الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وعن تعدد مشارب الطلبة في تونس قبل تكوين الحكومة المؤقتة يقول أحمد توفيق المدني، إنهم كانوا بأعداد كبيرة ولكنهم كانوا موزعين من حيث الولاء قبل تأسيس الحكومة، وكانت لهم مدارس مختلفة، فمنهم من كان مواليا لجمعية العلماء ومنهم من كان يتبع عميروش رأسا، ومنهم من كان مستقلا، وبعد تأسيس الحكومة ووجود وزارة للثقافة سلم عميروش مدرسته إلى وزارة الثقافة، وبذلك (زالت الازدواجية)، حسب تعبير المدني، وكان أعوان الوزير في تونس هم محمد العساكر وعبد الرحمن شريط وعلال الثعالبي وأحمد بوضربة، وكان العساكر هو ممثله في تونس، كما كان محمد الفرجاني هو ممثله في المغرب، وبوزيان التلمساني ممثله في القاهرة (1).
تراشق المثقفين
نقصد بهذا العنوان ما كان يدور بين المثقفين من تنابز إيجابي أو سلبي حول أصالة الفكر وعلاقته بالقومية والهوية والوطنية والإسلام والعرق أحيانا، وفي هذا النطاق يدخل نقد مالك بن نبي لبعض معاصريه أمثال فرانز فانون ورمضان عبان، ورأي بعض هؤلاء في الثقافة والمثقفين أيام الثورة.
ابن نبي عن رمضان عبان
والواقع أن الثورة نفسها لم تخل من أعمال العنف والتصفيات، ومن الصعب البحث عن مبررات لهذه التصفيات، ومن الممكن عزوها إلى التنافس الشخصي والاتهامات المشبوهة والمرتجلة، ولكن يصعب لمس الحقيقة في مثل هذه الأحداث، وإذا كان العاملون في الميدان لهم مبرراتهم وحججهم في التخلص من بعضهم البعض باسم الغيرة على مصير الثورة تارة وباسم مطاردة شبح الخيانة تارة أخرى فإن حكم مفكر في مقام مالك بن نبي على سياسي ديناميكي في حجم رمضان عبان، يجعل المرء يتساءل بطريقة أكثر إلحاحا
(1) المدني، حياة كفاح 3/ 407، 418 - 419.
للوصول إلى الحقيقة، ولا شك أن عددا من علامات الاستفهام ستختفي مع أصحابها قبل أن تجد لها جوابا، ومما يزيد الأمر استغرابا بهذا الصدد أنه لا توجد أفكار مشتركة بين ابن نبي وعبان، كما لا نتصور أن بينهما تنافسا على زعامة ما.
يتهم ابن نبي عبان اتهاما لا غبار عليه بأنه كان يخطط لتحويل الثورة عن مسارها، وأنه رجل (مندس) في الثورة وليس منها، وأن دخوله (أو إدخاله) إلى الثورة كان عملا خارجيا، فهو خطأ - كما يقول - (مولد)، وليس خطأ نابعا من تحول ذاتي للثورة، أو اجتهادا شخصيا لتصحيح مسارها، وأن عبان كان لعبة في يد (الحاوي) الذي يرمز به ابن نبي إلى الاستعمار الذي يقدم ألعابه الخادعة إلى الناس في صورة تغيب عنهم معها الحقيقة، وفي نظر ابن نبي أن مصالي قد قام بدوره ربما عن حسن نية رغم أن مخططه كان يخدم الاستعمار لأنه كان متطابقا مع ما يريده (الاستعمار)، وأن مصالي قد كون في (مدرسته حفنة من الزعماء الصغار) فقتلوه وخانوا الثورة، ثم انتهى الأمر بأن تنكر هو نفسه للثورة تكبرا وغطرسة. أما عبان فإن ابن نبي متأكد من أنه رجل (متواطى
…
فتصرفاته المريبة لا تترك ظلا من الشك على هذه الحقيقة،) فقد كان حتى آخر لحظة من حياته يرتضى لنفسه لعبة الحاوي (الاستعمار) ليجهز على الثورة ولكي يغتصب سلطتها ويحاول استعمالها ضد الثورة نفسها (1).
وإذا كان عبان من القادة البارزين وفي مسؤولية خطرة تجعله محط أنظار زملائه في الثورة وهدفا للهجمات الخارجية التي تريد أن توجه الثورة وجهة
(1) ابن نبي، مشكلة الأفكار في العالم الإسلامي، دار الفكر (الجزائر) ودار الفكر (دمشق)، ط 1، 1992، بسام بركة وأحمد شعبو، ص 122، 124، أيضا جريدة الرأي، ديسمبر 2002، انظر أيضا رأي أحمد (علي) محساس في عبان، ولعل من أخطاء عبان أنه كان لا يخفي زعامته الفردية في حين قامت الثورة نفسها على نفي هذا المفهوم.