الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومن سوء حظ صاحب التقرير أن توصياته بقيت حبرا على ورق وأن الوزارتين المعنيتين قد وضعتا التقرير على الرف لأنه فيما يبدو غير موضوعي ولأنه مفعم بروح الانتقام المجاني، فكيف تقوم الحكومة المؤقتة، وهي وسط المعمعة بمنع الطلبة في المشرق العربي من الدراسة ومن حق العيش بقطع العلاقة مع نخبة من أبناء الجزائر؟ فهل كانت جبهة التحرير تعمل في غابة منعزلة بعيدا عن الأنظار والأسماع؟
على كل حال فإن التقرير قد احتوى على تفاصيل عن نشأة الاتحاد وظروفه، ونشأة رابطة القاهرة وتنظيمات الطلبة في العراق وسوريا والكويت، ثم الرابطة الأم، وحق تمثيل الاتحاد في المؤتمرات الطلابية العربية والخطط المعلنة والمضمرة، وهو مقسم إلى فصول وعناوين وأرقام، وله خاتمة وتوصيات (1).
المؤتمر الرابع للاتحاد
للمؤتمر الرابع لاتحاد الطلبة المسلمين الجزائريين أهمية خاصة، فقد انعقد لأول مرة خارج أوروبا (فرنسا)، انعقد في بلاد عربية نالت استقلالها حديثا وجارة للجزائر هي تونس، وانعقد بعد تأسيس الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزايرية، وقد أصبح لها شأن في القضايا الدولية واعترفت بها دول عديدة على رأسها البلاد العربية، وكذلك بعد إعلان الرئيس الفرنسي استعداد بلاده لتطبيق مبدأ تقرير المصير للشعب الجزائري مما جعل فكرة استقلال الوطن على الأبواب وأصبح ذلك مسألة وقت فكانت لغة المؤتمر الرابع السائدة هي الإعداد للجزائر المستقلة، كما أن التوازن الدولي جعل الاتحاد ينجح في مخاطبة الاتحادات العالمية والوطنية من موقع الحياد والقوة والاستقلالية، وقد
(1) انظر الأرشيف الوطني، علبة 21 - 50، بدون تاريخ، ولكنه مكتوب بعد سبتمبر 1958، وعنوانه الكامل هو: تقرير إلى السيدين وزيري الداخلية والشؤون الثقافية عن أداء الطلبة الجزائريين في البلدان العربية.
فهم الجميع أن دخول الجزائر المسرح الدولي أصبح قاب قوسين أو أدنى.
ومن جهة أخرى فإن الاتحاد قد استطاع أن يجمع الطلبة الجزائريين في فروع تابعة له بلغت عندئذ عشرين فرعا وهي الفروع التي حضرت جميعا من أوروبا وأمريكا والمشرق العربي والمغرب العربي، وهكذا فلأول مرة يجتمع الطلبة الجزائريون - مهما تعددت اختصاصاتهم واللغات التي يدرسون بها والبلدان التي يقيمون فيها - اجتمعوا على صعيد واحد يتداولون في مصير بلادهم ويعدون العدة للجهد المشترك في بناء وطنهم الموحد، ومن حسن حظي أنني كنت حاضرا هذا المؤتمر ممثلا - مع آخرين - لطلبة فرع القاهرة، فكانت المشاركة فيه صفحة جديدة في حياتي النضالية، ولا شك أن الطلبة الآخرين قد شعروا بمثل ما شعرت.
على هذه الخلفية نريد أن نبرز أهمية المؤتمر الرابع للاتحاد، فقد انعقد على أرض عربية، بحضور كافة الفروع والوفود الأجنبية التي وجهت إليها الدعوة وعددها حوالي 120 منظمة طلابية وشبابية.
أما القضايا التي طرحت على المؤتمر الرابع فهي قضايا تمس جوهر المستقبل الوطني، وقد ظهر قادة الاتحاد عندئذ وكأنهم قطاع كبير من الدولة الناشئة، وكانت القضايا المثارة هي: 1 - الثورة والتحرر الإفريقي، 2 - العلاقات مع الحركات الطلابية العالمية والوطنية، ما الموقف منها وكيفية الانخراط فيها، ومن ضمنها التضامن والتعاون والوحدة بين الحركات الطلابية، ومنها اتحاد الطلبة العرب واتحادات طلاب المغرب العربي، 3 - الوضع الثقافي والنقابي للاتحاد كالدراسة في الجزائر والخارج، والمنح، والتوجيه، وما إلى ذلك.
