الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
للإنتاج المتعلق بالنشر والتوزيع، ودعا إلى رفع الحظر المضروب على المنشورات المطبوعة في الخارج، خصوصا باللغة العربية، بحيث تدخل الجزائر مختلف الأعمال التربوية والمؤلفات والخرائط والأفلام والأقراص والأشرطة
…
فيما يتعلق بالإذاعة ذكر التقرير أنه من المحتم إعادة النظر في حجم الساعات وإدخال الجزائريين في خدمتها إلى الحد الأقصى، وتقوية الإرسال ودعم الحصص باللغة العربية وتطويرها، كما طالب بوضع برنامج لتوجيه الحصص الأدبية والعلمية والمسرحية نحو التربية المدنية للجماهير ودعم الروح الوطنية.
واهتم التقرير حتى باللحن المميز للإذاعة فطالب بتغييره وإدخال النشيد الوطني الجزائري في برامج الإذاعة، وإشعار السلطة الفرنسية بعدم التدخل في الحصص الجزائرية، (أثناء المرحلة الانتقالية؟).
وبناء على التقرير فإنه توجد حاليا وكالة الأخبار الفرنسية A. F. P التي تحتكر أحداث الجزائر، وهي معروفة الصلة بالحكومة الفرنسية والدوائر الاستعمارية
…
فمن الضروري الحد من نشاطها بتنظيمات جديدة محددة في انتظار إنشاء وكالة جزائرية فريدة مزدوجة اللغة، يقول التقرير ذلك مع أن أصحابه يعرفون أن للجزائر عندئذ وكالة رسمية للأنباء (1).
الثقافة في اتفاقيات إيفيان
بالرجوع إلى نصوص هذه الاتفاقيات نلاحظ أنها:
لم تكتب باللغة العربية ولم تترجم إليها قبل التوقيع عليها وأن الوفد الجزائري المفاوض كان حاضرا وكأنه يمثل بلادا فرنكفونية مثل كندا أو بلجيكا.
(1) الأرشيف الوطني، علبة 27، وليس للتقرير تاريخ مذكور معه، ولكن إعلان وقف إطلاق النار يرجع - كما هو معروف - إلى 19 مارس سنة 1962.
فكان يتخاطب مع الفرنسيين ويحرر وثائقه ومعاهداته بلغتهم لا بلغته. فموضوع السيادة اللغوية كان غائبا لدى الوفد.
والغريب أنه لم ينص في الاتفاقيات على أن العربية ستكون لغة الجزائريين في التعليم والإدارة والمعاملات بحيث لم تذكر العربية سوى مرة واحدة، فقد جاء في إعلان المبادى أن المناهج التي تسير عليها المنشآت التعليمية التي تؤسسها كل بلاد في البلد الآخر تعلم لغة الآخر - فالجزائر تعلم العربية في مدارسها بفرنسا وفرنسا تعلم العربية في مدارسها بالجزائر، كما نص على أن كل بلد يشجع دراسة اللغة والتاريخ وكذلك الحضارة الخاصة بالبلد الآخر.
وقد ركزت الاتفاقيات على احترام وتعليم اللغة الفرنسية في الجزائر بالنسبة للفرنسيين الذين كان متوقعا بقاؤهم بعد الاستقلال سواء كانوا من حملة الجنسية الفرنسية أو الذين اختاروا الجنسية الجزائرية، بحيث يمارسون اللغة الفرنسية في الحياة السياسية والإدارية والقضائية والتعليم.
ويفهم من سياق النص وإلحاح الصائغ أن الثقافة الفرنسية، ممثلة في التعاون العلمي والتعليمي والتقني والفني ستكون هي السيدة في الجزائر.
وإليك بعض التفاصيل، فالاتفاقيات نصت على أن تضمن الجزائر مصالح فرنسا والحقوق المكتسبة للأفراد الحقيقيين والمعنويين بالشروط التي تحددها هذه الاتفاقات، فإذا فعلت الجزائر ذلك فإن فرنسا ستقدم إليها المساعدة الفنية والثقافية
…
وبعد الحديث عن التعاون الاقتصادي والاجتماعي والمالي تقول الاتفاقيات إن فرنسا ستبقى على القوانين واستغلال ثروات الصحراء والتعدين وأنها مع الجزائر ستبقى العلاقات الثقافية بحيث يستطيع كل بلد إنشاء مكتب ثقافي وجامعي في البلد الآخر، وهذه المنشآت ستفتح أمام الجميع، وتتعهد فرنسا بتقديم مساعدتها لإعداد الفنيين الجزائريين وستضع الحكومة الفرنسية موظفين فرنسيين لدى الحكومة الجزائرية، وخاصة المدرسين والفنيين (1).
(1) ابن خدة، اتفاقيات إيفيان، الترجمة العربية، ط، 2002، ديوان المطبوعات الجامعية.
