الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
شعراء بغير العربية
حدثت الثورة في وقت كان فيه جيل من الشباب الجزائري يتفتح نحو الأدب باللغة الفرنسية أيضا، سواء في ميدان القصة أو الرواية أو المسرح (وقد درسنا ذلك في محله) أو الشعر، ولذلك عرف عقد الخمسينات بأنه عقد شهد فيه الإنتاج الأدبي خصوبة غير معهودة لاعتبارين الأول أن التعليم المحدود بالفرنسية الذي سمح به الفرنسيون للجزائريين منذ سنة 1945 قد بدأ يؤتي ثماره، كما أن طلاب جمعية العلماء، ولا سيما طلاب معهد ابن باديس، أخذوا يتخرجون وينتجون، أما الاعتبار الثاني فهو وجود الحافز الوطني الذي هو الثورة، فقد فتحت المجال أمام الشباب المثقف/ المتعلم لكي يعبر عن طاقته الأدبية في الحرية والاستقلال، ومن ثمة حدث ذلك التحرك الطلابي الذي عرفته الجزائر منذ 1954 والمتمثل في ميلاد التنظيمات كاتحاد الطلبة ورابطة الطلبة والإضراب عن الدروس والامتحانات ونحوها، وكان الأدب أحد جوانب هذا النشاط، وكان الشعر هو لسان الشباب المتحفز.
ليس غرضنا أن ندرس شعراء الجزائر بالفرنسية حالة بحالة وفردا فردا، والذي يهمنا منهم هو الشعر الذي قالوه في الثورة وليس شعرهم بصفة عامة، والمعروف أن منهم من نشر مجموعات شعرية ومن نشر قصائد في دوريات، ومنهم من جمع أشعارا بالعربية أو البربرية دون أن يكون هو قائلها، ومنهم من قال شعرا ثوريا، ومن اكتفى بالتعبير عن الحرية والطبيعة والمرأة والظواهر الاجتماعية كالفقر والحرمان، ومنهم من يعود شعره إلى الأربعينات ومن تجاوز عهد الخمسينات إلى الستينات وما بعدها.
فهذا السيد محمد بكوشة قد أصدر سنة 1946 مجموعة من الشعر الموزون في تلمسان بعنوان (أشعار حرة)، وهي ذات موضوعات مختلفة، من بينها الاضطهاد الذي عاشه الشعب بعد أحداث 8 مايو 1945، وقد أصدر نفس الشاعر مجموعة بعنوان (آمال) في الرباط، سنة 1958، بينما أصدر أحمد
الشامي (رياح الصحراء) من سعيدة سنة 1951 و (أنشودة الجزائر الشهيدة) 1960 ربما في المغرب، و (الغرق) سنة 1961، ومن جهة أخرى أصدر النبهاني قريبع مجموعات من الأشعار في سنوات مختلفة منها مجموعة (شكاوى العربي) سنة 1954، وأشعار النبهاني تنم عن روح فلسفية إنسانية وليست سياسية، وكان السيد محمد حداد ينشر شعره تحت اسم مستعار، ومنه (النبرة الحادة) سنة 1954 الذي أصدره في مونتكارلو، ونفس الشيء فعله الطاهر باقي الذي نشر تحت اسم مستعار مجموعته (أنا جزائري) وهي تشتمل على أشعار وحكايات، الرباط، 1958، وهو الذي أصدر أيضا (عن الحب والموت) سنة 1959 في الرباط، وقد علق الكاهن جان ديجو على أشعاره وحكاياته بأنها ساذجة.
ومن شعراء هذه المرحلة إسماعيل آية جعفر الذي يبدو أنه كان متقدما في صناعة الشعر، فله (شكوى العرب في القصبة وشكوى الطفلة ياسمينة التي قتلها والدها)، سنة 1951، وقد نشر هذا العمل في الجزائر سنة 1953، وهو الشعر الذي حاز على اهتمام الأدباء والنقاد في لغات أخرى، فنشر في مجلة (الأزمنة الحديثة) الفرنسية، كما ترجم إلى الإنجليزية في أمريكا ونشر سنة 1973، وهو شعر طويل ومثير للحزن والألم نظرا للموضوعات التي تناولها حول القصبة، وحديثه عن الفقر والفقراء، وللشاعر آية جعفر مجموعتان أخريان لم تطبعا وهما (مفترق الشر) و (المخاوف الصغيرة).