والمبادئ العامة التي ركز عليها المؤتمر هي: 1 - مكافحة الاستعمار. 2 - استقلال الاتحاد بالنسبة للمنظمات الطلابية العالمية المنتمية إلى المعسكر الشرقي أو الغربي، ولاسيما الاتحاد العالمي للطلاب والندوة العالمية للطلاب.
والمبدأ هو مد يد الصداقة للجميع، والتعاون مع الجميع (1).
ولأهمية الحدث خصصت المجاهد له عددا ضمنته الوقائع: من كلمة رئيس الحكومة المؤقتة عندئذ السيد فرحات عباس إلى كلمة عبد الحميد مهري وزير الشؤون الثقافية، إلى كلمة رئيس الاتحاد نفسه، ثم كلمات الوفود الطلابية العربية والأجنبية، وكان السيد عبد الرحمن شريط رئيس فرع تونس هو رئيس المؤتمر، وقد وصفت المجاهد جلسات المؤتمر يوما بيوم على مدار سبعة أيام (الثلاثاء 26 يوليو إلى الاثنين أول أغسطس، 1960)، وقالت إن عدد الوفود الأجنبية التي حضرت بلغ 29 وفدا، وأن فروع الاتحاد بلغت 20 فرعا، جاء ممثلوها من مختلف أنحاء العالم، وقد نشرت الجريدة صورا لبعض الحاضرين والقادة والجلسات، ومما ذكرته أيضا أن الاتحاد قرر الرجوع إلى الدراسة وفك الإضراب (بالنسبة لجامعة الجزائر؟) بالاتفاق مع قادة الثورة نظرا لحاجة البلاد إلى إطارات، وربما مواجهة البلاد عجزا فظيعا في الإطارات لأن الطلبة المتخرجين هم الذين سيعوضون الموظفين الأوروبيين في جزائر الغد.
وهذه هي عناوين الجريدة المستقاة من محاضر المؤتمر ومن كلمات الوفود وشعارات الاجتماع: أهمية المؤتمر الرابع، كيف عاش المؤتمر أسبوعه الخالد، التقرير الأدبي، ومقولة رئيس الحكومة: إن مشاركتكم في الكفاح التحريري تجعل منكم طليعة الثورة، ومقولة وزير الشؤون الثقافية: الثورة ربطت المثقف الجزائري بروح الأمة وضمته إلى أحضان الشعب، وأهم مقررات المؤتمر وتوصياته، والمؤتمر يثير إعجاب طلاب العالم
…
(2).
ولاحظت المجاهد أن الطلبة بقوا محافظين على شخصيتهم القومية والروح الوطنية والعربية، كما برهنوا على ذلك في المؤتمر، رغم أنهم يعيشون
(1) المجاهد، 73، 25 يوليو، 1960.
(2)
المجاهد 74، 8 أغسطس، 1960، وقد صدرت نشرة خاصة عن المؤتمر بالفرنسية تضمنت الكلمات والتقارير وبعض الصور للحاضرين.
في بلدان وبيئات مختلفة وداخل عادات وتقاليد مغايرة لعاداتهم وتقاليدهم، وكان المؤتمر قد انتخب المجلس الإداري الذي يتألف من 21 عضوا، منهم سبعة أعضاء يكونون اللجنة التنفيذية، ثم اجتمع المجلس لانتخاب اللجنة وهي التي أعادت انتخاب مسعود آيت شعلال الذي عقد مؤتمرا صحفيا، ولكن مقررات المؤتمر لم تنشر كلها، فهناك ما كان يمكن نشره وما كان يعتبر قرارات سرية تتعلق بمسائل داخلية حساسة لا يجوز نشرها عندئذ، أما اللوائح التي سمح بنشرها فهي المتعلقة بإفريقيا، والسياسة العامة بالجزائر، والمتعلقة بالوطن العربي، ولائحة (الطلبة الفرنسيين العاملين في صفوف جيش التحرير الوطني)، ثم لائحة شكر الاتحاد العالمي للطلبة، ولائحة شكر لحكومتي تونس والمغرب، ولائحة حول جامعة (ودادية؟) شمال إفريقية، ولائحة شكر البلدان العربية، وأخيرا لائحة حول المغرب العربي، ومن الوفود التي حضرت وفود الصين والاتحاد السوفياتي وفلسطين.
