الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كما كانت تمنع تبني إيديولوجية الشرق أو الغرب، لذلك كان موقف الاتحاد حياديا بين المنظمتين الطلابيتين الدوليتين اللتين كانتا تتنازعان الحركات الطلابية في العالم، والتمسك بالمبدأ القائم على التعاون مع كل المنظمات الطلابية الدولية والحركات الطلابية الوطنية لفائدة الثورة (1).
استأنف الطلبة الدراسة في مختلف الجامعات الفرنسية، ولكنهم استثنوا جامعة الجزائر لموقفها المتصلب من الثورة حسب صحيفة (لاكسيون) التونسية (21 أكتوبر، 1957)، وانعقد المؤتمر الثالث للاتحاد سرا في باريس برئاسة مسعود آيت شعلال، خلال ديسمبر 1957، لكن السلطات الفرنسية قامت بحل الاتحاد في 27 يناير 1958، فلم يبق أمام الطلبة إلا التوجه نحو البلدان الأوروبية لمواصلة دراستهم، رغم بقاء فرع سري للاتحاد في باريس (2).
تقرير عن طلبة المشرق العربي، 1959
حصد طلبة القاهرة الحظ الأوفر من اللوم والاتهام في التقرير الذي كتب عن رابطة الطلبة الجزائريين في المشرق العربي سنة 1959 على إثر توترات تعرضنا إليها سابقا، وإلى الآن لا يعرف من هو الذي حرر التقرير الطويل الذي يقع في إحدى عشر صفحة، لأنه غير موقع من أحد، فهل هو الكاتب العام للاتحاد بعد زيارته للقاهرة وفشله في جمع كلمة طلبة المشرق تحت راية الاتحاد؟ أو كتبه شخص آخر من أجهزة الحكومة المؤقتة؟ على كل حال فإن التقرير مؤرخ بشهر أغسطس 1959 أي بعد حوالي شهر من اتخاذ الرابطة القرار بحل نفسها والانضمام للاتحاد (انظر سابقا)، وهو مكتوب بالفرنسية ومرقون، ويتعرض بالتفصيل لحالة الطلبة في المشرق عموما وطلبة القاهرة خصوصا، ويختم بتوصيات محددة وقاسية تكاد تصل إلى الاتهام بالتخريب والخروج عن الجماعة في وقت كان يكفي فيه تهمة واحدة لكي يقاد صاحبها إلى مقصلة الثورة.
(1) عواطف عبد الرحمن، الصحافة العربية
…
ص 122.
(2)
هلال، نشاط
…
ص 140 وهنا وهناك.
جاء في هذا التقرير أن عدد طلبة القاهرة عندئذ بلغ مائة وعشرين (120) طالبا، وهم ينتمون إلى مختلف أنحاء الجزائر ويدرسون في كليات ومعاهد، وكان هؤلاء (سبق أن المصادر الفرنسية قدرتهم بمائة وخمسين دارسا في الأزهر)، وتشير المعلومات إلى أن كل الطلبة قبل الثورة كانوا يعيشون على مساعدات من عائلاتهم، ولكن منذ الثورة انقطعت بهم السبل ولم يعودوا يتلقون شيئا من بلادهم، فساء حالهم رغم أنهم أصبحوا يتلقون إعانات من الإدارة المصرية ومن مكتب جمعية العلماء بالقاهرة، وهي إعانات غير كافية، لذلك أصبح هؤلاء الطلبة هم الأكثر فقرا وبؤسا بين الطلاب العرب في القاهرة، مما عرضهم للمرض والفاقة، وقد جرى اجتماع في مكتب جمعية العلماء برئاسة أحمد توفيق المدني المكلف بالشؤون الثقافية في الوفد الخارجي لجبهة التحرير الوطني، فقررت منح الطلبة مساعدة تضمن الحد الأدنى للمعيشة وهي تتحدد حسب المستوى الدراسي للطالب، على أن تتوقف المساعدة حالما تصل الطالب مساعدة من أهله، أو دعي الطالب لخدمة الثورة، وقد أرسل المكتب العسكري منهم ثمانية عشر مجندا إلى الجزائر، وهناك آخرون كانوا يستعدون للسفر، هذه هي بداية محتوى التقرير (1).
واتهم التقرير الموجه إلى وزيري الداخلية والثقافة في الحكومة المؤقتة الطلبة بالانفصال عن الجماعة (اتحاد الطلبة) قائلا: في الوقت الذي يجد الطلاب الجزائريون أنفسهم منتمين في مختلف البلدان إلى الاتحاد (لوجيما) نجد طلبة المشرق العربي ما يزالون خارجين عنه، والأكثر خطورة في نظر صاحب التقرير هو أنهم أنشأوا تنظيما موازيا أسموه (رابطة الطلبة الجزائريين في المشرق العربي)، ولماذا طلبة القاهرة بالذات؟ يذهب التقرير إلى أن هؤلاء كانوا على علم بتفصيل نشأة الاتحاد في فرنسا سنة 1955 وأن معظم الطلبة في المشرق كانوا متواجدين في القاهرة، وادعى أن الدعوة لحضور المؤتمر قد
(1) انظر الأرشيف الوطني علبة 3.