ومن هذا الرعيل الهادي فليسي في مجموعته (الرغبة الإنسانية)، باريس 1959، وحسين بوزاهر الذي نشر في باريس أيضا سنة 1960 مجموعة بعنوان (أشعار) وهي أشعار عن الثورة وعن الحرية والشعب والمجاهدين، بالإضافة إلى بوعلام خليفة الذي نشر (يقينيات) في باريس 1961، ونور الدين التيدافي الذي غنى لحرب التحرير في مجموعته (الوطن دائما) ونشرها في تونس 1962، ثم محمد حدادي في مجموعته (لابد من طلوع النهار) سنة 1961.
ولكن هناك شعراء (كبار) ظهروا خلال الخمسينات وارتبطوا بأدب الثورة نشرا وشعرا، منهم مالك حداد، وكاتب ياسين ومحمد ديب
…
فقد نشر مالك حداد ديوانه (الشقاء في خطر) في باريس 1956، تغنى فيه بالمقاومة الوطنية، وقد نوه به النقاد، ويقال إنه تأثر في شعره عندئذ بأدب إيلوار وأراغون، وفي وقت لاحق نشر مالك حداد مجموعة (أستمع إلي أناديك) في باريس 1961، وقد سبقت أشعاره هذه مقالة عنوانها (الأصفار تصبح مدورة)، وأشعار مالك حداد تعبر عن الجزائر وهي تخوض حرب التحرير وتكافح من أجل الحرية.
أما كاتب ياسين فقد دخل ميدان الأدب بمجموعة شعرية سنة 1946 من عنابة حيث نشر مجموعته (موليلوك)، وأعلن مرات عن مجموعات شعرية أخرى ولكنها لم تظهر في الواقع، منها (قصائد الجزائر المضطهدة) 1948، ومجموعة (مائة ألف مخدر)1958.
ونشر محمد ديب مجموعة شعرية بعنوان (الظل الحارس) في باريس 1961، وهي المجموعة التي كتب له مقدمتها أراغون، وقد أصبحت أشعاره معروفة في عالم الأدباء، وهي تتحدث عن الجزائر الأم وعن المنفى الحديث وعن الغربة الفعلية كما كان يعيشها عندئذ والغربة الرمزية الداخلية، ومحمد ديب تحدث في مجموعته عن ذاته في هذا العالم القلق.
ومن الذين برزوا في ميدان الشعر محمد الحاج يعلى الذي نشرت له (المجاهد) قطعا معبرة عن روح الثورة، فقد احتوت الصفحة الأخيرة من جريدة المجاهد وفي ركن بعنوان (ركن الشعراء المقاومين) قطعة بعنوان (الحرب والتهدئة) وبتوقع، M. Y الذي قرأناه (محمد يعلى)، وقد أهدى هذا الشعر إلى أولئك المعروفين أو المجهولين الذين استشهدوا لكي تعيش الجزائر حرة، وختم القطعة بعبارة الحرية أو الموت، وقد وجدنا للشاعر محمد يعلى قطعا أخرى، واحدة بعنوان (فقراء مدينتي) الذين يقول عنهم إنهم (عند بزوغ كل فجر تراهم على اختلاف أعمارهم يعلو وجوههم الشحوب
…
همهم هو
التسكع خلال الديار، بحثا في القمامة، يدفعهم إلى ذلك الإملاق المرسوم على وجوههم
…
أمام كل باب وتحت الأقواس يقضون ليلهم
…
الخالي من الأمل
…
المشحون بالضجر، ما أكثر هؤلاء في مدينتي الجميلة!
ولمحمد يعلى قطعة أخرى بعنوان (دماء أهل الحق) يقول فيها: (ألواح الحرب القائمة
…
من يقدر على وصفك بالكلمات .. الحرب جحافل من البشر لا يملكون سكنا ولا خبزا، نجوا بمعجزة من الخراب، وذهبوا ينتظرون الموت على قارعة الطريق
…
الحرب
…
آلاف الزوجات والأمهات يسفحون وابلا من الدمع .. الحرب .. سيل من الدماء!) إن قطعة (فقراء مدينتي) منشورة أيضا في L'Echo بتاريخ 20 أكتوبر 1957، ولمحمد يعلى قطعة أخرى موجودة في أوراقي بالفرنسية عنوانها Aboublie تبدأ هكذا:(قلت لقلبي مع من أتقاسم المرأة غير المخلصة) .... وهي قصيدة تعود إلى ما قبل الثورة فهي ترجع إلى مايو 1949.