بالنسبة للائحة الخاصة بالحركة الطلابية العربية نشير إلى أنها قد نوهت بالشخصية العربية للجزائر وركزت على الكفاح المشترك وأهمية الثقافة العربية، ومما يلاحظ أن الدول الإسلامية غير مذكورة ولم تأخذ أي حيز في المؤتمر، كما أن الحديث عن الإسلام وحضارته لم يرد لهم ذكر في اللوائح والخطب، فالاتجاه العلماني كان واضحا في المؤتمر، وكأن الأمر يتعلق بمؤتمر لا يتحدث عن الثورة الجزائرية التي اتخذت رموزا إسلامية ودينية واضحة في مسيرتها وتعبئتها للشعب، فإطار المبادى الإسلامية المعلن في بيان أول نوفمبر ومصطلحات: المجاهد، والشهيد، والمسبل، والمحافظة على القيم الإسلامية في القضاء والأحكام، والممارسات الدينية كالصلاة، والتكبير عند الهجوم أو عند الإعدام
…
كلها غابت من قاموس المؤتمر الرابع، أما الافتتاح أو الاختتام بالقرآن فلا مجال للحديث عنه.
لقد جاء في اللائحة الموجهة للحركة الطلابية العربية: إن الاستعمار الفرنسي حاول القضاء على الشخصية العربية للجزائر بمحاربة الثقافة العربية
وتشويه التاريخ القومي للجزائر) وقالت إن الكفاح والثورة من أجل (عودة الجزائر إلى حضنها الطبيعي الذي تربطها به الثقافة والتاريخ والمصدر المشترك وهو المجموعة العربية)، ولما كان النهوض بالثقافة العربية هو مسؤولية كل الأقطار العربية، ولما كان الطلبة هم الطليعة التي تتحمل (عبء النهوض بالثقافة العربية في المستقبل) وحيث أن (توحيد الحركات الطلابية العربية يخدم قضية الثقافة العربية) فإن المؤتمر الرابع:
- يؤكد على وجوب العمل على الاتصال بجميع الاتحادات الطلابية العربية لعقد مؤتمر عام خلال هذه السنة (1960) من أجل تحقيق وحدة الطلاب العرب.
- مناصرة القضايا العربية ولاسيما الطلابية منها.
- يحي الاتحادات الطلابية العربية الجديدة، (يعني طلاب فلسطين وطلاب الأردن بالخصوص)(1).
إن هذه اللائحة لا تدع المجال مفتوحا أمام الرؤية الحقيقية لاتحاد الطلبة المسلمين الجزائريين، فقد اختفت منه عبارة (المسلمين) التي أثارت زوبعة ايديولوجية عند إنشاء الاتحاد، لقد أصبح اتحاد طليعة ثورية يريد تغيير المسار إلى ما هو أفضل من أجل خدمة الثقافة والأمة العربية، ولكن الاتحادات العربية كانت تنوء بأحمال من التبعية وليست أبدا حرة في اتخاذ قراراتها وعلاقاتها، فقد كانت الحكومات والأحزاب المحلية هي التي تسيطر على الاتحادات وتوجهها وفق رغباتها السياسية الضيقة.
ومن جهة أخرى بعث الرئيس الجديد للاتحاد مذكرة إلى اتحادات الطلاب في الأقطار التابعة لمنظمة الحلف الأطلسي يدعوهم فيها للقيام بعمل ما لحمل حكوماتهم على التخلي عن دعم (جريمة الحرب) الاستعمارية التي يشاركون
(1) المجاهد، 75، 22 أغسطس، 1960.