الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
شك أن للتيار اليساري أيضا رأيه في إيديولوجية الثورة، فهي في رأيهم مستمدة من التناقض الطبفي والبورجوازية المدعومة من الاستعمار (1).
الثقافة في الإعلام الرسمي
لعل الحديث عن الثقافة في الإعلام الرسمي لا يتم إلا بربطه بالتعريب، ونعني هنا الإعلام الموجه إلى الشعب الجزائري وإلى جمهور الوطن العربي الذي رأى في الثورة الجزائرية وسيله الخلاص له من ربقة الاستعمار والإمبريالية فاحتضنها، فكيف عالج إعلام جبهة التحرير المسألة اللغوية مثلا؟ إن النشرات الخبرية في صوت الجزائر كانت في الجزائر والبلاد العربية باللغة العربية بالأساس سواء في برامجها أو في عدد حصصها، ونقصد هنا العربية الفصحى والعربية الدارجة، وكانت جريدة المجاهد نفسها مزدوجة اللغة (عربية - فرنسية)، كما كانت معظم النشرات الصادرة عن وكالة الأنباء الجزائرية، وكانت البرامج الموجهة من صوت العرب والإذاعة المصرية الدولية باللغتين أيضا (2).
وقد أوضح السيد محمد يزيد وزير الأخبار في الحكومة المؤقتة سنة 1959 عندما كان يتحدث عن نظام الدعاية والتوجيه الموجه إلى الخارج والداخل قائلا: إن الوسائل الدعائية والنفسية والمادية للحكومة الآن محدودة، ولذلك قررت دعم هذه الوسائل وإمدادها بالقوة البشرية اللازمة، وقال إن إعلامنا موجه إلى الخارج ولا سيما الرأي العام الفرسي، وأن (الشعب الجزائري شعب عربي ولغته (هي) العربية، لذلك تولي وزارة الأخبار عناية خاصة بوسائل تعريب دعايتنا في المنشورات والإذاعات معا،) ومما يلاحظ بهذا الصدد أن هذا التصريح كتبته المجاهد بالحرف الكبير مع صورة الوزير. وفي نظر الوزير يزيد أن لجوء الاستعمار إلى سياسة الاندماج مع طول
(1) ابن خدة، شهادات ومواقف، مرجع سابق، ص 106.
(2)
انظر ذلك في محله في فصل الإعلام والثورة.
العهد قد أضعفت من الوسائل البشرية في ميدان التعريب، لكن الثورة قد تمكنت من تهيئة الإطارات المعربة الكافية في ميدان الدعاية حتى يكون (باستطاعتنا أن نواجه حاجتنا بعد الاستقلال من الإطارات العربية اللازمة سواء كانت صحافية أو ثقافية)(1).
ولكن الحكومة المؤقتة والمسؤولين في الاجتماعات الرسمية كانوا يتناقشون - كما سبق - باللغة الفرنسية أو كما اتفق، وكانت المحاضر تكتب باللغة الفرنسية بما في ذلك محاضر مؤتمر الصومام واجتماعات المجلس الوطني ولجنة التنسيق والتنفيذ واتفاقيات إيفيان وبرنامج طرابلس وبيان أول نوفمبر، ومعظم هذه النصوص الحيوية عرفت العربية عن طريق الترجمة فقط، كما أن اتفاقيات إيفيان لم تكتب إلا باللغة الفرنسية دون الأخذ في الاعتبار مسألة السيادة التي كان قادة الثورة يلحون عليها، وإذا كانت وثائق الثورة الأخرى (بيان أول نوفمبر والصومام وطرابلس ..) قد كتبت أصلا بالفرنسية ثم ترجمت وكانت وثائق جزائرية محض فإن إيفيان كانت عبارة عن تعاهد بين طرفين بل بين حكومتين، ومع ذلك لم تكتب نسخة منها بالعربية التي طالما تحدث قادة الثورة على أنها اللغة الوطنية المضطهدة للشعب الجزائري ولغة تراثه وثقافته الممتدة عبر العصور.
ويبدو أن المكاتب الإعلامية في البلاد العربية كانت تتعامل باللغة العربية مع سلطات البلاد التي هي فيها ولكنها تتراسل بالفرنسية مع رئاسة الوفد الخارجي قبل تأليف الحكومة ثم مع وزراء الحكومة بعد تأليفها، كما يظهر من وثائق هذه الحكومة المتوفرة الآن في الأرشيف الوطني، وأثناء البحث في الوثائق لاحظنا اختلافا حتى في اتخاذ الأختام الرسمية، فبينما كان ختم وزارتي، الثقافة والخارجية مكتوبا كله باللغة العربية كان ختم وزارة القوات المسلحة
(1) المجاهد 41، أول مايو 1959.