117

عليه لذاته، ومن جهة أخرى دعا محررو البرنامج إلى تخليص الإسلام مما أسموه بالبدع والأوهام التي كبلته ومست جوهره لكي يظهر على حقيقته في الثقافة والشخصية الوطنية، وهي الشخصية المرتبطة بالثقافة الوطنية الثورية والعلمية، تلك الشخصية التي صقلها وأبرزها الكفاح التحريري بعد أن كانت مجهولة والتي ستتقوى مع الأيام لقدرة الشعب الجزائري على (مسايرة العصر دون قطع الصلة بماضيه).

ويبدو أن محرري برنامج طرابلس قد أحسوا بالفراغ العقائدي للثورة، وهو الفراغ الذي كان المثقفون يشيرون إليه عادة في البيئات الخارجية، فأرادوا إبراز هذا الجانب الآن وتبرير الفراغ المشار إليه أثناء الثورة فقالوا إن طابع الثورة كعملية تحرير قد تغلب على الثورة كمشرع عقائدي أيام الكفاح، أي أن العملي قد سبق النظري، أو أن التحرير قد سبق التفكير (كما أشيع فيما بعد) وهو ما يؤكد ما ذهب إليه أكثر من واحد من أن الثورة كانت تسير بدون إيديولوجية، وها قد أراد محررو البرنامج تدارك الأمر بعد الاستقلال وبعد اعترافهم بالفراغ السابق، ومع ذلك فإن كلمة الثورة في نظرهم، كانت تغذي حماس الجماهير وأن هذه الجماهير هي التي أعطتها بالفطرة معنى يتجاوز حرب التحرير نفسها، واعترفوا أيضا أن ما كان ينقص الثورة في الماضي وما يزال ينقصها في الحاضر هو الخط العقائدي الذي لا بد منه، أما الآن وقد توقفت حرب التحرير واستعاد الشعب الاستقلال فإنه لا بد من استمرارية الحرب ولكن على الصعيد العقائدي (إن الكفاح المسلح يجب أن يترك مكانه اليوم للمعركة العقائدية التي تعني الثورة الديموقراطية الشعبية

التي تعني التشييد الواعي للبلاد في إطار المبادى الاشتراكية)، وبذلك حاول محررو برنامج طرابلس تفسير ما جاء به بيان أول نوفمبر حول (إقامة الدولة الجزائرية الديموقراطية الاجتماعية ذات السيادة ضمن إطار المبادى الإسلامية)(1).

(1) ملفات وثائقية، 24، نصوص أساسية لجبهة التحرير الوطني 1954 - 1962، أغسطس 1976، وزارة الإعلام والثقافة، الجزائر، ص 39.

ص: 118

ولعل هذا الاختيار الاشتراكي الواضح هو الذي جعل رجلا مثل ابن خدة يعترف ولكن بعد عقود بأن برنامج طرابلس كان في الأساس يتنافى مع الإسلام رغم أن التصويت عليه في المجلس كان بالإجماع، ومعترفا أيضا أنه قد صوت لصالحه (عن حسن نية؟) رغم أن البرنامج كان يدور حول محورين هما الاختيار الاشتراكي والحزب الواحد (1).

ولكن برنامج طرابلس لم يهمل الإشارة إلى أن الشعب كان (قبل الثورة متعلقا بالقيم الوطنية التي صيغت في إطار الحضارة العربية الإسلامية)، والدليل على ذلك تأسيسه المدارس العربية الحرة وصيانتها رغم معارضة الإدارة الاستعمارية، كما أشار إلى أمر جديد وهو أن الولايات خلال الثورة بذلت جهودا كبيرة لتجعل الثقافة الوطنية في متناول الشعب، وهذا ينسجم تماما مع ما درسناه من أن جيش التحرير جسد مظاهر عديدة من هذه الثقافة في القضاء والتعليم وممارسة الطقوس الدينية ونحوها.

أما بعد الاستقلال فقد أراد البرنامج الاسمترار في جعل الثقافة في متناول الشعب ولكن في أسلوب جديد، فبعد التحفظات على الممارسات القديمة للثقافة ألح على (استعادة الثقافة الوطنية والتعريب التدريجي للتعليم اعتمادا على أسس علمية)، وهي مهمة تتطلب توفير (وسائل عصرية لا يمكن تحقيقها بالتسرع دون خطر الضحية بأجيال كاملة) وهذه التحفظات (2) هي كلها عقبات ليس من السهل تجاوزها، ولكن البرنامج كان واضحا في الدعوة إلى المحافظة على التراث الوطني أو الثقافة الشعبية، وهي إشارة فيما يبدو إلى الثروة الفولكلورية للهجات المحلية والتقاليد الشعبية، كما كان واضحا في الدعوة إلى

(1) ابن خدة، شهادات ومواقف، مرجع سابق، ص 153 - 154.

(2)

اللجوء إلى التدرج وانتظار الوسائل العصرية والتحذير من التسرع الذي قد يؤدي إلى التضحية بالأجيال، واشتراط العلمية في التعرب

ص: 119

تعميم وإجبارية التعليم وجزأرة البرامج لتتكيف مع واقع البلاد، واستعمال مختلف الوسائل للتخلص من الأمية في أقرب الآجال (1).

(1) النصوص الأساسة لجبهة التحرير، الوطني، مرجع سابق، ص 92، وكذلك التعليم والثقافة في الجزائر، Enseignement et culture en Algérie، وزارة الأخبار، الجزائر، 1963.

ص: 120