وفيما يتعلق بالمعتقدات وحرية التعليم واللغة الفرنسية نصت الاتفاقيات على ضرورة التقيد بحرية المعتقدات للجزائريين الذين سيخضعون للقانون المدني العام (أي الفرنسيين الذين سيصبحون جزائريين)، وكذلك ضمان حرية إقامتهم للشعائر الكاثوليكية والبروتيستانتية واليهودية، وحرية تنظيم هذه المعتقدات وممارستها وتعلمها وحرمة أماكن العبادة، لقد وردت هذه العبارات رغم أن فرنسا طبقت فصل الدين عن الدولة منذ 1905 على النصرانية واليهودية ولم تطبقه على الإسلام، كما عرفنا، ومما يلاحظ أن الوفد الجزائري لم يحرص على تضمين نصوص مشابهة في الاتفاقيات بالنسبة للجزائريين الذين يعيشون في فرنسا، فهؤلاء الجزائريون ليس لهم ضمانات لإقامة شعائرهم الدينية وحرية بناء المساجد مثلا، وتعلم دينهم ولغتهم، كما حرص الوفد الفرنسي.
كما حرص الوفد الفرنسي على أن النصوص الرسمية التي تصدرها الحكومة الجزائرية المقبلة تنشر أو تبلغ باللغة الفرنسية وباللغة الوطنية (كذا) أيضا (دون تسمية هذه اللغة ولا الحديث عنها من قبل)، كما تستخدم اللغة الفرنسية في المعاملات بين المرافق العامة الجزائرية وبين الجزائريين الخاضعين للقانون المدني العام، ولهؤلاء الجزائريين الحق في استخدام اللغة الفرنسية، خاصة في الحياة السياسية والإدارية والقضائية، كما سبق، بمعنى آخر أنهم غير ملزمين بتعلم اللغة العربية ولا باستعمالها في مختلف أنماط حياتهم.
إن الوفد الجزائري قد غض الطرف عن مسألة أخرى هي المنشآت التعليمية، فللفئة الفرنسية الباقية في الجزائر الحق في اختيار منشآت التعليم وأنظمته، كما لها الحق في إنشاء وإدارة المؤسات التعليمية الخاصة بها، ولها الحق كذلك في الالتحاق بالأقسام الفرنسية التي ستنظمها الجزائر في منشآتها التعليمية طبقا لما جاء في إعلان المبادى الخاصة بالتعاون الثقافي، وإضافة إلى ذلك فإن على الإذاعة والتلفزيون تخصيص جزء من إذاعتها باللغة الفرنسية
يتناسب مع أهمية هذه اللغة في الجزائر (كذا)(1).
وتستمر الاتفاقيات في إعطاء الأولية للغة الفرنسية بقولها إن الرعايا الفرنسيين لهم الحق في استعمال اللغة الفرنسية في جميع علاقاتهم مع القضاة والإدارة، ولهم الحق أيضا في فتح منشآت تعليمية خاصة بهم وأداتها للبحث والتعليم، ومن جهة أخرى على الجزائر أن تفتح لهم أبواب مؤسساتها التعليمية، ولهم الحق أيضا في الالتحاق بالأقسام الفرنسية المذكورة في إعلان المبادى الخاصة بالتعليم المجاني (2).
وإعلان المبادى الذي طالما أشارت إليه الاتفاقيات ينص - في المجال الثقافي - على أن فرنسا ستمد الجزائر بالمدرسين والفنيين والوسائل اللازمة لتطوير التعليم والبحث، بما في ذلك التفتيش وإجراء المسابقات والامتحانات، وللبلدين الحق في إقامة منشآت تعليمية ومعاهد جامعية في البلد الآخر، ولرعايا كل بلد حرية الالتحاق بهذه المنشآت والمعاهد.
وستتضمن هذه المنشآت مناهج تسير على ضوئها في التعليم، بما في ذلك تعليم اللغة العربية في الجزائر واللغة الفرنسية في فرنسا، على أن يشجع كل من البلدين في أرضه دراسة اللغة والتاريخ والحضارة الخاصة بالبلد الآخر (3).
إن مقارنة بسيطة بين نصوص وبرامج الثورة من بيان أول نوفمبر إلى برنامج طرابلس تساعد على تحديد مسار الثورة الفكري، هل كانت تسير وفق استراتيجية واضحة منذ البداية بحيث تقف على أرضية إيديولوجية راسخة محددة المعالم، كما ذهب إلى ذلك ابن خدة وحتى فرحات عباس ومن سار على رأيهما، أو كانت ثورة تحريرية عليها بعد استرجاع الاستقلال فقط أن
(1) نفسه، ص 100.
(2)
نفسه، ص 103.
(3)
نفسه، ص 117 - 118.