وجهت إليهم ولكن ظروفهم المادية والأمنية لم تسمح لهم بالسفر إلى باريس لحضور الاجتماع، فاكتفوا بإرسال رسالة مشاركة وانتماء قرئت (كذا) على الحاضرين مما جعلهم من المؤسسين للاتحاد، وهو ما ينفيه مسؤولو الرابطة ويقولون إنهم لم يتصلوا بأي دعوة ومن ثمة لم يرسلوا أية رسالة، ويعترف التقرير أن نفس الصعوبات (المادية والبوليسية) واجهت طلاب القاهرة أيضا سنتي 1956 و 1957 وعاقهم عن الحضور.
يشكو التقرير من كون طلاب، القاهرة قد أسسوا سنة 1956 رابطة خاصة بهم، ثم تلاهم طلبة دمشق وبغداد والكويت فأسسوا أيضا تنظيمات محلية، وبينما تجاهلت رابطة القاهرة الاتحاد في دستورها فإن طلبة بغداد ودمشق اعتبروا أنفسهم في دستورهم فروعا للاتحاد، ورغم أن لجنة التنسيق والتنفيذ قد أنشأت مصالح للطلبة ضمن إدارة الشؤون الاجتماعية والثقافية، فإن ذلك قد هيأ الساعة التي ينظم فيها الطلاب في المشرق أنفسهم في فروع للاتحاد، ولا يتعدى الأمر إذن في نظره إعادة تسمية رابطة القاهرة أو غيرها باسم فرع (لوجيما) في
…
ولا حاجة إلى شروط أو سوء فهم، ولهذا الغرض جاء رئيس الاتحاد (آيت شعلال) ونائبه والكاتب العام (عبد اللاوي) إلى القاهرة في أوقات مختلفة لإعطاء الموضوع الصفة الرسمية، غير أن هناك روحا انفصالية ظهرت بين طلبة المشرق منعت من تحقيق ذلك، فقد عقدوا اجتماعا (انفصاليا) في دمشق، سبتمبر 1958، (تاريخ تأسيس الرابطة الجامعة) حضره طلبة القاهرة، لتكوين رابطة مشتركة، وحضرت وفود من مختلف روابط الطلبة الجزائريين في البلدان العربية.
وبعد رجوع وفد القاهرة من دمشق طلب منهم تقديم تقرير مكتوب عن الاجتماع يشمل المحضر واللوائح، ولكنهم لم يفعلوا واكتفوا بتقرير شفوي مفاده أنهم قرروا الانضمام إلى الاتحاد بعد تمكين فروعهم من تكوين فيدرالية داخل الاتحاد، فقيل لهم إن ذلك غير ممكن الآن لأنه غير موجود في دستور الاتحاد الذي لا يمكن تغييره إلا في المؤتمر، وإنه لم يبق أمامهم سوى تحويل
روابطهم إلى فروعهم للاتحاد، وكان آيت شعلال (رئيس الاتحاد،) قد جاء إلى القاهرة لمعالجة الوضع ولكنه لم يستطع فعل أي شيء لوجود الطلبة في فترة امتحان، فعينت اللجنة التنفيذية للاتحاد رئيسي فرعي رابطة بغداد والقاهرة عضوين مع عبد اللاوي غير أن الرئيسين المذكورين تساءلا عن حق اللجنة في التعيين، وقد رأى عبد اللاوي أن ذلك دعوة صريحة لعدم الاندماج في الاتحاد، وهكذا عاد هذا التقرير إلى نقطة الصفر، نقطة الاتهام وطلب الانتقام الجماعي من طلبة المشرق، فأوصى وبلهجة حادة وحاسمة بما يلي:
أولا: وقف إرسال الطلبة إلى المشرق العربي، خصوصا الجامعات المصرية إلى أن يتحول الطلبة إلى المبادى الايديولوجية والتنظيمية التي تقود الثورة.
ثانيا: تجميد أية علاقة مع الروابط الطلابية المذكورة من قبل الحكومة ومن الجبهة والتنظيمات المتصلة بها وقطع الصلة معها وتعويضها بلجان من داخل الروابط لتقوم اللجان بدل الروابط بتوزيع المساعدات الشهرية للمنح الآتية من الحكومة المؤقتة.
ثالثا: قطع الثلاثين جنيها الشهرية عن رابطة القاهرة التي سلمت لها كإعانة من الحكومة المؤقتة.
رابعا: تأجيل إنشاء فروع للاتحاد في المشرق العربي إلى وقت لاحق.
خامسا: استثناء طلبة المشرق العربي من كل مشاركة على المستوى الدولي.
سادسا: إدخال التنظيم السياسي من قبل الجبهة وسط طلبة المشرق. العربي بالاعتماد على (العناصر النظيفة) التي بقي منها الكثير بينهم.
سابعا: اتخاذ عقوبات صارمة (مثالية) ضد العناصر التي لعبت دورا رئيسيا في الحركة الانفصالية.