وأثناء وجود محمد يعلى في القاهرة أيام الثورة كنا نلتقي رفقة التارزي الشرفي وحسن الصائم ونتبادل الحديث حول الأدب الجزائري، وأذكر أنني نشرت له قطعة قصيرة في مجلة (الرسالة الجديدة) المصرية بعد أن ترجمتها إلى العربية بمساعدته، وطالما أمدني بمعلومات عن الأدب الجزائري المكتوب بالفرنسية
…
ويبدو أنه لم يستمر في التعاطي مع الأدب لأنه غرق في السياسة إلى الأذقان، ولا نشعر بضرورة الترجمة لحياته هنا - على غرار ما فعلناه مع زملائه - لأن الرجل معروف الآن، وقد تولى بعد الاستقلال مسؤوليات كبيرة في الدولة، وهو الآن متقاعد، ونلتقي من وقت لآخر فى المناسبات الثقافية.
بالإضافة إلى المجموعات الشعرية المنسوبة لأصحابها أو القصائد الفردية المنشورة - في المجلات والجرائد، هناك مجموعات أو مختارات قام غير الشعراء بجمعها وتقديمها للقراء، من ذلك (أشعار بربرية قبائلية) جمعها جان عمروش وطبعت في تونس، 1947، وقد قام مولود فرعون بجمع بعض (أشعار سي
محند) ونشرها في باريس 1960، ولكن مولود معمري هو الذي جمع ديوان سي محند ونشره كله سنة 1969 بعنوان (إيسفرة سي محند)، ولكن جهد معمري خارج عن التاريخ الذي حددناه (1).
وما دمنا نتحدث عن نشر المجاميع فلنشر إلى أن مصطفى الأشرف قد نشر سنة 1953 (أغاني الفتيات العربيات) في باريس، وقد ترجمها من العربية إلى الفرنسية، وهي تتعلق بالحياة اليومية، والغزل، والعمل، مع مقارنة بالشعر الأندلسي، أما دنيس باريه D. Barret فقد نشر مجموعة من الشعر المعاصر تحت عنوان (الأمل والخطاب) Espoir et Parole باريس 1963، وهي وإن ظهرت بعد الاستقلال إلا أنها تحمل تواريخ عهد الثورة وتتعلق بحرب التحرير.
ويجب أن نذكر أنه إلى جانب المجاميع الشعرية (الدواوين) التي نشرها أصحابها هناك القصائد التي نشرت في الدوريات، ومن الذين فعلوا ذلك قبل وأثناء الثورة، نذكر نور الدين عبه، ورشيد عبد الجليل، ومحمد أبركان، وإسماعيل آية جعفر، وبشير الحاج علي، وقدور محمصاجي ومصطفى الأشرف، ومالك واري، وقد احتوى العدد الخاص من مجلة (النقد الجديد) الصادرة سنة 1960 على مجموعة من الشعر الموضوع والمترجم.
ومن الملفت للنظر في الشعر المكتوب بالفرنسية أن هناك شعراء من الجنس اللطيف بخلاف زميلاتهن اللائي يكتبن بالعربية، ففي الوقت الذي لا نكاد نجد فيه امرأة كتبت شعرا بالعربية في فترة الثورة وجدنا عددا من النساء كتبن الشعر بالفرنسية، وهي ظاهرة تستحق الدراسة من النقاد وعلماء الاجتماع، وإليك بعض الأسماء: ليلى الجبالي، وآسيا جبار، ومليكة أو
(1) عرض فيلم (المتمرد) الذي يقدم حياة محند أو محند سنة 2004، وعرضت جريدة الشروق اليومي نبذة وافية عن حياة سي محند (1840 - 1905) ومغامراته العاطفية والوطنية، أنظر عدد 22 نوفمبر، 2004.